أهَمِّيَّةُ
الوازِعِ الدِّينِيِّ في الْمُجْتَمَعِ وَخَطَرُ وَسائِلِ التَّواصُلِ والذَّكاءِ
الاصْطِناعِي
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ،
وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ
يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ
تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عِبادَ الله:
اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، ولا تَغْفَلُوا عن الحِكْمَةِ التي مِنْ أَجْلِها
خُلِقْتُمْ، ألا وَهِيَ عِبادَةُ اللهِ وَحْدَه لا شَريكَ لَه. وتَذَكَّرُوا أَنَّ العَبْدَ إذا لَزِمَ طاعَةَ
اللهِ، فَأَدَّى ما أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْهِ، وحَرِصَ عَلى التَزَوُّدِ مِن
النَّوافِلِ، لابُدَّ وأَنْ يُوَفَّقَ في أُمُورِهِ كُلِّها، وأَنْ يَحْفَظَ اللهُ
لَهُ قَلْبَهُ وَوَقْتَهُ وَجَوارِحَه، وَيَسْتَجيبَ دُعاءَه. كَما قال اللهُ
تعالى في الحديثِ القُدْسِيِّ: ( وَمَا تَقَرَّبَ
إِليَّ عبدِي بِأَحَبَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَليْه، ولا يَزالُ عَبْدِي يتقربُ
إليَّ بالنوافِلِ حَتَّى أُحِبَّه، فإذا أَحْبَبْتُه كُنْتُ سَمْعَهُ الذي
يَسْمَعُ بِه، وبَصَرَه الذي يُبْصِرُ بِه، ويَدَهُ التي يَبْطِشُ بِها، ورِجْلَهُ
التي يَمْشِي بها، وَلَئِنْ سأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّه، وَلَئِنْ اسْتَعاذَنِي
لَأُعِيذَنَّه ).
وَعَلَى
الضِّدِّ مِنْ ذلك: فإنَّ العَبْدَ إذا غَفَلَ عِن الأمْرِ
الذي خُلِقَ مِن أَجْلِهِ، لا بُدَّ وَاَنْ تَنْشَغِلَ جَوارِحُه بِالدُّنْيا،
وتَنْصَرِفَ هِمَّتُهُ عن الآخِرَةِ. فَيُعاقَبَ بِالغَفْلَةِ، لِأَنَّ اللهَ
يُعاقِبَ مَنْ يَنْساه وَيَنْشَغِلُ عَنْه وعَنْ دِينِهِ بِأَنْ يُنْسِيَهِ
نَفْسَه، قال تعالى: ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ
نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ).
وَمِنْ مَظاهِرِ الغَفْلَةِ التي يُخْشَى مِنْ عَواقِبِها: الانْشِغالُ بِفِتْنَةِ الدُّنيا، والتي مِنْ أَعْظَمِها وأشَدِّها اليومَ: فِتْنَةُ الأجْهِزَةِ الذَّكِيَّةِ ومَواقِعِ التَواصُلِ
والإِنْتَرْنِت، التي ما تَرَكَت بَيْتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلا دَخَلَتْهُ،
فَهِيَ رُغْمَ ما فِيها مِنْ إِيجابِيَّاتٍ، حَيْثُ جَعَلَها اللهُ سَبَبًا
لِتَقْرِيبِ البَعِيدِ، وتَذْلِيلِ الصِّعابِ، وسُهْولَةِ التَواصُلِ، وإنْجازِ
الْمُهِمّاتِ والأَعْمالِ الكَثِيرَةِ بِأَقَلِّ مَجْهُودٍ وأَقْصَرِ مُدَّةٍ،
ابْتِلاءً مِن اللهِ، لِنَشْكُرَ أَمْ نَكْفُرَ. ولَكِنَّها مَعَ الأَسَفِ صارَتْ
وَبالًا عَلى كَثيرٍ مِن الناسِ، حَيْثُ صارَ لَها تَأْثِيرٌ في كَثِيرٍ مِنْ
شُؤُونِ الحَياةِ، يَجِبُ الانْتِباهُ لَه، وتَظافُرُ الجُهُودِ في ضَبْطِ اسْتِخْدامِها،
مِنْ أَجْلِ تَدَارُكِ الْمُجْتَمَعِ وشَبابِهِ.
