التحذير من دعاة الشهوات
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون أحمده حمداً كثيراً وأشكره شكراً جزيلاً, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم, وعلى آله وأصحابه وأتباعه, أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله, واحذروا الشبهات والشهوات , فما دخل الشيطان على عب إلا من أحد هذين الطريقين, وما ضل من ضل من الخلق إلا بسببهما, واعلموا أن معرفة الشر من الخير , والحق ن الباطل , والخبيث من الطيب, أمر واجب على كل مكلف ليحذر الشر , ويحذِّر منه, ويعمل الخير ويدعوا إليه, وليكون قواماً بالحق مزهقاً للباطل, وهكذا شأن سلف هذه الأمة.
فروى البخاري في صحيحه من حديث حذيفة رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير, وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني, فقلت: يا رسول الله , إنا كنا في جاهلية وشر, فجاءنا الله بهذا الخير , فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم, قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم, وفيه دخن, قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هدى, تعرف منهم وتنكر, قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر: قال : نعم, دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها, قلت: يا رسول الله صفهم لنا, قال: هم من جلدتنا, ويتكلمون بألسنتنا . قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك, قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم, قلت: فان لم يكن لهم جماعة ولا إمام, قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك". متفق عليه.
أيها المسلمون: حذر العلماء والخطباء والناصحون من أهل الشبهات , وألفت المؤلفات , وعقدت الندوات , وجلي الأمر للناس, وكشف أمر الطوائف الضالة, والجماعات المنحرفة, والأفكار الوافدة, فأصبح الناس ولله الحمد على بينة من الأمر, فعرفوا دعاة الفتنة من دعاة الحق, ودعاة الضلالة من دعاة الهدى.
ولكن يا عباد الله: هناك خطر داهم لا يقل خطورة عن الأمر الأول , وهم دعاة الشهوات, والانحلال, والانفتاح , والانفساخ, وتجريد الدين من لبه والاكتفاء بالانتساب إليه, فأخذوا ينادون بنداءات خطيرة, منها التسامح الديني, والتقارب بين الديانات, وحرية الكلمة, وحرية الرأي, والحرية الشخصية, وما إلى ذلك من الدعوات الشهوانية التي كان حذيفة رضي الله عنه يسأل عنها وعن أهلها, فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم من أبناء جلدتنا, ويتكلمون بألسنتنا, ودعاة على أبواب جهنم.
ولقد استعمل هؤلاء أسلحة فتاكة في دعواتهم الشهوانية, فاستعملوا الإغراءات المالية, لأن ضعاف النفوس فيها فتون فيها.
واستعملوا الدعوة الشيطانية , فهم كما قال الله عز وجل في إبليس: { يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً {120}
واستعملوا الصحافة والإعلام لنشر أباطيلهم حتى إن المرء لا يصدق عندما يفتح صحيفة عربية, ويرى صور النساء العاريات الكاسيات اللواتي خصصت الجريدة لهن خيراً لنشر أباطيلهم, تارة باسم الفن, وتارة باسم الشباب, وتارة باسم المغنيات, أو المطربات أو الممثلات, وكل هذا مع الانتساب للإسلام, بل ولربما برروا أباطيلهم هذه بفتاوى الضالين المضلين أشباههم الذين جوزوا لهم هذا العمل المشين بدعوى سماحة الإسلام, وفسحة الإسلام, ووسطية الإسلام, فكانوا ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا" متفق عليه.
أيها المسلمون: ومن أعظم أسلحة الشهوانين العصرية: المرأة, فاستعملوا هذا السلاح الفتاك في الانحلال, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت في النساء" رواه مسلم.
فقام أولئك الشهوانين بإلباسها الحلي والحلل وضربها بالأصباغ, وتغير خلقها ونزع حجابها من على رأسها, وعرضها على الناس من خلال الفضائيات أو الجرائد والمجلات فستشرفتها شياطين الإنس والجن, وأعجب بها ناقصات العقل والدين , فحاولت كل ناقصة الوصول على ما وصلت غليه هذه , إلا من عصمها الله عز وجل بالدين القويم.
فاحذروا عباد الله , ما يراد بكم وما يحاك لكم من المؤامرات, فالأمر خطير, وعلى ولاة الأمر _وفقهم الله_ أن يضربوا بيد من حديد على أولئك المتفرجين الزاجِّين بالأمة بدر الهلاك قبل فوات الأوان.
وعلى أمة الإسلام أن تكون يقظة لما يراد بها, وعلى المرأة المسلمة كذلك أن تعلم مخططات الأعداء وكلابهم الذين ينبحون نيابة عنهم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً {59} لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً {60} مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً {61} سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً {62} الأحزاب.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية: لم ترد
|