عن الصلاة
الحمد لله الذي يسّر أسباب التواصل معه ، بما أراده وشرعه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ، وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه
أما بعد: فأتقو الله عباد الله
أيها الإخوة في الله :
إن الصَّلاة التي تصل الواصل بالموصل تربطه فيه بحسب حاجته إليه, ومنزلته منه ومعرفته فيه , فوصله لموصله وثيق وشوقه إليه يزيد ، يجد في القرب لذة ,وفي البعد عنه وحشة, والعكس بالعكس يحصل ,والجزاء من جنس العمل ، الواصل ضده القاطع,, فمن وصل وُصل,ومن قطع قُطع,ومن لا وصل له فليس للوصول إليه سبيل, ترى أخي –المسلم، يبين الناس صلاة وترابط على اختلاف طبقاتهم وأحوالهم,فيا ترى هذه الصَّلاة مبناها على ماذا؟ وإلى أين منتهاها ؟
هذا ما يستحيل حصره ,وتصعب معرفته ,ولكن: الغالب على هذه الصلاة أن مبناها على المصلحة الفردية ,أو مصلحة لفئة معينة .فتراها بزوال سببها تزول ، ولو بلغ الوصل فيها مبلغا. فمن كان وصله لمن أمر بوصله لله لدام ما بقيا ، ويوم القيامة (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين .يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون الذين أمنوا وكانوا يتقون)
أيها الإخوة: لا وصل على الإطلاق أعظم وأجل من وصل الله ولا يصل الله إلا من بذل أسباب الوصل محققا للشرط نافيا للمانع.
فالرحم من وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله. (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعو أرحامكم )
(والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ).
قال العلامة ابن سعدي رحمه الله:
وهذا عام في كل ما أمر الله بوصله من الإيمان به وبرسوله,ومحبته, ومحبة رسوله, والانقياد لعبادته وحده لا شريك له ولطاعة رسوله , ويصلون آباءهم وأمهاتهم ببرهم بالقول والفعل ,وعدم عقوقهم , ويصلون الأقارب والأرحام بالإحسان إليهم قولا وفعلا . ويصلون ما بينهم وبين الأزواج والأصحاب ,والمماليك بأداء حقهم كاملا موقراً من الحقوق الدينية والدنيوية.
والسبب الذي يجعل العبد واصلا ما أمر الله به أن يوصل خشية الله, وخوف يوم الحساب, ولهذا قال: ويخشون ربهم .أي يخافون فيمنعهم خوفهم منه ومن القدوم عليه يوم الحساب أن يتجرأ و على معاصي الله، أو يقصروا في شيء مما أمرالله به , خوفا من العقاب ,ورجاء للثواب. انتهى كلامه رحمه الله.
فإذا علمت هذا (أخي المسلم) فاعلم أن العبادات بأنواعها مما أمر الله بها أن يوّصل .
والصَّلاة من هذه العبادات وهي الصلة الوثيقة بين العبد وبين الله فمن وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله .ولقد هان أمرها , وخف ميزانها عند كثير من الناس فتجد الكثير لا يؤديها , قطعوا صلتهم مع الله بسبب تركها، والبعض منهم فرضا يؤدون وفروضا يتركون، إن وجدوا المصلين صلوا وإن وجدوا المعرضين أعرضوا
-مذبذبين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
والبعض يصليها ولكنه جاهل فيها وقد ضيع أو فرط في شروطها وأركانها وواجباتها فضلا عن سننها ومستحقاتها.
وقليل من الناس أو أقل من القليل . ما يحصل له ما من أجله شرعت من الاجتماع لها بأدائها في المساجد ليحصل الوصل من الله -فان يد الله مع الجماعة – ويحصل التواصل بين عباد الله والتعارف والتشاور في أمورهم ، والتعاون في حل مشاكلهم ، تداول الرأى فيما بينهم ونزع العداوة وتأليف القلوب .
(إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.)
وقد جاء الخطاب الإلهي بالنداء الجماعي : "(يا أيها الذين ءامنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون . وجاهدوا في الله حق جهاده ) .
فإذا وقف المسلم في الصف مع إخوانه نادي بصيغة الجميع (إياك نعبد وإياك نستعين). ولا يخص نفسه بالدعاء بل يدعو له ولغيره – (اهدنا الصراط المستقيم.)وهكذا
وما في الصلاة من الفوائد والحكم ما يفوق العد ويتجاوز الحصر ولكن هاك أخي المسلم كلام ذلك العالم الرباني والإمام المتقن , والمحقق البصير. مبينا منزلة الصلاة بين العبادة فجمع فأوعى –وأسقى فأروى قال شمس الدين ابن القيم رحمه الله:
منزلة الصلاة بين العبادات
أن الصلاة هي أول فروض الإسلام بعد الشهادتين فقد أقام عليه الصلاة والسلام في مكة عشر سنين يدعو إلى التوحيد وينهى عن الشرك فلما استقرة العقيدة في نفوس المسلمين وآمنوا بها إيمانا كاملا فرض الله تعالى على نبيه وعلى أمته الصلوات الخمس وصلاها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين قبل أن يهاجر إلى المدينة وتعظيما لشأن الصلاة وتنويها بقدرها وما لها من المزايا ما ليس لغيرها من العبادات فرضها الله بدون واسطة على رسوله صلى الله عليه وسلم بمخاطبته له ليلة المعراج .
