نماذج من الصدقة الجارية
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهد الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم, وعلى آله وأصحابه, وبعد :
أيها الناس : روى الإمام مسلم في صحيحه, من حديث أي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ :" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية, أو علم ينتفع به, أو ولد صالح يدعو له ".
ويسأل البعض عن معنى الصدقة الجارية , وهل محددة في عمل من الأعمال, أم أوجهها كثيرة , فأحببت أن أبين في هذه الخطبة نماذج من الصدقات الجارية, التي يعود نفعها على المسلم بعد موته , ولكن قبل أن أبدأ, أود أن أذكر بقول النبي صلى الله عليه وسلم :" وإن الصدقة لتطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ".
وبقوله صلى الله عليه وسلم:" اتقوا النار ولو بشق تمرة ".
إلى غير ذلك من الأحاديث النبوية, التي تحث المسلم على فعل الخير, وكذلك جاءت الآيات الكثيرة في كتاب الله بمدح المتصدقين, والثناء عليهم, وما أعد الله لهم من النعيم.
عباد الله: الصدقة الجارية, هي الصدقة الدائمة النفع, المستمر نفعها في حياة المسلم, وبعد موته , فكل صدقة استمر نفعها, والانتفاع بها, فهذه صدقة جارية, فمن ذلك :
بناء المساجد, روى الشيخان عن الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة".
فالمساجد بيوت الله, وبناؤها من الصدقات الجارية, لانتفاع المسلمين الدائم بها , ولكن لا بد من وجود الشرط المذكور في الحديث, وهو أن يبنيه ابتغاء وجه الله, لا رياءً, ولا سمعة, ولا ضراراً, ولا مضاهاة.
ومن الصدقات الجارية : حفر الآبار على الطرق, وفي الأماكن النائية, ووضع برادات المياه في المساجد, وعلى الطرق, وفي الأماكن التي يتواجد بها الناس , روى أبو داود بسند فيه ضعف, أن سعد بن عبادة, قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أمي ماتت, فأي الصدقة أفضل ؟ قال : الماء . قال: فحفر سعد بئراً وقال: هذه لأم سعد.
ومن الصدقات الجارية :
بناء دور العلم, والمكتبات العامة, والخاصة لطلبة العلم, وكذلك شراء الكتب النافعة والأشرطة , أو طبعها, أو نشرها , كل ذلك داخل تحت الصدقة الجارية .
ومن الصدقات الجارية : وقف بعض الأموال, أو الدور على الفقراء, والأيتام , ففي الصحيحين, عن ابن عمر قال: ( أصاب عمر بن الخطاب أرضاً بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها, فقال: يا رسول الله إني أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط هو أنفس عندي منه, فما تأمرني به ,قال:" إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها", قال: فتصدق بها عمر أنه لا يباع أصلها, ولا يبتاع, ولا يورث, ولا يوهب, قال: فتصدق عمر في الفقراء, وفي القربى, وفي الرقاب, وفي سبيل الله, وابن السبيل, والضيف لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف, أو يطعم صديقا غير متمول فيه). صحيح مسلم ج3/ص1255.
فهذا أمير المؤمنين, يتصدق بأفضل أمواله, وأحبها إليه , ولا تخفى قصة أبي طلحة الأنصاري, عندما تصدق ببيرحاء على قراباته , وقول النبي صلى الله عليه وسلم :"بخٍ بخٍ, ذاك مال رابح ".
ومن الصدقات الجارية: فتح الطرق, وغرس الأشجار الثمرة, وغيرها, كالأشجار التي يستفاد منها بالظل ونحوه , وكذلك بناء المظلات على الطرق للمسافرين وغيرهم .
ومن الصدقات الجارية: دعم الجمعيات الخيرية, وجماعات تحفيظ القرآن, فإن هذه الجمعيات, والجماعات, تقوم بدورها بإنشاء مشاريع طيبة , والمساهمة فيها من الصدقات الجارية .
عباد الله: وإذا جاز للمسلم أن يفعل خيراً يتقرب إلى الله عز وجل به, فكذلك يجوز للمسلم أن يتصدق بالصدقة, ويساهم في المشاريع النافعة, أو يقيمها, وينوي أجرها لأحد والديه, أو أقاربه , فقد روى البخاري من حديث ابن عباس: أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أمي توفيت, أفينفعها إن تصدقت عنها ؟ قال : نعم , قال : فإن لي مخرفاً() فإني أشهدك أني قد تصدقت به عنها ".
وفي الصحيحين من حديث عائشة, أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن أمي افتلتت() نفسها, وأظنها لو تكلمت تصدقة, فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: نعم ".
وفي صحيح مسلم, أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم :" إن أبي مات, ولم يوص أفينفعه إن تصدقت عنه ؟ قال : نعم "
فدلت هذه الأحاديث على جواز التصدق عن الميت, وإن ثوابها يصل إليه.
عباد الله : يقول نبيكم صلى الله عليه وسلم :" يا بن آدم! إنك إن تبذل الفضل خير لك, وإن تمسكه شر لك, ولا تلام على كفاف, وابدأ بمن تعول, واليد العليا خير من اليد السفلى " صحيح مسلم.
فتصدقوا _بارك الله فيكم_ من فضول أموالكم, وأوقفوا الوقوف الخيرية, واعملوا الأعمال التي يصلكم ثوابها في حياتكم, وبعد مماتكم, أقول قولي هذا, وأستغفر الله لي ولكم, ولسائر المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|