شكر الله على نزول الغيث وعدم تصديق المنجمين
الحمد لله مغيث المستغيثين, وفرج كرب المكروب, وهم المهمومين, ومجيب الداعين, ومعطي السائلين, له الحمد في الآخرة والأولى, وله الشكر والثناء, فسبحانه من إله عظيم, ورب كريم, وخالق رحيم.
إنما أمره إذا أراد شيئاً, أن يقول له كن فيكون, أحمده على إحسانه, وأشكره على منِّه وفضله, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وسلم, وعلى آله, وأصحابه. أما بعد:
عباد الله: فقد روى الإمام أحمد, وابن ماجة وغيرهم, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ضحك ربك من قنوط عباده, وقرب غيره, ينظر إليكم أزلين قنطين, فيظل يضحك, يعلم أن فرجكم قريب, فقال أحد الصحابة: أوَ يضحك الرب العظيم يا رسول الله؟ لن نعدم من رب يضحك خيراً, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لن نعدم من رب يضحك خيراً".
ويقول سبحانه في محكم تنزيله: { وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ {28}} الشورى.
عباد الله: كنا قبل أسبوع نضج إلى الله بالدعاء, سائلين الغيث, وأن يحيي الأرض بعد موتها, وكنا كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في حالة من الشدة والكرب, فجعل الله لنا بهذا الغيث العميم, واستبشرنا, كما في قوله سبحانه وتعالى:{ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ {48} وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ {49} فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{50}}الروم .
وهذا هو الواجب على أهل الإيمان, بأن يقابلوا نعمة الله بالشكر والثناء, والدعاء والرجاء, وطلب المزيد.
{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ {7}} إبراهيم.
فالحمد لله على نعمه الظاهرة, والباطنة, والشكر على نعمه, وآلائه.
عباد الله: إن من الناس _هداهم الله_ من يكفر بنعمة الله, ونسبها لغيره, كما قال سبحانه:{ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ {82}} الواقعة.
قال ابن عباس – رضي الله عنه- : ما مطر قوم؛ إلا أصبح بعضهم كافراً, يقول مطرنا بنوء كذا وكذا, وقرأ ابن عباس:{ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ {82}}.
وفي الصحيحين, من حديث زيد بن خالد الجهني _ رضي الله عن _ قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبة, على أثر سماء كانت من الليل, فلما انصرف, أقبل على الناس, فقال: " هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم, قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر, فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته؛ فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب, وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا؛ فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب".
عباد الله: دب لأهل الإسلام ألفاظ شركية, منها ما هو موروث, ومنها ما تلقوه من ألسنة الكفرة, كقولهم: هذا المطر بسبب النجم الفلاني, أو بسبب استدارة الفلك, أو تغير الطقس, أو أي لفظ من ألفاظ المشركين.
أيها المسلمون: خمس لا يعلمها إلا الله, ذكرها عز وجل في كتابه:{ إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {34}} لقمان.
فعلم نزول الغيث, من علوم الغيب التي اختص الله بها, وكم كذب أولئك المنجمون على الناس, وأشاعوا من الإشاعات الكاذبة, وكم زعموا من سَنَةٍ خِصْبَة, فأصبحت مجدبة مقحطة.
وكذب المنجمون ولو صدقوا, فاتقوا الله عز وجل, وانسبوا الفضل والرزق للرازق سبحانه وتعالى: واحذروا الشرك بأنواعه, وقولوا كما أمركم نبيكم صلى الله عليه وسلم: " مطرنا بفضل الله ورحمته, اللهم صيباً نافعاً ".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ {96}} الأعراف.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه, وسنة سيد المرسلين, وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين .
الخطبة الثانية
إن الحمد لله, نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُهُ, ونعوذُ باللهِ من شُرورِ أنفسنا, وسيئات أعمالنا, مَنْ يهد الله فلا مضلّ له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدُهُ لا شريك له, وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ, أما بعد:
عباد الله:
اتقوا الله واشكروه على نعمه الكثيرة, التي لا تعد ولا تحصى, ومن نعمه علينا نعمة الغيــث, حيث أغاثنا ونسأله المزيد, وأستبشر الناس.
{قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ {58}}يونس.
وقال تعالى :{ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ {48} وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ {49} فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {50}} الروم.
فأخبر الله عز وجل أن عباده يستبشرون بنزول الغيث, لأنه يحيي الأرض بعد موتها وإجدابها, فحياة الأرض بالغيث, وحياة القلوب بالإيمان, فتستبشر المخلوقات بنزوله.
قال تعالى:{ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ {30}} الأنبياء.
وقال تعالى :{ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً {48} لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً {49}} الفرقان.
وعند نزول الغيث وابتدائها النبات, يخرج الناس لرؤية آثار ذلك الغيث, وهذا الخروج مباح إن سلم من العوارض .
ولكن لا بدمن التذكير ببعض الآداب, منها:
المحافظة على الصلوات في أوقاتها, وإقامة الجماعة للجماعة .
ومنها الإكثار من ذكر الله عز وجل وشكره على النعمة التي كنا بالأمس نتمناها, واليوم ننظر إلى أثارها, وسؤال الله المزيد منها.
ومن الآداب: الاتصاف بالحياء, لأنه من الإيمان, وهو خير كله, و الحياء لابد أن يصاحب المؤمن في جميع أمره, ولكن يتأكد عليه عند مخالطة الناس, يكشف الأذى, ويغض البصر, ويرد السلام, ويحفظ العورة.
ومن ذلك عدم التعرض لطريق الناس بالتخلي في طريقهم, أو ظلمهم, أو منافعهم, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " اتقوا اللاعنين الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم" رواه مسلم.
ومن الآداب حفظ أهله ونسائه من الفتنة والافتتان, بحيث لا يَفتن ولايُفتنُ, لأن بعض الناس هداهم الله إذا خرج للبر ترك الحبل على الغارب للنساء , فخرجن كاسيات عاريات أمام العاقل والسفيه وهذا تفريط من الراعي وعدم الغيرة على المحارم.
ومن ذلك التأدب بآداب السفر بالنسبة للمسافر, من الجمع والقصر, والتكبير على الشرف, والتسبيح عند الهبوط, وقول أعوذ بكلمات الله التامات عند النزول, إلى غير ذلك من الآداب الشرعية المشروعة في السفر.
ومن ذلك عدم ترك صلاة الجمعة, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من ترك ثلاث جمع تهاوناً طبع على قلبه ". فإن كان من أهل وجوبها وجب عليه أداؤها.
أيها المسلمون: لقد علَّمكم نبيكم عليه الصلاة والسلام ما يصلح دينكم ودنياكم, فتمسكوا بما جاءكم عنه.
اللهم ألهمنا رشدنا, وقنا شر نفوسنا, وأعذنا من مضلات الفتن، اللهم فقهنا في دينك وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا رب العالمين، اللهم وفق ولاة أمرنا لما يرضيك واجعلهم من أنصار دينك وارزقهم البطانة الصالحة التي تعينهم على الخير وجنبهم بطانة السوء يا ذا الجلال والإكرام، اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا واكفنا شر الأشرار وكيد الفجار يا سميع الدعاء، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك قريب مجيب الدعوات، اللهم أعزّ الإسلام، اللهم أعزّ الإسلام وأهله في كل مكان, وأذلّ الشرك وأهله, اللهم انصر دينك, وأعلِّ كلمتك, ربنا آتنا من لدنك رحمة, وهيئ لنا من أمرنا رشداً وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .
|