فكانت المنحة التي منحها الله حبيبه ليلة الوصل الأعظم جزاء له على ما قام به من العبودية الصادقة للربوبية بما لم يسبق إليه سابق ولن يلحقه لاحق لذلك كانت الصلاة قرة عين الرسول صلى الله عليه وسلم وإليها كان يفزع كلما حزبه أمره وكانت راحة نفسه من كل ما أهمها فكان يقول((يا بلال أرحنا بالصلاة)) وكان آخر ما عهد به إلينا من بين عهوده صلى الله عليه وسلم إذ يقول في آخر رمق من حياته ,,الصلاة الصلاة فما ملكت أيمانكم ,, فهي أول الإسلام وآخره ومن عظم منزلة الصلاة أنها أكثر ذكرا في القرآن فتارة تخص بالذكر وتارة تقرن بالزكاة وتارة بالصبر وتارة تقرن بالنسك وأخرى تفتح أعمال البر وتختم بها.
ثم إن وجوبها عام على الذكر والأنثى والحر والعبد والغني والفقير والمقيم والمسافر والصحيح والمريض وأول ما يحاسب عليه العبد من أعماله يوم القيامة فآخر ما يفقده من دينه، وهي قوام الدين ولا يستقيم الدين الا بها كما جاء في الحديث (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد) فمتى سقط العمود ذهب الدين عياذا بالله تعالى وذالك أن الصلاة تتجلى فيها العبودية لله جل وعلا .
ذلك أن الصلاة وضعت على أكمل الوجوه وأحسنها الذي تعبد بها الخالق تبارك وتعالى عباده، من تضمنها للتعظيم له بأنواع الجوارح من نطق اللسان وعلى اليدين والرجلين والرأس وحواسه وسائر أجزاء البدن كل يأخذ لحظه من الحكمة في هذه العبادة العظيمة المقدار مع أخذ الحواس الباطنة بحظها منها ، وقيام القلب بواجب عبوديته فيها فهي مشتملة على الثناء والحمد والتمجيد والتسبيح والتكبير وشهادة الحق والقيام بين يدي الرب مقام العبد الذليل الخاضع المدبر المربوب ثم التذلل له بهذا المقام والتضرع والتقرب إليه بكلامه ثم انحناء الظهر ذلا له وخشوعا واستكانة ثم استواءه قائما ليستعد لخضوع أكمل له من الخضوع الأول وهو السجود من قيام فيضع أشرف شيء فيه وهو وجهه على التراب خشوعا لربه واستكانة وخضوعا لعظمته وذلا لعزته قد انكسر له قلبه وذل له جسمه وخشعت له جوارحه ثم يستوي قاعدا يتضرع له ويتذلل بين يديه ويسع من فضله ثم يعود إلى حاله من الذل والخشوع والاستكانة فلا يزال هذا دأبه حتى يقضي صلاته .
فيجلس عند إرادة الانصراف منها مثنيا على ربه مسلما على نبيه وعلى عباده ثم يصلى على رسوله ثم يسأل ربه من خيره وبره وفضله فأي شيء بعد هذه العبادة من الحسن وأي كمال وراء هذا الكمال وأي عبودية أشرف من هذه العبودية . أنتهى كلامه رحمة الله .
فيا أخي المسلم عبادة هذا شأنها وهذا عظم قدرها وهذا غيض من فيض فوائدها,سهل أدائها ميسر أمرها (صل قائما فان لم تستطع فقاعدا فان لم تستطع فعلى جنب) _أيسوغ لعاقل بعد هذا التفريط فيها والزهد في نتائجها الحميدة.
إنها والله لمصيبة وأي مصيبة حينما لا ترى في المساجد إلا القليل من المصلين وفي صلاة الفجر لا يكاد العدد يذكر فيا عباد الله : لنفق من رقدتنا ولنحافظ على صلاتنا ، ولنخشى عاقبة الكفر فان الصلاة تركها كفر. اللهم اجعلنا من المحافظين على الصلاة واجعلنا نحقق أمرها حتى تنهانا عن الفحشاء والمنكر . الله صلى على محمد وعلى آل محمد ........إلى آخر الدعاء |