شرحُ حديث ( الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمان )
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عباد الله: اتقوا الله تعالى وآمِنُوا بِرَسولِه, واعلموا أن فَضْلَ اللهِ واسِع, وَدِينَهُ شامِلٌ جامِع. وقَدْ أَنزلَ كِتابَه تِبيانا لِكُلِّ شيء, وأَعْطَى رَسولَه صلى اللهُ عليه وسلم جَوَامِعَ الكَلِم, لِتَنْهَلُوا مِن سُنَّتِه, وتَأخُذُوا مِن مِشْكاتِه ما فِيهِ صَلاحُ أَمْرِ دِينِكُم ودُنْياكُم دُونَ عَناءٍ أو كَلَفَة. وَمِنْ جوامِعِ كَلِمِهِ صلى اللهُ عليه وسلم, قَوْلُه: ( الطُّهورُ شَطْرُ الإيمانِ، والحَمْدُ للهِ تَملأُ المِيزانَ، وسُبحَانَ اللهِ والحَمْدُ لهِه تَملآنِ أو تَملأُ ما بَيْنَ السَّماواتِ والأرْضِ، والصَّلاةُ نورٌ، والصَّدقَةُ بُرهَانٌ، والصَّبْرُ ضِياءٌ، والقُرآنُ حُجَّةٌ لك أو عَلَيكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبائعٌ نَفْسَهُ، فمُعْتِقُها أو مُوبِقها ).
والمُرادُ بالطُّهُورِ في الحديث: الوُضُوء. والمُرادُ بالإيمان: الصلاة, لأن اللهَ تعالى سَمَّى الصلاةَ في القرآنِ إيماناً فقال: ( وما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُم ), أي: ثوابَ صلاتِكُم إلى بَيْتَ المَقْدِسِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ القِبلَةُ إلى الكعبة. وهذا يَدُلُّ على فَضْلِ الوُضوء, لأنه مِفْتاحُ الصلاة, فلا تَصِحُّ بِدونِه. وكذلكَ يَدُلُّ على عِظَمِ شأْنِ الصلاة, حُيثُ سمّاها النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ إيمانا. فيكونُ معنى قولِه: الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمان, أي: الوُضُوءُ نِصْفُ الصلاة.
وقوله: ( والحمدُ لله تملأ الميزانَ )، أي, لو كان الحمدُ جسماً لملأ الميزان، وقد دَلَّتِ الأدلة عَلَى أن أعمالَ بني آدم وأقوالَهم تَكُونُ صُوَراً تُرى في قُبُورِهِم ويومَ القيامة وتوزَنُ.
ثم قال في الحديث: ( وسُبحانُ اللهِ والحمدُ لله تملآن ما بَينَ السماءِ والأرض )، وسببُ ذلك: أنَّ التَسبيحَ تَنْزيهٌ لله من النَّقائِصِ والعُيُوبِ والآفات. وتَنْزيهُهُ عن الشريكِ والمَثِيل. وكذلك التحميدَ: فإنه الثَّناءُ على الله, مَعَ إثباتِ المحامد كلِّها لله، فدخل في ذلك إثباتُ صفاتِ الكمال ونعوتِ الجلال كلِّها لِلّه، مع حُبِّهِ وإجْلالِه. وَسُئِلَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم, أَيُّ الكَلامِ أفضل؟ فقال: ( ما اصطفى اللهُ لِمَلائِكَتِه أو لِعِبادِه: سبحانَ اللهِ وبحمدِه ), ولذلكَ صارَ مَنْ يُواظِب على هذا الذكر في الصباح والمساء مِنْ أكثَرِ الناسِ أعمالاً وحسناتٍ يوم القيامة. قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ( مَنْ قالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: سبحانَ اللهِ وبِحَمْدِهِ مِائةَ مَرَّة, لَمْ يأتِ أَحَدٌ يومَ القيامةِ بأفضَلَ مِمَّا جاءَ بِه, إلا أَحَدٌ قالَ مِثْلَ ما قالَ أو زاد ).
ثم قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ( والصلاةُ نورٌ ), فهي للمؤمنين في الدُّنيا, ونورٌ في قلوبهم وبصائرهم, وفي قبورهم, وفي ظلمات القيامة.
