من فضائل أبي بكر الصديق - t -
إن الحمد لله , نحمده, ونستعينه, ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا , وسيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وسلم وعلى آله, وأصحابه. أما بعد:
عباد الله : اتقوا الله واعلموا أنه من الواجب عليكم معرفة سلفكم الصالح الذين أمرتم بالاقتداء بهم , لأنهم اقتدوا بالنبي صلى الله عليه وسلم , ونقلوا هديه وسنته , وجاء الثناء عليهم في كتاب الله , وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , وحفلت السيرة بذكرهم.
أيها الناس : إن الكلام في هذه الخطبة , سيكون عن بعض الفضائل لأفضل رجل بعد النبيين والمرسلين , جاء الثناء عليه في الكتاب والسنة والأثر , إنه صديق الأمة وخليفتها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأعلم الأمة وأفضلها على الإطلاق بعد نبيها محمد صلى الله عليه وسلم , قال الله عز وجل : { وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ {33}}الزمر.
والذي جاء بالصدق هو النبي صلى الله عليه وسلم, والذي صدق به هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه إنه أول رجل آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم, وناصره على دينه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم في حقه: "إن من أمن الناس علي في ماله ونفسه أبو بكر, ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر, ولكن أخوة الإسلام " متفق عليه.
أول من آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم حينما بعث , وأوذي في الله وعودي , وتعرض للأذى في نفسه وماله , قال عمار بن ياسر رضي الله عنه : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان و أبو بكر ).
وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم في غار ثور, وفي هجرته , حيث جاء ذكره في قوله سبحانه : { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا } التوبة: 40.
وفي الصحيحين, أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم عندما كان في الغار: يا رسول الله! لو نظر أحدهم إلى قدمه لأبصرنا, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما ".
صحب النبي صلى الله عليه وسلم في هجرته, وفداه بأمه وأبيه, وقام بخدمته حتى وصلا المدينة , وآزره, ونصره, ودافع عنه عندما وضع عقبة بن أبي معيط الرداء في عنق النبي صلى الله عليه وسلم, وخنقه خنقاً شديداً, جاء أبو بكر حتى وضعه عنه, وقال : ( أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله, وقد جاءكم بالبينات من ربكم ) رواه البخاري.
وصدقه وصدق به , وترك أهله وماله وولده , ارضاءً لله, وتصديقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
أعلم الناس به و بسنته , ففي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس, وقال : " إن الله خيَّر عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله" قال : فبكى أبو بكر, فعجبنا لبكائه, أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خير, فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير, وكان أبو بكر أعلمنا , فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر, ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً, ولكن! أخوة الإسلام ومودته, لا يبقين في المسجد باب إلا باب أبي بكر".
وهو أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم على الإطلاق, ففي الصحيحين من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل فأتيته, فقلت: أي الناس أحب إليك ؟ قال : "عائشة " , قلت : ومن الرجال ؟ قال : " أبوها " , قلت : ثم من ؟ قال : "عمر بن الخطاب" , فعد رجالاً.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يغضب لغضبه, حيث غضب على عمر, وتمعر وجهه عليه, وقال له : " إن الله بعثني إليكم, فقلتم : كذبت, وقال أبو بكر : صدق, وواساني بنفسه , وماله , فهل أنتم تاركو لي صاحبي –مرتين –". فما أوذي أبو بكر بعدها, رواه البخاري.
يستشير الناس, ويستشيره, ثم يصير عليه الصلاة والسلام إلى رأيه ؛ حيث استشار الناس في أسارى بدر, فأشار عمر بقتلهم , وأشار أبو بكر بفدائهم , وقال : (هم أبناء العم والعشيرة , قال عمر : فهوى ما قال أبو بكرولم يهو ما قلت) متفق عليه .
صحبه في حله وترحاله وغزواته كلها , وصاهره فأحسن مصاهرته , وزوجه عائشة أحب النساء إليه , فجعلها الله بركة للإسلام وأهله , بسبب ما نزل في بيتها من الآيات المحكمات , والنصوص الواضحات, التي جعل الله للإسلام فرجاً ومخرجاً .
