خطبة جمعة حسن الخلق
إن الحمد لله نحمده ونستعينه .................................
أيها الاخوة المسلمون : اتقوا الله حق تقواه : وأطيعوه ولا تعصوه واذكروه ولا تنسوه واشكروه ولا تكفروه (ولا تموتون إلا وأنتم مسلمون) واعلموا ان أجل الله لات ( فإذا جاء لا يؤخر( فاغتنموا الحياة قبل الموت , والعمل قبل الفوت , والشباب قبل الهرم , والصحة قبل السقم , ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً ) واعلموا أن الدين المعاملة , لأن التعامل هو الذي يميز المعادن نفيسها من رخيصها , وهو الذي يظهر الإنسان على حقيقته , والناس معادن كمعادن الذهب والفضة وغيرها من المعادن الأخرى , منهم من يقول آمنت بالله ثم يستقيم على الإيمان حتى يلقى ربه فهؤلاء كالمعادن النفيسة , ومنهم من يقول آمنت بالله ثم ينتكس يتبع الأهواء والشهوات وهؤلاء كالمعادن الرخيصة التي سرعان مما تتغير ولا تبقى على جوهر واحد يقول صلى الله عليه وسلم حينما سؤل عن العرب : فعن معادن العرب تسألوني؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا" واعتبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه التعامل مقياساً من معادن الناس فقد جاءه مزك يزكي شاهداً فقال له عمر: هل جاورته؟ قال: لا ، قال: هل تعاملت معه بالدرهم والدينار؟ قال: لا قال: هل سافرت معه؟ قال: لا قال: قم فإنك لا تعرفه . وكان الدين المعاملة لآن الإنسان لا يسع الناس بماله وذلك لحبه له حباً جماً , ولأنه لو أنفق مرة لم ينفق أخرى ولأن النفوس جبلت على الشح , كما قال تعالى (وَأُحْضِرَتِ الأَنْفُسُ الشُّحَّ ) ولأن الانسان لا يسع الناس بجاهه لعدم معرفته لجميعهم فقد يعرف بعضهم ولا يعرف الباقين، ولعدم رضا جميع الناس عنه , ولكن يسع الناس بالتعامل الحسن , ومن هنا صار التعامل الحسن على قسمين جمعهما النبي صلى الله عليه وسلم بقوله " اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن" فالتعامل الأول هو التعامل مع الحق تبارك وتعالى , والمستفيد من هذا التعامل هو الإنسان , لأن الله غني عن عباده ولا ينتفع بطاعة مطيع ولا يتضرر بمعصية عاصي , وإنما يحصي أعمال عباده ثم يوفيهم إياها . يقول تعالى في الحديث القدسي: "يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني , ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ويقول: يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه". وتعامل العبد مع ربه يكون بإحسانه في عبادته يعبد الله وكأنه يراه فإن لم يكن يراه فإن الله يراه، وبهذا التعامل تتحقق المراقبة الحقة ويتيقن العبد أنه مكشوف أمام الله تعالى يسمع ما يقول ويبصر ما يفعل ويعلم ما يقول وهو في صدره قبل أن يكون على اللسان , وتثمر هذه المراقبة إتقان للعمل ليكون على مراد الله والخوف من الله والحفظ في الدنيا والآخرة وإجابة الدعاء والشكر لله على نعمه وقد كافأ الله أهل الإحسان بالحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة 0
والتعامل الثاني هو التعامل الحسن مع الخلق لأن الإنسان يعيش معهم ويستأنس بهم ولذا يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا (ويقول صلى الله عليه وسلم: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم" ويقول أيضا " المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف , وخير الناس أنفعهم للناس" ويقول: "لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق" ويقول: "تبسمك في وجه أخيك صدقة". والتعامل الحسن – أيها الاخوة - مع الخلق يعني التخلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل وأن تصل من قطعك بالسلام والإكرام والدعاء له والاستغفار والثناء عليه والزيارة له وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك، ويقوم هذا التعامل على : الصبر الذي يحمل على التحمل وكظم الغيظ وكف الأذى والحلم والرفق وعدم العجلة والطيش. كما يقوم على العفة التي تحمل على اجتناب الرذائل وفعل الفضائل وتمنع من الفحشاء والقبائح وتحمل على الحياء. كما يقوم على الشجاعة التي تحمل على عزة النفس والعدل والتحري. كما يقوم أيضا على العدل الذي يحمل على اعتدال الأخلاق 0 واعلموا أن النفوس لا تزكو إلا بحسن الخلق لتبقى على فطرتها ( التي فطر الله الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون).
