خطبة الوقف
الحمد لله القديم فلا أول لوجوده . الدائم الكريم فلا آخر لبقائه
ولا نهاية لحدوده الملك الحق القادر فكل ما في العالم من أثر قدرته مصرف الخلائق
بين رفع وخفض وبسط وقبض وإبرام ونقض وإماتة وإحياء وإيجاد وفناء وإسعاد وإضلال وإعزاز
وإذلال يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده
الخير انه على كل شيء قدير بيده النفع والضر وله الخلق والأمر تبارك الله رب
العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيد العرب والعجم والخلق أجمعين
وعلى آله وأصحابه الغر الميامين .. وبعد
فإنه
مما يتقرب به إلى الله تعالى الوقف وهو عبادة ثابتة في السنة وإجماع سلف الأمة. والوقف
: هو حبس الأصل وتسيل المنفعة في جهة بر تقربا لله تعالى فقد ورد في السنة إن
عمر قال يا رسول الله: إني أصبت مالا بخيبر لم أصب مالا أنفس عندي منه فما تأمرني فيه
فقال: " إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها غير أنه لا
يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث ".
فتصدق
بها الفاروق في الفقراء وذوي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل .. وورد
في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا مات
ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به من بعده أو ولد صالح
يدعو له ).
وسنة
الوقف اختص بها المسلمون دون غيرهم وحكمه مشروعية أن من يرغب بالتزود من الطاعات
ممن وسع الله عليهم من فضله أن يخصصوا شيئا من أموالهم العينية مما يبقى أصلة
وتستمر منفعته خشية أن يؤول المال بعد الموت إلى من لا يحفظه ولا يصونه ولا يتصدق
لصاحبه منه فينمحي أثره بسبب هذا التصرف السيئ وينسى ذكره وينقطع عمله وتصبح ذريته
من أهل الفقر والحاجة .
وان
من المعلوم إن قيام هذه المساجد كله بسبب هذه الأوقاف الخيرية المباركة فان اغلب
المساجد على مدى التاريخ قامت على هذه الأوقاف بل إن كل ما يحتاجه من فرش وتنظيف
وغيرها فيما يحتاج إليه المسجد كان مدعوما بهذه الأوقاف وان الأمور التي تكون محلا
للوقف فهي كل ما يصلح من عقار سواء كان أرض أو دارا أو منقول كالكتب والمراكب
وغيرها مما يحتاج إليه أهل الحاجة .
وللواقف شروط إذا
توافرت صح الوقف وإلا فلا يصح هذا الوقف وهي :
1)
أن يكون الواقف أهلا للتبرع فلا
يصح الوقف من غاصب
2)
أن يكون الواقف عاقلا فلا يصح
من مجنون أو معتوه
3)
أن يكون الواقف بالغا فلا يصح
وقف الصبي
4)
أن يكون الواقف رشيدا فلا يصح
مما حجر عليه السفه أو فلس أو غفلة ونحوهما
يقول الباري تبارك وتعالى { يا أيها اللذين امنوا أنفقوا من طبيات ما كسبتم ومما أخرجنا
لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه
واعلموا ان الله غني حميد}
بارك الله لي ولكم في القرآن
العظيم أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من ذنب فاستغفروه انه
هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف
الخلق أجمعين
يقول الله تعالى ( مثل
اللذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبه انبتت سبع سنابل في كل سنبله مائه
حبه والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم )
ويقول الرسول الكريم ( إن
مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما نشره وولد صالحا تركه ومصحفا ورثه أو
مسجدا بناه أو بيتاً لابن السبيل بناه أو نهرا أجراه أو صدقه أخرجها من ماله في
صحته وحياته يلحق من بعد موته )
هذا واسأل الله أن يرزقنا العلم
النافع والعمل الصالح .
ألا وصلوا على من أمركم الله
بالصلاة عليه قال عز من قال ( إن الله وملائكته يصلون على النبي
يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )
اللهم اعز الإسلام والمسلمين وأذل
الشرك والمشركين ودمر أعدائك أعداء الدين .
اللهم العن اليهود والمجرمين ..
اللهم العن اليهود والمجرمين اللهم العنهم لعنا كبيرا اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك
يا قوي يا عزيز ..
