من صور إحزان المؤمنين عياذا بالله
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد:
فاتقوا الله تعالى واحذروا سخطه وعقابه , واجتنبوا الشيطان وحزبه فإنه عدو مبين (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ).
عباد الله حرص الشيطان الرجيم منذ أن خلق الله آدم عليه السلام إلى قيام الساعة على إغواء بني آدم بل أقسم على ذلك قال تعالى: (فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) ولا يزال على ذلك أعاذنا الله وإياكم من نزغات الشيطان الرجيم
أيها الناس: عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّه، وَلْيَنْتَهِ". وفي لفظ "فليقل: آمنت بالله ورسله" متفق عليه. وَفِي لَفْظٍ "لَا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يقولون: من خلق الله؟ ".
احتوى هذا الحديث المبارك على أنه لا بد أن يلقي الشيطان هذا الإيراد الباطل: إما وسوسة محضة، أو على لسان شياطين الإنس وملاحدتهم. وقد وقع كما أخبر، فإن الأمرين وقعا، لا يزال الشيطان يدفع إلى قلوب من ليست لهم بصيرة هذا السؤال الباطل، ولا يزال أهل الإلحاد يلقون هذه الشبهة التي هي أبطل الشبه، ويتكلمون عن العلل وعن مواد العلم بكلام سخيف معروف.
وقد أرشد النبي صلّى الله عليه وسلم في هذا الحديث العظيم إلى دفع هذا السؤال بأمور أربعة: بالانتهاء، والتعوذ من الشيطان، وبالإيمان, وبقراءة سورة الإخلاص .
أما الانتهاء - وهو الأمر الأول -: فإن الله تعالى جعل للأفكار والعقول حداً تنتهي إليه، ولا تتجاوزه. ويستحيل لو حاولت مجاوزته أن تستطيع، لأنه محال، ومحاولة المحال من الباطل والسفه. فإن المخلوقات لها ابتداء، ولها انتهاء. وقد تتسلسل في كثير من أمورها حتى تنتهي إلى الله الذي أوجدها وأوجد ما فيها من الصفات والمواد والعناصر (وَأَنَّ إلى رَبِّكَ المُنْتَهَى), فإذا وصلت العقول إلى الله تعالى وقفت وانتهت، فإنه الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس
بعده شيء. فأوّليته تعالى لا مبتدأ لها مهما فرضت الأزمان والأحوال. وهو الذي أوجد الأزمان والأحوال والعقول التي هي بعض قوى الإنسان. فكيف يحاول العقل أن يتشبث في إيراد هذا السؤال الباطل. فالفرض عليه المحتم في هذه الحال: الوقوف، والانتهاء.
الأمر الثاني: التعوذ بالله من الشيطان. فإن هذا من وساوسه وإلقائه في القلوب؛ ليشكك الناس في الإيمان بربهم. فعلى العبد إذا وجد ذلك: أن يستعيذ بالله منه، فمن تعوذ بالله بصدق وقوة أعاذه الله وطرد عنه الشيطان، واضمحلت وساوسه الباطلة.
الأمر الثالث: أن يدفعه بما يضاده من الإيمان بالله ورسله، فإن الله ورسله أخبروا بأنه تعالى الأول الذي ليس قبله شيء، وأنه تعالى المتفرد بالوحدانية، وبالخلق والإيجاد للموجودات السابقة واللاحقة.
فهذا الإيمان الصحيح الصادق اليقيني يدفع جميع ما يضاده من الشبه المنافية له، فإن الحق يدفع الباطل. والشكوك لا تعارض اليقين.
فهذه الأمور الأربعة التي ذكرها النبي صلّى الله عليه وسلم تبطل هذه الشبه التي لا تزال على ألسنة الملاحدة، يلقونها بعبارات متنوعة. فأمر بالانتهاء الذي يبطل التسلسل الباطل، وبالتعوذ من الشيطان الذي هو الملقي لهذه الشبهة، وبالإيمان الصحيح الذي يدفع كل ما يضاده من الباطل.
والحمد لله فبالانتهاء: قطع الشر مباشرة. وبالاستعاذة: قطع السبب الداعي إلى الشر. وبالإيمان اللجأ والاعتصام بالاعتقاد الصحيح اليقيني الذي يدفع كل معارض.
