خطبة جمعة / بمناسبة تأخر نزول الغيث
الحمد لله الذي جعل من الماء كل شيئ حي , أحمده سبحانه حمدا مطلقا على كل شيئ , إن أعطى فبفضله وإن منع فبعدله ( وما بكم من نعمة فمن الله ) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا الى يوم الدين 0 أما بعد : فاتقوا الله عباد الله .
أيها الأخوة المسلمون : إن الله جل وعلا لما خلق الخلق جعله يسير في أحسن نظام وأدق تفصيل , ليل ونهار , رياح وسكون , شتاء وصيف , بحار وجبال وسهول , وغير ذلك مما لا يعلم منه الخلق الا القليل ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا )( وربك يخلق ما يشاء ويختار ) ومتى ما أذن الله بزوال هذا العالم اخل نظامة واختلفت موازينه (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14) ثم يتحول الخلق من دار إلى دار حتى يكون الاستقرار إما في جنة أو نار 0
أيها الإخوة : إن من سنن الله في هذا الكون أن جعل سبحانه بقاء مخلوقات مرتهن ببقاء مخلوقات أخرى فمتى ما زالت تلك المخلوقات لا بقاء للأخرى بعدها , فالحياة كلها منظومة متكاملة يرتبط بعضها ببعض , فلولا الزواج لما وجد النسل , ولولا الهواء لما عاش كل متنفس , ولولا الماء لما عاش كل حي قال الله تعالى ( وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا تعقلون ) نقف اليوم وإياكم – أيها الإخوة - عند هذا المخلوق اللطيف السيّال الذي متى ما أمره الله أن يكون رحمة كان ( وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وينشأ السحاب الثقال ) , ومتى ما أمره أن يكون عذابا كان ( فانتقمنا منهم فأغرانهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ), يأتمر الماء حيث أمره الله , وينتهي عند نهي الله له , فهو مخلوق مربوب , الله الذي يأتي به , كما قال سبحانه ( والله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور ) والله الذي يمنعه ويذهب به كما قال سبحانه ( قل أرئيتم إن أصبح مائكم غورا فمن يأتيكم بماء معين ) فالماء نعمة وأي نعمة , والنعم تدوم وتزداد بالشكر( لان شكرتم لأزيدنكم ) , وتقل وتذهب بالكفر ( ولان كفرتم إن عذابي لشديد ) ولذا فإنا نجد النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن الإسراف في الماء ولو كان الإنسان على نهر جار , كما روي ذلك عنه , والإسراف في الماء يدخل ضمن ما نهى الله عن الإسراف فيه بقوله ( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) وقول النبي ص " كل واشرب والبس وتصدق من غير سرف ولا مخيلة " .
الماء – أيها الإخوة – قل في وقتنا الحاضر حتى جفت كثر من القرى والهجر فأصبح أهلها يعانون الأمرين من جلب المياه لأمكنتهم ويخسرون الأموال في ذلك مما اضطر ببعض أهلها إلى الهجرة منها إلى حيث يتواجد الماء كل ذلك والناس أو الكثير من الناس غافلون عن فعل أسباب استجلاب الماء , غير عابئين بارتكاب أسباب موانعه , يعمد الواحد إلى صنابير الماء في منزله فيفتحها فتأتي بماء منهمر , أكاد أجزم أن الكثير ممن هم في البيوت في المدن وخصوصا الشباب منهم وصغار السن لا يعلمون من أين يأتيهم الماء وكيف يأتيهم وما مقدار استهلاكهم منه ناهيك عن معرفة مقدار فاتورته أو نتائج فقدانه . أرأيتم – أيها الإخوة – لو عدم الماء عن الناس وانقطع أياما قليلة فلم يجدوا ماءا في بيوتهم ولا في بلدهم ماذا سيكون حالهم ؟ تصوروا ذلك جيدا وأجيلوا أفكاركم وأذهانكم في حيرة الناس , وفيما سيحدث من الفوضى واختلال الأمن والوفيات وغير ذلك مما لا قدرة للعقل على استيعابه وتصوره . ويبقى القليل من الناس أو أقل من القليل من سيلجئون إلى الله يستسقونه ويستغيثونه لعلمهم بأنه لا ملجأ من الله إلا إليه ومن هنا وفي مثل هذه الشدة يأتي قول النبي ص " تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة " أين التعرف على الله في الرخاء اليوم عند الكثير من الناس 0 وقد حصل قلة الماء في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما مرة فهاهو عليه الصلاة والسلام يستجلب الماء من رب الماء مرة يرفع يديه فيستغيث فينزل الماء , ومرة يضع يده في الإناء ثم يدعوا فينبع الماء من بين أصابعه , ومرة يغتسل بماء قليل ويدعوا فيه ثم يصبه على ماء قليل في قاع البئر فتسيل سيلا فتسقي جميع الناس 0
إن الماء ذا أهمية عظمى في الدنيا والآخرة أما أهميته في الدنيا فقد علمتم ذلك ومن قبل كنتم تعلمون , وأما في الآخرة فإن أهل النار حينما يستقرون فيها لا يسألون شيئا من الغوث سوى الماء قال الله تعالى عنهم ( ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا : إن الله حرمهما على الكافرين الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون ) . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ........
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ..................................
أيها الإخوة المسلمون : إن ما عند الله من خير لا يستجلب ولا يستنزل إلا بالخير فإن الخير يأتي بالخير ولا يأتي الشر بالخير أبدا فالإيمان بالله وتقواه سبب لاستجلاب الخير والغيث من الله قال تعالى ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ) ويستجلب الخير والغيث بكثرة الاستغفار والتوبة النصوح قال تعالى على لسان نوح عليه السلام ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جناة ويجعل لكم أنهارا ) ويستجلب الخير والغيث بإقامة العدل والبعد عن الظلم حيث البركة في الأرزاق ونمائها فقد جاء في مسند أحمد أنه وُجد في خزائن بني أمية حنطة , الحبة بقدر نواة التمر وهي في صرةٍ مكتوب عليها «هذا كان ينبت في زمن العدل» , ويستجلب الرزق والغيث بالبر وصلة الأرحام قال تعالى مبينا حال قاطعي الرحم ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * ألئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) ومن يلعنه الله فلن يأتي له ومنه خيرا أبدا , وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنهما : " صلة الرحم وحسن الجوار أو حسن الخلق يعمران الديار ويزيدان في الأعمار "ويستجلب الخير والغيث بإحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 0 ويستجلب بالتضرع وإظهار الفاقة والافتقار الى الله ففي الدعاء " اللهم أنت الغني ونحن الفقراء " ويستجلب الخير والغيث بكثرة الصدقة فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما استغاث ربه أمر الناس بخطبته بالتصدق والعتق 0 ويستجلب الخير والغيث بتبديل الناس حلهم من حال إلى حال أفضل منها قال تعالى
( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ...) 0 ويستجلب الخير والغيث بالبعد عن الفواحش وعدم التطفيف في الكيل وبإخراج الزكاة ففي الحديث " ما ظهرت الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشت فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين - أي بمنع المطر- وشدة المئونة وجور السلطان ولم يمنعوا زكاة أموالهم الا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ... الحديث " ألا فاتقوا الله عباد الله وصلوا وسلموا على الرحمة المهداه والنعمة المسداه محمد بن عبد الله .............................................الخ
|