راتبة الفجر فضائل وأحكام
الخطبة الأولى :
إِنَّ الحمدَ للهِ
نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ
أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا
إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ (( يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ
إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ
مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ
بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) (( يَا
أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ
لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
)) ، أما بعد: فإن خير الكلام كلام
الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة
بدعة ، وكل بدعة ضلالة .
أيها المسلمون: "اعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ"
قَالَه رَسُولُكم عليه أزكى سلام وأفضل صلاة [حديث صحيح رواه أحمد وابن ماجه]، وقال: (( والصلاةُ نُورٌ )) [رواه مسلم] إنها نور يستنير بها قلب العبد وعقله ونفسه وبصيرته
ووجهه ودنياه وقبره وأخراه .
ومَرَّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً
بقبرٍ فقال: "مَنْ صاحبُ هذا القبرِ؟ " فقالوا: فلان ، فقال: "ركعتان
خفيفتان مما تحقرون وتنفلون يزيدها هذا في عمله أحبُّ إليه من بقيّةِ دنياكم"
[حديث صحيح رواه الطبراني
في الأوسط وابن المبارك وابن أبي شيبة. وصححه الألباني قي الصحيحة رقم (1388)]
فاستثمروا أعماركم أيها الناس بالإكثار من الصلاة،
ولا تحقروا الخفيف منها فضلها كبير، وأجرها عظيم .
عباد الله وإن من صلاة النافلة ذات الفضل العظيم: السنة الراتبة لصلاة الفجر، فقد قال النبي صلى
الله عليه وسلم فيها : (( ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها)) [رواه مسلم] .
ـــ وفي رواية قال: ((هما أحب إلي من الدنيا جميعا))
[رواه مسلم].
استشعروا يا عباد الله : الدُّنيا منذ خُلقت إلى
قيام الساعة بما فيها مِن كُلِّ الزَّخارف مِنْ ذَهَبٍ وفضَّةٍ ومَتَاعٍ وقُصور ومراكب
وغيرها ، هاتان الرَّكعتان خيرٌ مِن ذلك كله؛ لأن الدُّنيا زائلة، وثواب هاتين الرَّكعتين
باق.
ـــ ولذا
كان النبي عليه الصلاة والسلام يعتني بهما عناية فائقة، قالت عائشة رضي الله عنها تحكي
ذلك: ((لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد معاهدة من الركعتين
قبل الصبح)) [متفق
عليه] .
ـــ وفي صحيح مسلم قالت: ))ما رأيته صلى الله عليه
وسلم إلى شيء من الخير أسرع منه إلى الركعتين قبل الفجر)) .
وفي تفسير قول الله تعالى في سورة الطور: ((وَمِنَ
اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ)) جاء عن علي وابن عباس رضي الله عنهم
في تفسيرها قالا: هما الركعتان قبل صلاة الصبح . [رواهما ابن جرير] .
فحكم راتبة الفجر عباد الله: سنة مؤكدة . لهذه النصوص
السابقة، لذا يسميها بعض العلماء بـ ( رغيبة الفجر ) لقوة الترغيب بها .
وهي مرتبطة بصلاة الفجر ذات الفضائل العظيمة، فلا
عجب أن يكون لها هذا الفضل العظيم، وهذه الآكدية .
ولآكديتها كان من خصائصها عن السنن الرواتب: أنه صلى الله عليه وسلم كان يصليها في الحضر والسفر،
فلا يدعها حضراً ولا سفراً ... وهذا أول خصائِصِها وأحكامِها .
عباد الله: ولراتبة الفجر أحكام وخصائص أخرى:
ثاني أحكامِها: أنها راتبة قبلية، فوقتها قبل صلاة الفجر بين أذانها
وإقامتها، هذا ما صرحت به الأحاديث، يبدأ وقتها من دخول وقت صلاة الصبح بطلوع الفجر
الصادق وينتهي بتكبير الإمام لصلاة الفجر .
فمن تعمد تأخيرها بغير عذر حتى أقيمت الصلاة فقد
فاتت عليه فضيلتها .
ـــ أما من أخرها لعذر ، فيشرع له قضاؤها، ويخير
بين قضائها بعد صلاة الفجر مباشرة أو بعد طلوع الشمس وارتفاعها . قاله ابن باز رحمه
الله، وقال لكن تأجيلها إلى ما بعد ارتفاع الشمس أفضل . اهـ .
ـــ ومن دخل المسجد وقد أقيمت الصلاة، لا يشرع له
الدخول في الراتبة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا
المكتوبة )) رواه مسلم .