فإنَّ تَأْثِيرَها عَلى العَقِيدَةِ والأَخْلاقِ أَمْرٌ ظاهِرٌ لا
يَخْفَى عَلى كُلِّ غَيُورٍ وناصِحٍ. وكَذلك عَلى
الأُسْرَةِ حَيْثُ خَبَّبَتْ الْمَرْأَةَ عَلى زَوْجِها بِالتَحْرِيشِ وإِفْسادِ
العَلاقَةِ، وَعَزَلَتْ البَعْضَ عَنْ أُسْرَتِهِ وأَقارِبِهِ، وَكَذلكَ عَلى
حَياتِنا الشَّخْصِيَّةِ نَتِيجَةَ التَواصُلِ مَعَ الغُرَباءِ والدُخَلاءِ
خاصَّةً الشَّبابَ والْمُراهِقِينَ. وكذلكَ
تَأْثِيرَها عَلى عَمَلِ اليَوْمِ
والليلَةِ بِالنِّسْبَة لَهُمْ، مِن اضْطِرابِ النَّوْمِ، وضَعْفِ الذَّاكِرَةِ
والتَّـرْكِيزِ، وَتَشَتُّتِ الانْتِباهِ، وَكَثْرَةِ النِّسْيانِ، مِمَّا
يُؤَثِّرُ عَلى الدِّراسَةِ والانْتاجِيَّةِ والعَمَلِ.
وفَوْقَ
ذلك: العُزْلَةُ الشُّعُورِيَّةُ، التي
جَعَلَتْ كَثيرًا مِن الناسِ، يَعِيشُونِ في عالَمٍ آخَرَ، وَواقِعٍ افْتِراضي،
بَعِيدٍ عَن الواقِعِ الحَقِيقِي، حَتى أَصْبَحَ الشَّخْصُ يَحْكُمُ عَلى
الواقِعِ، عَلى حَسَبَ الأَجْواءِ والطُّقُوسِ التي يَعِيشُها مِن خِلالِ الجِهازِ
الذي في يَدِهِ.
عِبادَ
اللهِ: إِنَّ ما نَعِيشُهُ اليَوْمَ مِن التَّطَوُّرِ الرَّقَمِيِّ، وشَبَكاتِ
التَّواصُلِ، وَتَقْنِياتِ الذَكاءِ الاصْطِناعِي، فِتْنَةٌ عامَّةٌ،
تَمُرُّ عَلَى العالَمِ كُلِّهِ. ولِكِنَّ الذِي يُهِمُّنَا، مُجْتَمَعُنَا الْمُسلمُ،
وَشَبابُنا الذين هُمْ رَأْس مالِنا.
يَجِبُ عَلَيْنَا جَمِيعًا، أَنْ نَعْلَمَ
بِأَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَنَا ذلكَ لِيَبْتَلِيَنا.
فالحَذَرَ
الحَذَرَ يا عِبادَ اللهِ من اسْتِعْمالِها فِيما حَرَّمَ اللهُ، مِن
مُتابَعَةِ ما يُفْسِدُ العَقِيدَةَ، أَوْ يُوقِدُ نارَ الشَّهَواتِ، وَمِن
الكَذِبِ والبُهْتانِ والافْتِراءِ والتَّزْوِيرِ. وَكَذلكِ تَزْيِيفِ الصُّوَرِ
والْمَقاطِعِ الصَّوْتِيَّةِ والْمَرْئِيَّةِ، وَنَشْرِ الْمَعْلُوماتِ الْمُضَلِّلَةِ،
والْمِساسِ بِالأَعْراضِ، وتَلْطِيخِ سُمْعَةِ الأَبْرِياءِ والغافِلِينَ،
وَتَلْفِيقِ الفَتَاوَى الْمَكْذُوبَةِ والْمَغْلُوطَةِ عَلَى العُلَماءِ،
وَتَقْوِيلِهِمْ ما لَمْ يَقُولًوا. فَإِنَّ ذلكَ مِنْ أَشَدِّ وَرْطاتِ الأُمُورِ
التي يَصْعُبُ الخُرُوجُ مِنْها.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي
وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا
تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ
ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ
للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن
لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ تَعْظِيماً لِشَأَنِهِ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً
عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا
بَعدُ:
أَيُّها
الْمُسْلِمُونَ: اتقٌوا اللهَ تَعالى، واعْلَمُوا أَنَّ الْمَسْئُولِيَّةَ
عَظِيمَةٌ عَلَيْنا جَمِيعًا، لا يَجُوزُ لَنا أَنْ نَتَنَصَّلَ عَنْها.
