أخي الخطيب هذه خطب سابقة عن الزلازل ،
قد تستفيد منها للتذكير بزلزال اليابان الخطير هذه الأيام .
زلزال المحيط الهندي وآثاره المدمرة
الحمد لله القوى العزيز , الجبار المتكبر , القدير القادر المقتدر , له الملك, وله الحمد, وهو على كل شيء قدير , أحمده حمداً كثيراً , وأشكره شكراً جزيلاً , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله – صلى الله عليه وسلم – وعلى آله وأصحابه , أما بعد :
عباد الله : اتقوا سطوة الجبار , واتقوا غضبه وأليم عقابه , فإن غضبه سبحانه وتعالى لا يتقى إلا بعبادته , وإخلاص العمل له , والعمل بما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم.
أيها المسلمون: لا تزالون تسمعون, وترون ما حلَّ بهذه الأمم من الهلاك , والدمار, فبالأمس كانوا على شواطئ البحار , والأنهار , يفعلون المعاصي , من الشرك فما دون, غفلوا عن خالقهم , ورازقهم , ومدبرهم , ولكنه ما غفل عنهم , بينما هم في سكرتهم, أخذوا على حين غرة , { أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ {45} أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ {46} أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ {47}}النحل .
{ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ {97} أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ {98} أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ {99}}الأعراف
فهؤلاء القوم الخاسرون, أمنوا مكر الله وعذابه , فداهمهم العذاب , فأصبحوا غثاءً , فبعداً للقوم الظالمين , ولا تزال الأشلاء بالآلاف, تنزع من تحت الأنقاض , أو من فوق الشجر , أو على ضفاف البحار والأنهار , مع كثرة المفقودين , من الصغار والكبار, الذين التهمتهم البحار , فأصبحوا خبراً من الأخبار , نعوذ بالله من نقمة الجبار .
أيها المسلمون: إن ما حدث لم تحدثه الطبيعة , كما يزعم أهل الطبيعة , ولم تحدثه الكوارث الكونية كما يقولون , بل قدرُ وقضاءُ الذي أمْرُه بين كافٍ ونون , إنما أمرنا لشيء إذا أردناه, أن تقول له كن فيكون, وهؤلاء جمعوا بين الكفر والكذب , حيث نسبوا هذه الأحداث العظام التي جرت بتقدير العزيز الحكيم , نسبوها للطبيعة كفراً وكذباً , ولا يستغرب على أهل الكفر نسبة الحوادث لغير الله , ولكن يخشى على بعض أهل الإسلام الذين تابعوهم في هذه النسبة , فيُسمع منهم بعض الكلمات الخطيرة , والقادحة في العقيدة , كقولهم : كوارث طبيعية , أو حوادث أرضية , أو غير ذلك .
بل تجرأ بعض المنتسبين للإسلام بتحليل ما جرى , ونسب ذلك إلى وقوف الأرض عن الدوران , وهذا كله رجم بالغيب , وعنده مفاتيح الغيب, لا يعلمها إلا هو, ويعلم ما في البر والبحر, وما تسقط من ورقة إلا يعلمها , ولا حبة في ظلمات الأرض, ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين .
عباد الله: اتقوا الله واحذروا , فقد حذركم, وأنذركم, وأخبركم بأنه يأخذ, وإذا أخذ, فإن أخذه أليم شديد , فكونوا على حذر , فلقد كان نبيكم _صلى الله عليه وسلم _يقول في دعاء الليل : " اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك , وبمعافاتك من عقوبتك , وبك منك لا أحصي ثناء عليك , أنت كما أثنيت على نفسك " رواه مسلم .
وكان يقول:" اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك, وتحول عافيتك, وفجاءة نقمتك, وجميع سخطك ".
عباد الله: الخلق ضعفاء, مهما بلغوا من القوة, والعتاد والعدة, ومهما شيدوا من البناء, ومهما أعدوا من القوة.
قال تعالى: { فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ {15} فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ {16}} فصلت.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ {15} إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ {16} وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ {17}} فاطر
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه, وسنة سيد المرسلين.