ـــ ومن فاتته صلاة الفجر حتى خرج وقتها وطلعت الشمس،
لعذر كنوم ونحوه ، فإنه عند القضاء يصلي السنة الراتبة ثم يصلي بعدها صلاة الصبح، كما
فعل النبي صلى الله عليه وسلم لما نام عن صلاة الفجر هو والجيش، ولم يوقظهم إلا حر
الشمس، حيث صلى عليه الصلاة والسلام السنة الراتبة ثم صلى بعدها صلاة الصبح . [في الصحيحين]
ثالثاً من أحكام سنة الفجر: أنه يستحب تخفيفها، يخفف القراءة فيها ولا يطيل
ركوعها وسجودها، هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيها .
قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر فيخفف حتى إني لأقول هل قرأ فيهما بأم الكتاب )) [متفق عليه]
وقالت حفصة رضي الله عنها: ((كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر قبل الصبح في بيتي يخففهما جداً )) إسناده جد .
رابعاً من أحكام راتبة الصبح: القراءة فيهما : ورد وجهان للسنة في قراءتها :
أحدهما : أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة
بسورة الكافرون وفي الثانية بالإخلاص [من حديث أبي هريرة وابن عمر عند أحمد والترمذي
وابن ماجه]
والثاني: أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة
بقوله تعالى: ((قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْـزِلَ إِلَيْنَا .....)) الآية
(136) من سورة البقرة ، وفي الركعة الثانية بقوله تعالى : ((قُلْ يَا أَهْل الْكِتَابِ
تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ)) الآية (64) من آل عمران [صحيح مسلم من حديث ابن عباس]
ــ والمستحب في السنة المتعددةِ الأوجهِ أن يفعل
هذا أحيانا وهذا أحيانا، ويُغَلَّبُ جانبَ السنة الأكثر فعلاً من النبي صلى الله عليه
وسلم .
ــ ويستحب الإسرار فيهما بالقراءة وعدم الجهر، بهذا
صحت الرواية .
خامساً من أحكام سنة الفجر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها في بيته،
كعادته في السنن الرواتب، وقد قال قولاً عاماً في صلاة النافلة، قال: (( صلوا أيها
الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاةُ المرء في بيته إلا المكتوبة)) [البخاري] .
وجاءت صلاته
لسنة الفجر في بيته مصرحاً بها في أحاديثها الواردة ، ولذا كان الراوي لفقه صلاته صلى
الله عليه وسلم لهاتين الركعتين هن زوجاته أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن .
ربنا أعنا على ذكرك
وشكرك وحسن عبادتك، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين إنك أنت الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاماً
على عبده الذي اصطفى، وعلى آله وأزواجه وذريته وأصحابه، وعلى كل من اقتفى ، أما بعد
:
سادساً من خصائص سنة الفجر : استحباب الاضطجاع على الْجنب الأيمن بعدها، ففي
الصحيحين قالت عائشة رضي الله عنها: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي
الفجر اضطجع على شقه الأيمن)) .
وفي الترمذي وأبي داود بسند صحيح قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ((إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على جنبه الأيمن))
سابعاً من خصائصها: أن السنة ألا يصلى بين الأذان والإقامة لصلاة الفجر
غيرها لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، عن حفصة رضي الله عنها قالت ((كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين)) [مسلم]
هذا في غير ذوات السبب، أما ذوات السبب فإنه يجوز
أن تصلى كتحية المسجد لمن صلى ركعتي الفجر في بيته ثم جاء إلى المسجد ونحو ذلك.
اللهم فقهنا في الدين وعلمنا ما ينفعنا وزدنا علما وهدى وتقى وصلاحا
وزكاءا يا أرحم
الراحمين، ربنا اجعلنا مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا ربنا وتقبل دعاء، اللهم إنا على
ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم إنَّا نسأَلُك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة
الحق في الرضا والغضب، ونسألك القصد في الفقر والغنى. ونسألك نعيما لا ينفد، ونسألك
قرة عين لا تنقطع، ونسألك الرضا بعد القضاء، ونسألك برد العيش بعد الموت. ونسألك لذة
النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة. اللهم زيّنا بزينة
الإيمان واجعلنا هداة مهتدين برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر
همنا ولا مبلغ علمنا ، اللهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين وألْحقنا بالصالحين غير خزايا
ولا مفتونين ، اللهم ألّف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واهدنا سبل السلام ونجنا من الظلمات
إلى النور وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا
وأزواجنا وذرياتنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها
قابليها وأتمها علينا يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام .
عباد الله: اذكروا الله
يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ صلاح العريفي تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=121
|