وهذه
الأَجْهِزَةُ الذَّكِيَّةُ التي أصْبَحَتْ في مُتَناوَلِ الجَمِيعِ بِلا
اسْتِثْناءٍ، هِيَ أَمْرٌ واقِعٌ وَمَفْرُوضٌ، لَيْسَ بِأَيْدِينا أَنْ نُسَيْطِرَ
عَلَيْها وعَلى مَن هِي بِيَدِه، ولَكِنَّ
الذي بِأَيْدِينا: هُو كَثْرَةُ
الدُعاءِ، والتَّوجِيهُ والترْبِيَةُ الصالِحَةُ، والدعوةُ إلى التوحيدِ ولُزُومِ
السنَّةِ، والْمُحافَظَةِ عَلى الصلاةِ وَقِراءَةِ القُرْآنِ، والأَخْذِ بِأَيْدِي
أَبْناءِنا وبَناتِنا بِالطَّريقَةِ التي تناسِبُ تَفْكِيرَهُم وأَعْمارَهُم.
وتَعْظُمُ
الْمَسْئُولِيَّةُ عَلى الآباءِ والأُمَّهاتِ، وَوَسائِلِ الأَعْلامِ، والدُّعاةِ،
والْمُعَلِّمِينَ والْمُعَلِّماتِ، أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِم.
الَّلهُمَّ اسْتَعْمِلْنا في طاعَتِكَ،
وهَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ، وأَصْلِحْ نِساءَنا
وشَبابَنا، وَرُدَّ ضالَّهُمْ إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وخُذْ بِأَيْدِيهِم إلى
الهُدَى والصَّلاحِ، وانْصُرْ بِهِمْ دِينَكَ، وأَعْلِ بِهِمْ كَلِمَتَكْ، وأَغِظْ
بِهِمْ أَعْداءَكَ يَا ذَا الـجَلالِ وَالإِكرامِ، اللهُمَّ احفظْنا بالإِسلامِ
قائمينَ واحفظْنا بالإِسلامِ قاعدِين واحفظْنا بالإِسلامِ راقدِين ولا تُشْمِتْ
بِنا أَعداءَ ولا حَاسِدِينَ، اللهُمَّ أصلحْ أحوالَ الْمُسلمينَ حُكَّاماً
ومحكُومين، اللهُمَّ اجمعْ كلمةَ الْمُسلمين على كتابِك وسُنَّةِ نبيِّك محمَّدٍ
صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، اللهُمَّ انصرْ الْمُستَضعفينَ مِن الْمُؤمِنين، اللهُمَّ
احِقنْ دماءَ الْمُسلِمِين، واجعلْ كلمتَهم واحدةً ورايتَهم واحدةً واجعلْهُم قوَّةً
واحدةً على مَنْ سِواهُم، وَانْصرْهُم على مَن بَغَى عَليْهم، ولا تجعلْ لأَعْدَائِهم
مِنَّةً عَلَيْهِم يا قويُّ يا عزيزُ، اللهُمَّ عَليكَ بِالكفرةِ والْمُلِحِدِين
الذَّين يَصدُّون عَن دِينِكَ وَيُقَاتِلُون عَبادَك الْمُؤمِنين، اللهُمَّ عَليكَ
بِهم فإنهمْ لا يُعجزونَكَ، اللهُمَّ زَلْزِل الأرضَ مِن تحتِ أَقَدَامِهم،
اللهُمَّ سلِّطْ عَليهم منْ يَسُومُهم سُوءَ العذابِ يا قويُّ يا متين، اللهُمَّ
احفظْ بلادَنا مِمَّنْ يكيدُ لها في داخِلِها وَخَارِجِهَا، وأَعِذْهَا مِن شرِّ
الأشرارِ وكَيْدِ الفُجَّارِ، اللهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أمرِنا بتَوفِيقِك،
وأيِّدْهُم بِتأَييدِك، وَاجْعَلهم مِن أَنصارِ دِينِكَ، وارزقْهُم البِطانةَ الصَّالحةَ
النَّاصِحةَ يَا ذَا الـجَلالِ وَالإِكْرامِ، اللهُمَّ اغفرْ للمُسلِمينَ
والْمُسلِماتِ والْمُؤمِنينَ والْمُؤمِناتِ الأحياءِ منهم والأمواتِ ، إنك سميعٌ
قريبٌ مجيبُ الدَّعَواتِ، (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ
إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ
أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق
تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119