عن أنواع النذور
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهد الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له, وأشهد أن محمد عبده ورسوله, صلى الله عليه وسلم, وعلى آله وأصحابه, أما بعد:
عباد الله:
النذر عبادة مكروهة, ولا يرد قضاءً, كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " النذر لا يقدم شيئاً ولا يؤخره, وإنما يستخرج به من البخيل" متفق عليه.
وفي لفظ نهى النبي صلى الله عليه عن النذر, وقال :" إنه لا يرد شيئاً". والنهي للكراهة وليس للتحريم, لأن الله عز وجل أمر بالوفاء به.
فقال سبحانه : { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً {7}}الإنسان.
وأقرّ مريم على فعله:{ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً {26}}مريم.
وأقرّ أمها عندما قالت:{ َربِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً}آل عمران.
فمن ألزم نفسه شيئاً لزمه الوفاء أو الكفارة.
أيها الناس: النذر أنواع:
منها ما يجب وفاءه, ومنها ما فيه كفارة يمين, ولجهل بعض الناس بأحكام النذر, خصصت هذه الخطبة للكلام عنها :
فالأول ( نذر الطاعة):
فهذا يجب الوفاء به, للآية المتقدمة, ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : "من نذر أن يطيع الله فليطعه" متفق عليه.
فمن نذر صلاة, أو صوماً, أو حجاً, أو عمرة, أو صدقه, لزمه الوفاء إن كان مطيقاً, وكذلك لو علق النذر لحصول نعمة, أو دفع نقمة, كقوله : ( إن عاد غائبي, أوشفي مريضي) وحصل مطلبه, فحصل له ما شرط لزمه الوفاء, وكذلك من قال: إن شفى الله مريضي فعلي ذبح شاة أو بدنة لزمه الوفاء, وهو على نيته, إن نواها للفقراء والمساكين حرم عليه الأكل منها, وإن نوى دعوة الناس لها أكل منها.
ومن نذر طاعة ما ليس بطاعة ظناً أنه طاعة لزمه فعل الطاعة, لما رواه البخاري من حديث بن عباس رضي الله عنهما قال: ( بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم , فسأل عنه ؟ فقالوا: أبو إسرائيل, نذر أن يقوم في الشمس ولا يستظل , ولا يتكلم , ويصوم ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مروه فليجلس ويستظل, وليتكلم, وليتم صومه" ).
ومن نذر ما ليس بطاعة ظناً أنه طاعة كفَّر, ولا يفعل المنذور, لما رواه الخمسة من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله حافية غير مختمرة, فسألت النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: "إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئاً, مرها فلتختمر, ولتركب, ولتصم ثلاثة أيام" .
النوع الثاني ( نذر المعصية):
كشرب الخمور, والنذر للقبور, أو لأهلها, أو فعل المحرمات, أو صيام العيدين, أو نذر ليضرب فلاناً, أو يعتدي على عرضه وماله, فهذا نذر معصية لا وفاء له, لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" متفق عليه.
ولقوله صلى الله عليه وسلم:" لا نذر في معصية, وكفارته كفارة يمين".
فمن نذر المعصية حرم عليه فعلها, ولكن تلزمه كفارة اليمين, وهي المذكورة في قوله تعالى : { فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ}آل عمران. الآية :89.
النوع الثالث (النذر المطلق الذي لم يسمَّ):
كقوله : لله علي نذر دون تعيين المنذور, فهذا يجزئه كفارة اليمين, لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" كفارة النذر إذا لم يسمَّ كفارة يمين" رواه الترمذي.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أرسل رسوله ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً، وأشهد أن لا إله لا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً، وأشهد أن محمداً عبد ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيداً أما بعد:
النوع الرابع من أنواع النذور
(النذر المباح):
كمن نذر لبس ثوب معين, أو ركوب دابة معينة, أو فعل مباح, فهذا مخير بين الكفارة أو فعل ما نذر, لما رواه أبو داود ( أن أمراة قالت : يا رسول الله إني نذرت إن ردَّك الله سالماً أن أضرب على رأسك بالدف, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أوفي بنذرك ") ورواه أحمد وغيره.
النوع الخامس ( نذر اللجاج والغضب):
كقول بعضهم إن كَلَّمتُك علي كذا, أو لأ فعلن كذا, فهذا كفارته كفارة يمين, لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "لا نذر في غضب وكفارته كفارة يمين" رواه سعيد بن منصور والنسائي والبيهقي وأحمد.
النوع السادس (النذر الذي لا يطاق):
كمن نذر أن يصوم سنة, أو يعتق مئة رقبة, أو يذبح مئة بدنة, وهو لا يملك شيئاً؛ لزمته كفارة يمين, وأجزأته عن نذره, لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" من نذر نذرنا ًلا يطيقه فكفارته كفارة يمين ".
اللهم فقهنا في الدين, وعلمنا التأويل, يا رب العالمين اللهم وفق ولاة أمرنا لما يرضيك واجعلهم من أنصار دينك وارزقهم البطانة الصالحة التي تعينهم على الخير وجنبهم بطانة السوء يا ذا الجلال والإكرام، اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا واكفنا شر الأشر وكيد الفجار يا سميع الدعاء، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك قريب مجيب الدعوات، اللهم أعزّ الإسلام، اللهم أعزّ الإسلام وأهله في كل مكان, وأذلّ الشرك وأهله, اللهم انصر دينك وأعلِ كلمتك, وأعذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, وصلى الله وسلم على نبينا ورسولنا محمد.
|