--------------------------------
بمناسبة الزلزال الذي أصاب إيران
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهد الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له, و أشهد أن محمداً عبده ورسوله, أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله, واحذروا المعاصي, فإنها تزيل النعم, وتجلب النقم, وتوجب الهلاك والدمار, وتحيل الديار بلا قع, ولكم عبرة فيما حصل في إيران من زلزلة الأرض تحتهم, حتى هلك في اللحظة ما يقرب من خمسين ألفاً, وشرد الباقون, إنها قدرة القوي العزيز وإرادته وأخذه.
قال تعالى: { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ {102}}.
بَغَت القوم على حين غِرَّة { أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ {97} أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ {98} أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ {99}} باتوا يضحكون و أصبحوا موتى وجرحى يبكون.
أيها الناس: إنها السنن الربانية في العصاة المجرمين, فما أغرق قوم نوح إلا بالإعراض والمعاصي, وما أخذت عادٌ بالريح إلا بالمعاصي, وما رفعت قرى لوط ثم قلبت عليهم إلا بالمعاصي وما أهلك قوم شعيب بعذاب يوم الظلة إلا بالمعاصي.
قال تعالى:{ فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ {40}}.
أيها المسلمون: اسألوا الله السلامة والعافية, واجمعوا بين الخوف والرجاء والمحبة, واحذروا الغفلة, فإن الأخذ لا يكون إلا حين سهوة وغرة.
قال سبحانه: { أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ {45} أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ {46} أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ {47}}.
أيها المسلمون: إن المصائب لا تقع إلا بما كسبت أيدي الناس.
{ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ {59}} .
{ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ{30}}.
{ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ {7}}.
فالتحاكم إلى الطواغيت, ونبذ الشريعة, والطواف على الأضرحة, والحج إليها, والبناء على القبور, والطواف عليها, والعقائد الفاسدة واعتقاد وتقصي القرآن, وكفر الصحابة وسبهم ولعنهم, وتخوين جبريل عليه السلام.
يقول خان الأمين: وبغض الأمة وعداوة أهل السنة له شأن عند الله عز وجل, لأن بعض هذه المعاصي ما ارتكبها الكفار وما فعلوها, فاحذروا ولا تأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ {44}}.
اللهم إنا نعوذ بك من الزلازل والمحن, وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن, اللهم اصرفها عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة, برحمتك يا أرحم الراحمين.
----------------------------------
وقفات مع فياضات تسونامي في أندونوسيا
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعود بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على وحيه، ومبلغ الناس شرعه، وصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد معاشر المؤمنين عباد الله:
اتقوا الله تعالى، فإن من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه .
عباد الله: يتحدث العالم بأسره في هذه الأيام عن حدث عظيم، بل عن زلزال شديد رجفة له الأرض رجفة عظيمة، انطلق من بعض الجزر في أندونوسيا، فاهتزت الأرض اهتزازا عظيما، وترتب على ذلك مدٌ هائل بحري وطوفان عارم مائي، اجتاح مدنا وقرى كثيرة، بل إن بعضها غمرها الماء وغطاها تماما، فذهبت في لحظة واحدة مئات النفوس بل ألاف النفوس من البشر، وفي آخر إحصائية لذلك بلغ عدد الموتى ما يزيد على مائة وعشرين ألفاً، مائة وعشرون ألف ماتوا عباد الله، مائة عشرون ألف أو يزيدون ماتوا عباد الله، موتة نفس واحدة، غمرتهم المياه وداهمتهم في مساكنهم ومزارعهم ومصالحهم، فماتوا أجمعين وليس هذا بالعدد الدقيق بل إن المتوقع أن العدد يزيد على هذا بكثير خلافا عباد الله، لعشرات الآلاف من المصابين بل ملايين البشر من المتضررين في ممتلكاتهم وبيوتهم وأموالهم وسائر مصالحهم، حدث عظيم وأمر ينبغي أن تتحرّك له القلوب، ولهذا عباد الله العالم بأسره يتحدّث عن هذا الحدث ويتابع أخباره وينظر في عواقبه، والمؤمن عباد الله، المؤمن الموفَّق في مثل هذه الأحوال وفي مثل هذه المصائب العظام، لابد له من وقفات إيمانية وتأمّلات إيمانية تفيده صلاحا وصلة بربه عز وجلّ وخوفا من المقام بين يديه ولقائه وتأملا في عظاته وعبره وآياته، ولهذا عباد الله، لابد من وقفة بل وقفات على أعقاب هذا الحدث العظيم، مما ينبغي على كل مسلم أن يستحضره بقلبه وأن يعيه تماما.
