خطبة جمعة عن حسن الخاتمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه .....................................
أيها الإخوة المسلمون : يعيش الناس في هذه الحياة ما كتب الله لهم من الأيام , (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) وقد علم الخلق كلهم أنه لامعمر على وجه الأرض أبدا ( كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) ( كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور ) يبقى المسلم في هذه الحياة ينتظر ساعة النقلة , ويطمع ويدعوا ويتمنى أن تأتيه منيته على أحسن حال , لان الأعمال بالخواتيم , ويبعث المرء على ما مات عليه , وإن الله عز وجل جعل الجنة درجات بعضها فوق بعض , فمن تلك الرجات مالا تنال بعمل , وإنما تنال بالبلاء , إن الله إذا أحب عبدا ابتلاه , ومن يرد الله به خيرا يصب منه . أيها الاخوة : لقد ابتلى الله تعالى خلقا كثيرا من عباده بأنواع من البلاء وعلى رأس الناس أنبياءه ورسله فقد قال صلى الله عليه وسلم : الأنبياء اشد بلاءا ثم الأمثل فالأمثل ويبتلى المرء على قدر إيمانه . والقصص في ذلك كثيرة وكثيرة جدا . بين يدي قصة نقلها الإمام ابن حبان في صحيحة لأحد رجالات التابعين يتبين فيها مدى التحمل والشكر عند السراء والصبر عند البلاء فأليكم وها : قال عبد الله خرجت إلى ساحل البحر مرابطا وكان رابطنا يومئذ عريش مصر قال فلما انتهيت إلى الساحل فإذا أنا ببطيحة وفى البطيحة خيمة فيها رجل قد ذهب يداه ورجلاه وثقل سمعه وبصره وما له من جارحة تنفعه إلا لسانه وهو يقول : اللهم أوزعني أن أحمدك حمدا أكافئ به شكر نعمتك التي أنعمت بها علي وفضلتني على كثير ممن خلقت تفضيلا . قال الاوزاعي قال عبد الله قلت : والله لآتين هذا الرجل ولأسألنه أنى له هذا الكلام فهم أم علم أم إلهام ألهم , فأتيت الرجل فسلمت عليه فقلت : سمعتك وأنت تقول اللهم أوزعني أن أحمدك حمدا أكافئ به شكر نعمتك التي أنعمت بها علي وفضلتني على كثير من خلقت تفضيلا . فأي نعمة من نعم الله عليك تحمده عليها , وأي فضيلة تفضل بها عليك تشكره عليها , قال وما ترى ما صنع ربي والله لو أرسل السماء علي نارا فأحرقتني وأمر الجبال فدمرتني وأمر البحار فغرقتني وأمر الأرض فبلعتني ما ازددت لربى إلا شكرا لما أنعم علي من لساني هذا ولكن يا عبد الله إذ أتيتني لي إليك حاجة قد تراني على أي حالة أنا , أنا لست أقدر لنفسي على ضر ولا نفع ولقد كان معي بني لي يتعاهدني في وقت صلاتي فيوضيني وإذا جعت أطعمني وإذا عطشت سقاني ولقد فقدته منذ ثلاثة أيام فتحسسه لي رحمك الله . فقلت والله ما مشي خلق في حاجة خلق كان أعظم عند الله أجرا ممن يمشي في حاجة مثلك فمضيت في طلب الغلام فما مضيت غير بعيد حتى صرت بين كثبان من الرمل فإذا أنا بالغلام قد افترسه سبع وأكل لحمه , فاسترجعت وقلت أنى لي وجه رقيق آتى به الرجل فبينما أنا مقبل نحوه إذ خطر على قلبي ذكر أيوب النبي صلى الله عليه وسلم فلما أتيته سلمت عليه فرد على السلام فقال: ألست بصاحبي ؟ قلت بلى , قال : ما فعلت في حاجتي ؟ فقلت أنت أكرم على الله أم أيوب النبي؟ قال بل أيوب النبي 0قلت هل علمت ما صنع به ربه أليس قد ابتلاه بماله وآله وولده؟ قال بلى 0 قلت فكيف وجده ؟ قال وجده صابرا شاكرا حامدا , قلت لم يرض منه ذلك حتى أوحش من أقربائه وأحبائه , قال نعم . قلت فكيف وجده ربه قال وجده صابرا شاكرا حامدا . قلت فلم يرض منه بذلك حتى صيره عرضا لمار الطريق هل علمت قال نعم ؟ قلت فكيف وجده ربه ؟ قال صابرا شاكرا حامدا , أوجز رحمك الله . قلت له إن الغلام الذي أرسلتني في طلبه وجدته بين كثبان الرمل وقد افترسه سبع فأكل لحمه . فأعظم الله لك الأجر وألهمك الصبر . فقال المبتلى : الحمد لله الذي لم يخلق من ذريتي خلقا يعصيه فيعذبه بالنار , ثم استرجع وشهق شهقة فمات 0 فقلت: انا لله وانأ إليه راجعون عظمت مصيبتي رجل مثل هذا إن تركته أكلته السباع وإن قعدت لم أقدر على ضر ولا نفع فسجيته بشملة كانت عليه وقعدت عند رأسه باكيا , فبينما أنا قاعد إذ تهجم علي أربعة رجال فقالوا يا عبد الله ما حالك وما قصتك فقصصت عليهم قصتي وقصته فقالوا لي: اكشف لنا عن وجهه فعسى أن نعرفه فكشفت عن وجهه فانكب القوم عليه يقبلون عينيه مره ويديه أخرى ويقولون بأبي عين طالما غضت عن محارم الله , وبأبي وجسمه طالما كنت ساجدا والناس نيام , فقلت من هذا يرحمكم الله ؟ فقالوا : هذا أبو قلابة الجرمي صاحب بن عباس . لقد كان شديد الحب لله وللنبي صلى الله عليه وسلم فغسلناه وكفناه بأثواب كانت معنا وصلينا عليه ودفناه. فانصرف القوم وانصرفت إلى رباطي فلما أن جن علي الليل وضعت رأسي فرأيته فيما يرى النائم في روضة من رياض الجنة وعليه حلتان من حلل الجنة وهو يتلو الوحي (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) فقلت : ألست بصاحبي ؟ قال بلى . قلت :أنى لك هذا ؟ قال إن لله درجات لا تنال إلا بالصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء مع خشية الله عز وجل في السر والعلانية . والهم ارحمنا وارحم موتانا وصبرنا عند البلاء يارب العالمين 0
أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه ............
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ..........................
أيها الإخوة المسلمون : اتقوا الله تعالى حق التقوى 0
عباد الله : لقد فقد كثير من الناس اليوم الصواب حين التعامل مع
ما يصيبه فيما ظاهره الابتلاء , فيرد الأمر إلى من (لا يسمن ولا يغني من جوع ) من مخلوقات الله الفقيرة إلى الله , أو يعزوا ما يصيبه إلى فعل من لا يقدر على دفع الضر أو جلب النفع له فضلا عن غيره , وتجده يتضجر ويخرج عن الحد المشروع 0 إن على المسلم – أيها الإخوة - أن يعلم علم اليقين أنه مبتلا في هذه الحياة لا محالة , شاء ذلك أم أبى , رضي أم سخط , ولو تأخر عنه البلاء فسيصيبه , فإن الله تعالى قال في محكم تنزيله ( بسم الله الرحمن الرحيم * الم أحسب الناس لأن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) وقال سبحانه ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا ......) كما على المسلم أن يعلم أنه إن لم يبتلى في جسده فسيبتلى بماله , وإن لم يبتلى بماله فسيبتلى بأهله أو ولده أو والده أو قريبه أو جاره , وإن لم يبتلى بذلك فسيبتلى بأي نوع من البلاء , وقد يبتلى المسلم بذلك كله . قال عليه الصلاة والسلام : ما يزال البلاء في المؤمن والمؤمنة في نفسه وماله وولده حتى يلقى الله وليس عليه خطيئة 0 ولذا فإنه يتوجب على كل مسلم أن يوطن نفسه على تحري البلاء , ولينتظره في أي لحظة ما , مادام أنه يرجوا زيادة إيمانه 0 واسألوا الله فقولوا : اللهم لا تبتلينا فتفضحنا , وإذا ابتليتنا فصبرنا . فإن البلاء فتنة والفتنة تمحيص وظهور للحال وكشف للأمر وقد قال سبحانه ( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ) 0 واعلموا أنكم في دار البلاء والمحن والفتن , وقد قال صلى الله عليه وسلم " إن السعيد لم جنب الفتن , إن السعيد لمن جنب الفتن , إن السعيد لمن جنب الفتن , ولمن ابتلي فصبر , فواها .
اللهم أصلح أحوالنا ......................
|