سبحان ربك رب العزة عما يصفون
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
أهمية الوقف
إن الحمد لله نحمده ونستعينه
ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن
يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً
عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه, أما بعد :
عباد الله اتقوا الله وراقبوه في السر والعلن,
وقدموا لأنفسكم ما تجدونه عند ربكم, أيها المسلمون: أمرنا الله عز وجل بأن نقدم
لأنفسنا ما يكون سبباً في نجاتنا, فقال سبحانه: [وَمَا
تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ] البقرة:
110
وقال سبحانه: [مَثَلُ
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ
سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ
يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ] البقرة: 261
وقال عز وجل: [وَمَثَلُ
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ
أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ
فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ]
البقرة: 265
والآيات في هذا كثيرة, ومما يقدمه المسلم بين يده
الوقف؛ والوقف سنة جارية سنها النبي صلى الله عليه وسلم وحث عليها, ففي صحيح مسلم
يقول عليه الصلاة والسلام:" إذا مات الإنسان انقطع
عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له
".
فعد النبي صلى الله عليه وسلم الصدقة ومنها الوقف
من العمل الجاري للمؤمن بعد موته.
وفي الصحيحين أن ابن عمر رضي الله عنه قال:"
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ
أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ فَمَا تَأْمُرُ بِهِ قَالَ إِنْ
شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا قَالَ فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ [أصلها] وَلَا
يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ وَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الْفُقَرَاءِ وَفِي الْقُرْبَى وَفِي
الرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَالضَّيْفِ ولَا جُنَاحَ عَلَى
مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ وَيُطْعِمَ [صديقاً] غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ
".
فاشتمل الحديث على مشروعية الوقف, والوقف: هو
تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة. فيبقى الأصل وينتفع بريعه, لقوله عليه الصلاة
والسلام:" حبست أصلها وتصدقت بها"
أي تصدقت بالريع فيها سواء كانت ثماراً أو عقاراً أو غير ذلك, غير أنه لا يباع
أصلها ولا يوهب ولا يورث, إلا أن أهل العلم نصوا على جواز بيع الوقف إذا تعطلت
منافعه ليستبدل بوقف آخر.
والوقف عمل جليل وقربة عند الله عز وجل ينتفع به
المؤمن أثر وقفه في حياته قبل مماته, فبناء المساجد والمدارس ودور العلم والمكتبات
وإصلاح الطرق وحفر الآبار وشق الترع وجميع الأعمال الصالحة التي يجعلها المسلم في
سبيل الله هي من الوقف المشروع.
وقد وقف خالد بن الوليد رضي الله عنه أدرعة وأعتدة
في سبيل الله لمن غزا, فأثنى عليه، عليه الصلاة والسلام خيراً.
وروى أن حفصة رضي الله عنها أوقفت حلياً على نساء
آل الخطاب يتجمل به من تزوجت ثم تعيده بعد ذلك.
وما زال أهل الإسلام ينفقون بالأوقاف خلفاً بعد
سلف, وغالب مشاريعهم كانت تقام بالأوقاف.
أيها المسلمون: إن بعض الناس هداهم
الله لا يفرقون بين الوقف والوصية, وبينهما فروق:
منها: أن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة,
بينما الوصية تمليك لمن أوصي له.
ومنها : أن الوقف يلزم ولا يجوز التراجع فيه في
قول بعض أهل العلم, والوصية يجوز الرجوع فيها.
ومنها أن الوقف يجوز بما أراد من ماله حتى لو زاد
على الثلث والوصية بالثلث فما دون.
ومنها: أن الوقف يجوز أن ينتفع به الوارث وغيره,
وبينما الوصية لا تصح للوارث.لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا وصية لوارث".
ومنها: أن الوقف يجوز في الحياة فيوقف ما شاء من
ماله ويجعل عليه ناظراً في حياته فيحصل له بذلك فرح بفضل الله عليه أن أوقف شيئاً
في سبيل الله.
أيها المسلمون: تقربوا إلى الله عز وجل بما شرع
من الوقف وأوقفوا ما شئتم من أموالكم وخاصة الأغنياء, حتى تلقوا ثواب ذلك عند الله
عز وجل, وهنيئاً لمن أوقف عيناً في سبيل الله وعاد أجرها عليه دهوراً.
يا عبد الله : لا يحرمنك الطمع فعل الخيرات,
فسابق ما دمت في زمن السبق ونافس, وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
أيها المسلمون: إن غالب ما ترون من أفعال الخير
هي سبب أوقاف المحسنين تقبلها الله منهم. ومن جهل أحكام الوقف فعليه بسؤال أهل
العلم لأن الوقف يحتاج إلى إشهاد وشهود وبيان لما أوقف حتى لا يلتبس الأمر على
الورثة.
[وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى
وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى إِنَّ سَعْيَكُمْ
لَشَتَّى فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ
لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ
لِلْعُسْرَى وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى
وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى لَا يَصْلَاهَا
إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي
يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا
ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى] الليل: 1 – 21
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة نبيه محمد صلى
الله عليه وسلم.