والأول من ذلك عباد الله أن هذا الحدث ونظائره، يرشد المسلم إلى أمر هو يؤمن به فيزداد إيمانا، بكمال قدرة الله عز وجلّ وعظيم قوته، وأنه جلّ وعلا هو المتصرف في هذا الكون المدبّر له يتصرف فيه كيف يشاء ويقضي فيه عز وحلّ بما يريد لا معقب لحكمه ولا رآد لقضائه، يقول الله تبارك وتعالى: ﴿قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون﴾ الأنعام:٦٥ ، عذابا من فوقكم: كالصواعق المدمرة والرياح العاتية، أو من تحت أرجلكم: كالخسف والزلازل.
وقد جاء في صحيح البخاري من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما نزلت هذه الآية ، وقرأها النبي صلى الله عليه وسلم ﴿قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم﴾ لما قرأ ذلك عليه الصلاة والسلام قال: "أعوذ بوجه الله الكريم"، ولما قرأ ﴿أو من تحت أرجلكم﴾ قال: " أعوذ بوجه الله الكريم"، ولما قرأ: ﴿أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض﴾ قال: " هذا أهون "، وفي رواية قال: " هذا أيسر "، ثم تأمل قول الله عز وجلّ: ﴿انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون﴾، فتنوع الآيات الباهرة والدلالات القاهرة داعية إلى الفقه والإيمان والعودة إلى الله عز وجلّ: ﴿لعلهم يفقهون﴾، أي ما خلقهم الله لأجله وأوجدهم لتحقيقه .
ثم عباد الله: إن هذا الحدث آية من آيات الله العظيمة التي يخوف بها عباده، وقد قال الله عز وجلّ في القرآن: ﴿وما نُرسل بالآيات إلاَّ تخويفًا﴾ الإسراء:٥٩ ، أي: أن الله عز وجلّ يخوف عباده بهذه الآيات العظيمة، قال قتادة رحمه الله: إن الله يخوف الناس بما يشاء من آياته لعلهم يعتبرون ويتذكرون ويرجعون، وهنا يقف المؤمن خائفا متأملا متعظا معتبرا، لأن الذي ألحق بألئك ما ألحق قادر سبحانه على أن يلحق بغيرهم مثله أو أشد، فيتعظ المؤمن ويعتبر ويقبل على الله عز وجلّ وينيب، فهاهم هؤلاء ألف نفس وعشرون أو يزيدون على ذلك هلكوا هلاك نفس واحدة، فهل من متعظ ومعتبر عباد الله .
ثم عباد الله: لنتأمّل على أعقاب هذا الحدث منّة الله علينا بقرار الأرض وثباتها كما قال الله عز وجلّ: ﴿الله الذي جَعل لكم الأرض قرارًا﴾ غافر:64 ، أي: ساكنة ليست متزلزلة ولا رجراجة، فلنتأمل هنا في عظمة الممسك للأرض، فهي ساكنة لا تهتز مطمئنة لا تتزلزل، وتأمّل رعاك الله، لو كانت هذه الأرض التي تمشي عليها ترتجف وتتزلزل، كيف تستطيع أن تعيش وكيف تستطيع أن تنام وكيف تستطيع أن تقوم بعموم مصالحك، فمَنَّ الله علينا بقرار الأرض وسكونها واطمئنانها، ولنعتبر في هذه النعمة بما يحدثه الله عز وجلّ في الأرض من زلازل بين وقت وآخر، لندرك عظمة هذه النعمة وتمام هذه المنة، ارتجفت الأرض عباد الله، ارتجفت الأرض للحظة واحدة، فمات مائة وعشرون نفسا، فكيف لو امتد ارتجافها ساعة كاملة، وكيف لو امتد ارتجافها بتلك القوة يوما بتمامه أو أياما، كيف يكون حال الناس على الأرض.