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ................................
أيها الاخوة المسلمون : لم يزل الحديث موصولا عن هذا الخلق النبيل فإذا زكت النفوس نالت المطلوب ونجت من المرهوب . كيف لا وقد أقسم الله بعدد من مخلوقاته أن الفلاح منوط بتزكية النفوس قال تعالى (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ( ويقول سبحانه( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ) والخلق الحسن ربع الرسالة المحمدية فإن الله تعالى أرسل رسوله للأمة من أجل أن يتلو عليهم القرآن ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ويعلمهم السنة يقول تعالى (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) والخلق الحسن صفة الرسول صلى الله عليه وسلم قال تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ )(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ( وتقول عائشة: "كان خلقه القرآن"، ويقول أنس: "خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف قط وما قال لي لشيء صنعته لما صنعته ولا لشيء تركته لما تركته" وكان أحسن الناس خلقاً وكان يسلم على الصبيان ويداعبهم، " ومن حسن أخلاقه أنه جاءه شاب يطلب الزنا فنهره الصحابة فقال له: "أدن مني" فدنا منه فقال له بلين في الكلام وبشاشة في الوجه: "هل ترضى الزنا لأمك؟" قال: لا , قال: "أترضاه لبنتك؟" قال: لا , قال: "ولأختك وعمتك ولخالتك" قال: لا , قال: "والناس لا يرضونه لأمهاتهم ولا لبناتهم وأخواتهم" فوضع يده على صدره وقال: "اللهم طهّر قلبه وحصن فرجه واغفر ذنبه"، والخلق الحسن – أيها الاخوة - طاعة لله وطاعة لرسوله (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن الئك رفيقا ) كان وذلك لأن الله تعالى أمر به بقوله: ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) وكان طاعة للرسول صلى الله عليه وسلم لأنه أمر به في قوله: "وخالق الناس بخلق حسن" وبالخلق الحسن ينال الإنسان البر , وثواب البر الجنة . وبالخلق الحسن ينال المسلم محبة الله تعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم ومن أحبه الله أحبه جبريل وأحبته الملائكة وأحبه أهل الأرض ففي الحديث: "إذا أحب الله عبداً نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي جبريل في الملائكة إن الله يحب فلاناً فأحبوه ثم يوضع له القبول في الأرض". ومن أحبه الله حفظه في سمعه وبصره ويده وقدمه وأجاب دعاءه وأعطاه سؤاله . ومن أحبه رسول الله شفع فيه يوم القيامة يقول صلى الله عليه وسلم: "أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقاً" ويقول: "إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجالس أحاسنكم أخلاقاً وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني في الآخرة أسوأكم أخلاقاً " وبالخلق الحسن ينال الإنسان الخير كله وينجوا من الشر كله ولا يهلك على الله الا هالك 0 واعلموا أن حسن الخلق من أهون الاشاء فهو لسان لين ووجه طلق وتقديم النفع للناس حسب الاستطاعة يقول صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً الموطئون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف . وقال: "خير الناس أحسنهم خلقاً" وقال: "خيركم إسلاماً أحاسنكم أخلاقاً إذا فقهوا . ويقول صلى الله عليه وسلم: "إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً" ويقول: "أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم خلقاً". ويقول صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يحب معالي الأمور وأشرفها ويكره سفاسفها" وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الجنة فقال: "تقوى الله وحسن الخلق"،
وقال: "أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه" وقال أثقل شيء في ميزان المؤمن خلق حسن إن الله يبغض الفاحش والمتفحش البذيء". وبالخلق الحسن تعمر الديار وتزيد الأعمار وما عمارة الديار إلا لأن من علامات السعادة الجار الصالح يقول صلى الله عليه وسلم: "أربع من السعادة المرأة الصالحة والمسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء" وما زيادة الأعمار إلا للتعاون على البر والتقوى ولحب الخير للغير يقول صلى الله عليه وسلم: "حسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار" فاحرصوا على حسن الخلق تكونوا متآلفين متعارفين . اللهم حسن أخلاقنا...............................
|