وهذه الأمور الثلاثة هي جماع الأسباب الدافعة لكل شبهة تعارض الإيمان. فينبغي العناية بها في كل ما عرض للإيمان من شبهة واشتباه يدفعه العبد مباشرة بالبراهين الدالة على إبطاله، وبإثبات ضده وهو الحق الذي ليس بعده إلا الضلال، وبالتعوذ بالله من الشيطان الذي يدفع إلى القلوب فتن الشبهات، وفتن الشهوات، ليزلزل إيمانهم، ويوقعهم بأنواع المعاصي. فبالصبر واليقين: ينال العبد السلامة من فتن الشهوات، ومن فتن الشبهات.
والأمر الرابع قوله عليه الصلاة السلام : "يُوشِكُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ بَيْنَهُمْ ، حَتَّى يَقُولَ قَائِلُهُمْ : هَذَا اللَّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ؟ فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ ، فَقُولُوا : اللَّهُ أَحَدٌ ، اللَّهُ الصَّمَدُ ، لَمْ يَلِدْ ، وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ، ثُمَّ لْيَتْفُلْ أَحَدُكُمْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاثًا ، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ" رواه أحمد وأبو داود وصححه العلامة الألباني .
فدلت هذه الأحاديث الصحيحة على أنه يجب على من وسوس إليه الشيطان بقوله: من خلق الله؟ أن ينصرف عن مجادلته إلى إجابته بما جاء في الأحاديث المذكورة، وخلاصتها أن يقول: آمنت بالله ورسله، الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد.
ثم يتفل عن يساره ثلاثاً، ويستعيذ بالله من الشيطان، ثم ينتهي عن الانسياق مع الوسوسة .
فمن من فعل ذلك طاعة لله ورسوله، مخلصاً في ذلك فلا بد أن تذهب الوسوسة عنه، ويندحر شيطانه لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن ذلك يذهب عنه"، وهذا التعليم النبوي الكريم أنفع وأقطع للوسوسة من المجادلة العقلية في هذه القضية، فإن المجادلة قلما تنفع في مثلها.
ومن المؤسف أن أكثر الناس في غفلة عن هذا التعليم النبوي الكريم، فتنبهوا أيها المسلمون وتعرفوا إلى سنة نبيكم واعملوا بها، فإن فيها شفاؤكم وعزكم.
نسأل الله لنا ولكم العافية والسلامة من كل بلاء وشر وفتنة ، وبارك الله في أعمالكم وحفظكم من كل سوء، وغفر الله لي ولكم وللمؤمنين ، إن ربي غفور رحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيّباً مباركاً فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا . أما بعد:
ومن مصائد الشيطان ما ذكره الله بقوله: (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) .
يقول تعالى: (إِنَّمَا النَّجْوَى) أي: تناجي أعداء المؤمنين بالمؤمنين -كحال المستضعفين في سوريا والعراق وفلسطين وغيرها وتكالب الخوارج وسائر الكفرة على بلاد الحرمين- يتناجون بالمكر والخديعة، وطلب السوء من الشيطان، الذي كيده ضعيف ومكره غير مفيد.
(لِيَحزن الَّذِينَ آمَنُوا) هذا غاية المكر ومقصوده، (وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ) فإن الله تعالى وعد المؤمنين بالكفاية والنصر على الأعداء، وقال تعالى: (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ) فأعداء الله ورسوله والمؤمنين، مهما تناجوا ومكروا، فإن ضرر ذلك عائد إلى أنفسهم، ولا يضر المؤمنين إلا شيء قدره الله وقضاه، (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) أي: ليعتمدوا عليه ويثقوا بوعده، فإن من توكل على الله كفاه، وتولى أمر دينه ودنياه.
= اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام. اللهم أعذنا من الشيطان الرجيم، اللهم أعذنا وذرياتنا من الشيطان، اللهم اكفنا شر شياطين الجن والإنس إنك أنت السميع العليم.
اللهم من أرادنا وأراد ديننا وبلادنا وأمننا بسوء اللهم فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، اللهم اكفنا والمسلمين شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم يا رب العالمين، اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أهل دينك اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك, اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ وليد الشبعان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129 |