الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الحمد لله الذي جعل في الناس بقايا من أهل العلم والصلاح والإصلاح ، يدعون إلى الله على بصيرة ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويصبرون على الأذى ، ويتواصون بالحق ، و أولئك هم المفلحون المهتدون . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الإله الحق المبين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين ، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين .
أما بعد ... فيا أيها الإخوة المسلمون : اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون . عباد الله :
وجود الأضداد في هذا الكون إرادة إلهية ، لها حكمة بالغة عظيمة ، فالنور ضده الظلام ، والعلم ضده الجهل ، والإيمان ضده الكفر ، والخير ضده الشر ، وهكذا ولو شاء الله لجعل الحياة على نمط واحد . لجعل الدنيا نهاراً دون ظلام ، ولجعل الناس أمة واحدة ، ولجعل السعادة والفرح دون الكآبة والحزن . ولا يسأل عن ذلك فهو سبحانه ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) .
وفي هذه الدنيا جعل الله وأراد تعالج الخير والشر ، وجعل الغلبة لمن بذل الأسباب ، (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) . فإن بذل أهل الخير أسباب حصوله حصل لهم . وإن بذل أهل الشر أسباب حصوله حصل لهم ، فالأشياء معلقة بفعل أسبابها . وقد أبتلي أهل الخير بأهل الشر، وهم يبتلون في كل زمان ومكان . وأهل الشر لم يسلم منهم أحد ، فقد تعدوا على الله ولن يضروه كما قال سبحانه (إنكم لن تبلغوا) ولكن أثبت سبحانه الأذى منهم له فقال سبحانه في الحديث القدسي (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر ... الحديث) .
وقال صلى الله عليه وسلم : لا أحد أصبر على أذاً سمعه من الله ... وقد عاد أهل الشرك والشر من الناس أنبياء الله ورسله منذ الساعات الأولى التي أعلنوا فيها الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، ومحاربة الكفر والشرك والذنوب . وهذا التاريخ قد سطر ذلك العداء وخلد ذكره فكان وصمة عار في جبين الأشرار . وتسلسل هذا الشر إلى يومنا هذا وهو باقٍ إلى قيام الساعة . وهذه سنة الله في خلقه (فلن تجد لسنة الله تحويلا – ولن تجد لسنة الله تبديلا) .
وقف المشركون في وجه النبي صلى الله عليه وسلم منذ أن دعا قومه وقال : إني لكم نذير بين يدي عذاب شديد . يا قومي أعبدوا الله ما لكم من إله غيره ، واتركوا ما كان يعبد أبائكم من الأصنام والآلهة الباطلة . فرموه بأقبح الأوصاف قبل أن كانوا يسمونه الأمين . فقالوا ساحر كذاب ، وقالوا إنك لمجنون ، ٍ وقالوا كذاب أشر وقالوا وقالوا ...
بل أرادوا وئد دعوته في مهدها ، فحاولوا قتله والخلاص منه ولكن الله سلم . وناله صلى الله عليه وسلم من الأذى ونال أصحابه مثل ما ناله أو أشد ، وصبروا حتى أظهر الله أمر ونصر دينهم ، وخذل عدوهم ، وجعل الدائرة لهم والذكر الحسن . وما فتأ أهل الشر ، ولا نكلوا ، وما أتعض لاحقهم بما حصل لسالفهم ، فهم اليوم يكيدون للإسلام وأهله بكل ما ؤتوا من وسائل الشر والفساد ، فمن هؤلاء من أتخذ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه البلاد المباركة هدفاً له يصب جام غضبه عليها ، ويجيش جنوده للوقوف معه في معركته الخاسرة التي لا تحيق إلا بأهلها سوءاً فيسمع في المجالس ، ويقرأ عبر الصحف والمجلات ، ويسمع ويشاهد عبر وسائل الإعلام المرئية من هذا الشيء الكثير حتى كادت أن تصبح ظاهرة بين الناس ، وقد أحسنت وزارة الشئون الإسلامية حينما أمرت خطباء الجوامع بالتحدث عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان أهمية هذا الجهاز المبارك ومآثره على الفرد والمجتمع .
أيها الأخوة :
إن جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الجهاز الوحيد في العالم ، فلا يوجد في أي دولة من دول العالم شبيه له ، وهذه من أكبر حسنات هذه الدولة المباركة منذ تأسيسها، وأهداف هذا الجهاز وأسسه مستمدة من تعاليم الإسلام ، فهو ثمرة الاستجابة لنداء الله إذ يقول سبحانه (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ...) وقوله سبحانه (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم : (مروا بالمعروف وانهو عن المنكر قبل أن تدعو فلا يستجاب لكم) وغير ذلك كثير . فالهدف من أوضح الأشياء فهو يسعى برجالاته إلى القضاء على المنكرات ، أو تقليلها وحصرها في أضيق النطاق ، ولذلك شرق فيه أهل الشر لأنه يحارب شهواتهم الباطلة ويحد من نفوذهم إلى الناس واتخذوا من بعض ما يظنونه من أخطاء الهيئة مدخلاً للنيل من هذا الجهاز والحد من نشاطه بل وطالبوا بإلغائه – فعليهم من الله ما يستحقون – فمن هذا المكان وغيره نرفع أكف الضراعة إلى الله سبحانه بأن يطهر بلادنا وبلاد المسلمين من أهل الفساد والإفساد ، من المنافقين والعلمانيين ، وأعداء الملة والدين وأن يجعل كيدهم في نحورهم ، ويرد سلاحهم عليهم إنه قوي عزيز .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
وقالت أمة منهم لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً قالوا معذرتاً إلى ربكم ولعلهم يتقون
بارك الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يجب ربنا ويرضا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الآخرة والأولى ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى ، بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله أهل الغي والهوى ، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته أولى الأحلام والنهى ، وعلى التابعين وأتباعهم وعنا معهم إلى يوم الحساب والجزاء
أما بعد ... فاتقوا الله عباد الله حق التقوى واستمسكون من الإسلام بعروته الوثقى ألا وهي لا إله إلا الله .