قدمه النبي صلى الله عليه وسلم إماماً للناس في حياته ؛ إيذاناً بإمامته بعد مماته عليه الصلاة والسلام, وقال : " يأبى الله ورسوله والمؤمنون إلا أبا بكر".
وقال للسائلة لما قالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك؛ _كأنها تقول الموت_ , قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا تم تجديني فأت أبا بكر " متفق عليه .
كان الصحابة يفضلونه على جميعهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم, وبشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة مراراً , وأخبر عليه الصلاة والسلام : " أن أبا بكر يدعى من أبواب الجنة الثمانية ".
وقال ابن عمر : ( كنا نتخير بين الناس في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم , فاختير أبا بكر ثم عمر ثم عثمان رضي الله عنهم ).
وأجمع الصحابة على فضله, وتقديمه, وإمامته, وخلافته , ولم يفترقوا عليه قط ؛ بل كانوا يحبونه, ويجلونه, ويعظمونه , ويأتمرون بأمره , لعلمهم بفضله, وتقديم الله ورسوله له رضي الله عنه .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : { وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ {33} لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ {34} لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ {35}} الزمر.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه, وسنة خاتم رسله وصلى الله وسلم على نبينا ورسولنا محمد.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد, وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد :
عباد الله: ومن فضائله _ رضي الله عنه _ ما ثبت في صحيح مسلم , أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أصحابه يوماً, فقال : "من أصبح منكم اليوم صائماً ؟" فقال أبو بكر: أنا, فقال : "من تصدق اليوم منكم بصدقة ؟", قال أبو بكر: أنا, فقال : " من تبع منكم اليوم جنازة ؟ " قال أبو بكر: أنا, فقال: " من عاد منكم اليوم مريضاً ؟ " قال أبو بكر: أنا, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة" .
ففضائله _رضي الله عنه_ كثيرة جداً , ولقد وطد الله به قواعد الملة لما اضطربت الأمور عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم, حيث وقف تلك الوقفة العظيمة , وخطب تلك الخطبة العصماء, عندما قال : ( من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات , ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ), ثم تلا قوله تعالى : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} آل عمران : 144
وجهز الجيوش وسيرها على أمر الرسول صلى الله عليه وسلم , ووقف موقفه العظيم من أهل الردة عندما قال : ( لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم على منعه ) , فقاتلهم حتى استقامت له الأمور , وتوطدت دعائم دولة الإسلام, واستقامت الأمور , وانتظمت الأحوال , وتحقق مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال : " بينما أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو , فنزعت منها ما شاء الله , ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع منها ذنوباً أو ذنوبين , وفي نزعه ضعف, والله يغفر له ضعفه , ثم استحالت غرباً , فأخذها ابن الخطاب فلم أرَ من الناس ينزع نزع عمر حتى ضرب الناس بعطن "متفق عليه.
وقوله عليه الصلاة والسلام : " نزع منها ذنوباً أو ذنوبين " دليل على قصر خلافته, حيث كانت سنتين وبضعة أشهر _رضي الله عنه _ لكنها كانت رحمة وعدلاً , وقوة ونصراً للإسلام وأهله, فرضي الله عنه وأرضاه , وجمعنا في مستقر رحمته مع النبيين, والصديقين, والشهداء, والصالحين, وحسن أولئك رفيقاً.
اللهم صل على محمد, وعلى آل محمد, كما صليت على إبراهيم, وعلى آل إبراهيم, إنك حميد مجيد.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين , وأذل الشرك والمشركين , ودمر أعداء الدين , اللهم ومن أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله في نفسه , واجعل كيده في نحره , اللهم انصر دينك وأعل كلمتك , اللهم وفق ولاة أمر المسلمين لما تحبه وترضاه من القول والعمل , واجمع كلمتهم على ما يرضيك , ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
|