وقال في الحديث أيضاً: ( والصدقة برهان )، والبرهان: هو الشُّعاعُ الذي يلي وجهَ الشَّمس، فالصدقةُ بُرهانٌ على صحة الإيمان، وسَبَبُ ذلك: أنَّ المالَ تُحِبُّه النُّفوسُ وتبخَلُ به، فإذا سَمَحَت بإخراجِهِ لله دلَّ ذلك على صحَّة إيمانِها بالله ووعْدِه ووعِيدِه.
وقال في الحديث أيضاً: ( والصبرُ ضِياء )، يُضيءُ للمؤمنِ حياتَه, وبَصِيرَتَه, ويَكونُ سَبَباً لتَفريجِ كَرْبِهِ وزوالِ هُمومِهِ وغُمُومِه. وَسَماه النبيُّ صلى الله عليه وسلم ضياءً, معَ العِلْمِ أنَّ الضياءَ نور!!! لكن لما كانَ الصبرُ فيه نوعُ مَشَقَةٍ وألَم, سَمّاهُ ضِياءً, لأن الضياءَ: هو النُّورُ الذي يحصلُ فيه نوعُ حرارةٍ وإحراقٍ كضياء الشمس بخلاف القمر، فإنَّه نورٌ محضٌ، فيه إشراقٌ بغير إحراقٍ.
وأفضَلُ أنواعِ الصبر: الصبر على طاعةِ الله. ثم يَلِيه الصبرُ عن المعاصي والشهوات. ثم الصبرُ على أقْدارِ الله المُؤْلِمَة.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً. أَمّا بَعدُ،
عباد الله: ومما وَرَدَ في الحديثِ الذي سمعتم, قوله صلى الله عليهِ وسلم: ( والقرآنُ حُجّةٌ لَكَ أو عليك )، والسَّبَبُ في ذلك أَنَّ القرآن ليس كغَيْرِهِ مِنَ الكُتُب, وإنما هو كَلامُ الله, وكِتابُه الذي أنزلَه على رسولِه صلى الله عليهِ وسلم, هدايَةً للناس, وابتلاهم بِهِ وبما فيه, فَمَن قَرأه وعَمِلَ بما فيه رَبِحَ ونَجا, ومَنْ أعرضَ عنه خابَ وخَسِر. قال تعالى : ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً ). قال بعضُ السَّلف: ما جالسَ أحدٌ القرآنَ فقام عنه سالماً ؛ بل إمَّا أنْ يربح أو أنْ يخسرَ، ثمَّ تلا هذه الآية.
ثم خَتَمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم هذا الحديث بقوله: ( كلُّ النَّاس يغدو، فبائعٌ نفسه فمعتِقُها أو موبقها ), وهذا يدلَّ على أن كلَّ إنسان فهو ساعٍ في هلاك نفسه، أو في فِكاكِها، فمن سعى في طاعة الله، فقد باع نفسَه للهِ، وأعتقها من عذابه، ومن سعى في معصيةِ الله، فقد باعَ نفسَه بالهوان ، وأوبقها بالآثام الموجبة لغضب الله وعقابه، قال تعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ). قال الحسن: المؤمن في الدنيا كالأسير، يسعى في فكاك رقبته، لا يأمنُ شيئاً حتّى يلقى الله.
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، اللهم آتِ نفُوسنا تقواها وزكّها أنت خير مَنْ زكَّاها, أنت وليّها ومولاها، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قولٍ وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم أصلحْ لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم ألّف بينَ قلوبِ المؤمنين، وأصلحِ ذاتَ بينِهم، واهدِهِم سُبَلَ السلام ونجِّهم من الظلمات إلى النور وانصرهم على عدوّك وعدوِّهم يا قوي يا عزيز، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم ووسع مدخلهم وأكرم نزلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقّهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أغثنا، غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً، سحاً غدقاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت، اللهم أنزل علينا من السماء ماء مباركاً تُغيث به البلاد والعباد وتعُمَّ به الحاضر والباد، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك من جميع ذنوبنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|