عباد الله : لا شك أنكم تدركون جيداً أهمية جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وما هي فوائده وثمراته العاجلة والآجلة ، ولكن اعلموا – أيها الأخوة – أنه متى بقى هذا الجهاز يؤدي الدور المنوط فيه على أكمل وجه فإن الخير باقي ، والشر مدفوع ، والأمن من العذاب العام يحصل بإذن الله ، وفي ذلك جاءت نصوص الكتاب والسنة . فإن حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية إذا قام به البعض سقط الأثم عن الباقيين . وقد قال بعض أهل العلم أنه الركن السادس من أركان الإسلام وهذا بالجملة . ولكنه فرض على كل من رأى منكراً وهو قادر على إنكاره شريطة أن لا يترتب عليه منكرُُ أعظم منه .
من الأمور التي تخفى على كثير من الناس محاسن هذا الجهاز المبارك على الواقع في المنكر الذي ضبط وهو متلبس فيه . يظن البعض أن الهيئة إذا ضبطت أي وقوعة تقوم برفعها في الحال إلى القضاء وهذا غير صحيح فقد جاء في تقرير الهيئة السنوي لعام 1426 – 1427 هـ أنه أحيلت إلى جهات الاختصاص 6% فقط من إجمالي الوقوعات وأربع وتسعين بالمائة منها تم إنهاؤها داخل المراكز . فالهدف منها واضح أنه الإصلاح والتغيير ، لا الفضيحة والتشهير . بل إن في الهيئة قسم خاص للتوجيه والإرشاد قبل اتخاذ أي إجراء رسمي . خذوا مثلاً من أنظمة الهيئة أنه إذا ثبت على شخص أنه لا يشهد الصلاة في جماعة المسجد ورفع فيه إمام وجماعة المسجد إلى الهيئة فإنه يؤخذ عليه تعهداً خطياً في المرة الأولى فإن عاد لا يصلى أخذ عليه تعهداً آخر ، فإن عاد لا يصلى أخذ عليه تعهد ثالث فإن عاد لا يصلي رفع أمره إلى القاضي للحكم عليه . وإننا في هذا الجامع سنقوم بإحصاء كل من لا يشهد الصلاة وليس له مانع شرعي وسيرفع أمره إلي الهيئة حسب هذا النظام وذلك أولاً رحمة به وسعياً لهدايته ، ثانياً خروجاً من المسؤولية التي أنيطت بأعناقنا شرعاً كما قال تعالى : (وقالت أمة منهم لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً قالوا معذرتاً إلى ربكم ولعلهم يتقون) وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان . وحسب النظام وإني من هذا المكان أرجو ممن هذا حاله لا يشهد الصلاة في المسجد بأن يتقي الله في نفسه ولا يحرجنا يوماً من الأيام لنقف عند بابه من أجل هذا الغرض وليخبر الشاهد الغائب فليس عندنا استعداد لتحمل الذنوب والمعاصي .
أيها الأخوة : ما هو واجبنا تجاه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
أ) إن الواجبات كثيرة فمنها : الشعور بأهمية هذا الجهاز وأنه من شعائر الله فلابد من تعظيمه فالله تعالى يقول : ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب .
ومنها : مساعدة رجال الهيئة في القضاء على المنكرات قدر المستطاع وذلك بإبلاغهم عن أي منكر ظاهر وأن يحسب المسلم نفسه بأنه عضو من أعضاء الهيئة فالجميع يسعى لصالح الجميع .
ومنها أي من الواجبات : الوقوف في وجه كل من يسيء لهذا الجهاز فإن كان جاهلاً فليطلع على مناشط الهيئة وإنجازاتها حتى يتبين له الحق ، وإن كان مغرضاً مفسداً فبالأخذ على يده ورفع أمره إلى الجهات المعنية .
ومنها : الدعاء لهم بالثبات والصبر والاحتساب والتأييد والعزة والتمكين والاستمرار .
ومنها : دفع كل الشبه التي تلصق بهم لتشويه سمعتهم والحط من قدرهم .
ومنها : مناصحتهم إن رُئي منهم شيء يحتاج إلى إصلاح وتهذيب .
ومنها : دعمهم حساً ومعنى وتشجيعهم على الاستمرار فيما هم فيه وذكر محاسنهم ومآثرهم الطيبة .
ومنها : عدم التعدي عليهم بالقول أو الفعل ، وعدم الاستهزاء بهم والسخرية منهم بتمثيل أو غيره .
وأخيراً ليعلم كل واحد منا ماله من حقوق وما عليه من حقوق وليعطي كل ذي حقه حقه
اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم أنك حميد مجيد ، اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين..................................إلى آخر الدعاء |