ونعمة أخرى عباد الله، ألا وهي عدم طغيان الماء على الأرض اليابسة ونحن نعلم عباد الله، أن الماء بالنسبة لليابس يشكل الثلثين وقد أمسك الله عز وجلّ الماء أن يغطي اليابس بقدرته سبحانه، وهو قادر عز وجلّ على أن يغمر الأرض كلها بالماء فيغطيها، ولنا في التاريخ عظة وعبرة، ﴿إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية لنجعلها لكم تَذكرةً وتَعِيَها أذن واعية﴾ الحاقة:١١-١٢ ، وهاهو هذا الحدث يبين لنا هذه الصورة، غطى الماء مدنا بأكملها، فمات من على الأرض في تلك الأماكن عن بكرة أبيهم، فلم تبق فيهم نفس حية، فهاتان نعمتان عباد الله يجب علينا أن نشكر الله ونحمده عليهما وعلى عموم نعمه وعطاياه، نعمة سكون الأرض ونعمة عدم طغيان الماء على الأرض .
ثم عباد الله: الأرض لله عز وجلّ هو الذي خلقها وأوجدها وهو الذي أوجد الناس عليها وهو الذي يتصرف فيها كيف يشاء، وتأمّل من تصرفه سبحانه في أرضه قوله سبحانه: ﴿أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقُصُها من أطرافها والله يحكم لا مُعقِّبَ لحكمه وهو سريع الحساب﴾ الرعد:41 ، ننقصها من أطرافها، قال بعض المفسرين: أي بالخسف والزلازل، والقوارع المتنوعة، فالله عز وجلّ ينقص الأرض من أطرافها ويتصرف فيها كيف يشاء، لا معقّب لحكمه سبحانه ولا رادَّ لقضائه جلّ وعلا، ولهذا إذا علمنا أن الأرض لله وأن الذي يتصرَّف فيها هو الله، فلنتأمل عباد الله في الأمر الذي خلقنا الله عز وجلّ على هذه الأرض لأجله، ألا وهو توحيد الله وطاعته فيما أمر واتباع شرعه والانقياد له سبحانه والتذلل بين يديه، والقيام بما أمرنا به سبحانه وأرسل لنا رسله بالآيات البيِّنات والحجج القاهرات والدلائل العظيمات على كمال الله ووجوب طاعته وإخلاص الدين له، فنقوم بما خلقنا له على التمام والكمال، ممتثلين أمر ربنا متبعين لرسله عاملين بطاعته عز وجلّ.
ثم عباد الله: إن حال المسلم في المصائب التي تصيبه وتصيب غيره، حال مطمئنة، حال فيها إقبال على الله وثقة به وتوكل عليه، فالمصيبة عباد الله لا تزيد المؤمن إلا إيمانا وحسنَ صلّة بالله جلّ وعلا وتمام إقبالا عليه، ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام: " عجبا لأمر المؤمن إن أمره كلَّه خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء فصبر فكان خيرا له، وذلك لا يكون إلا للمؤمن".
ثم إن المؤمن عباد الله: يعلم أن هذه المصائب إنما سببها الذنوب، فما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة، وقد قال الله عز وجلّ: ﴿فكلاًّ أخَذنا بذنبه﴾ العنكبوت:40 ، وهاهنا عباد الله، يقبل المؤمن على الله عز وجلّ تائبا راجعا منيبا، ويكون متعظا بما حصل من المصائب لغيره، فإن السعيد من اتعظ بغيره، والشقي من اتعظ به غيره.
ثم عباد الله: أمر أخير وهو ما ينبغي علينا تجاه إخواننا المصابين وعباد الله المنكوبين في هذا الحدث العظيم، وهاهنا يجب أمور عدة منها عباد الله:
الدعاء لهم بأن يجبر الله كسرهم وأن يجعل مصباهم عودة لهم إلى الخير والإنابة إلى الله عز وجلّ وأن يأمن روعاتهم ويستر عوراتهم ويشبع جائعهم ويأمِّن خائفهم وأن يمد كل واحد منا ما يستطيع من المساعدة لهؤلاء، فالآن عباد الله على أعقاب هذا الحدث يوجد الملايين من البشر بلا مأوى ومسكن ولا مطعم ولا مشرب، وأنت تعيش في هذه النعمة فاحمد الله عز وجلّ على نعمته ومنته وساعد إخوانك بما تستطيع، وأختم بدعاء عظيم مبارك، كان عليه الصلاة والسلام يقوله كل ليلة إذا أوى إلى فراشه وهو في صحيح مسلم من حديث أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال: "الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي"،
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم .
** وهذه خطبة كذلك لفضيلة الشيخ أحمد العتيق عن الزلازل والحكمة من حدوثها على الرابط:
http://www.islamekk.net/play.php?catsmktba=248
|