الولاء والبراء
الحمد لله رب العالمين , ولا عدوان إلا على الظالمين , نحمده ونشكره ,ألف بين المؤمنين وجعل بينهم مودة ورحمة , وفرق الكافرين تحسبهم جميع وقلوبهم شتا متفرقة , نصر أولياءه وخذل أعداءه (أفنجل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون) .
وأشهد أن لا اله إلا الله قيوم السماوات والأرضيين , بيده أزمة الأمور ونواحي العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله هو الحق المبين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين , الموحى إليه (وإنك لعلى خلق عظيم) صلى الله عليه وعلى آله وصحابته إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
أيها الإخوة في الله :
اعلموا أن الولاء والبراء , من الأمور المفروض تعلمها ومعرفة الله ودينه ونبيه توجب معرفة ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال والعقائد والأشخاص ,ومعرفة وما يضاد ذلك من الشرك والكفر والبدع مما يبغضه الله ويأباه.
وأن الدين الواجب أفعال وتروك , أوامر ونواهي ، فالأوامر ما يجب أو يستحب فعله , والنواهي ما يجب أو يندب تركه , وعلى المسلم أن يحب ما يحبه الله ورسوله ويكره ما يكرهه الله ورسوله .
والله يحب من عباده أن يحبوه ،ويحبوا ما يحب من أوامره وشرعه ,ويكره لهم أن يحبوا ما يكره .
ففي الحديث -أحبوا الله من جميع قلوبكم ,
وفي الحديث أيضا والله لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين.
أيها الإخوة:
الحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان ,ولا يذوق أحد طعم الإيمان حتى يحب في الله ويبغض في الله ويوالي في الله ويعادي في الله .
ولا تنال ولاية الله إلا بذلك فمن أحب أن يكون وليا لله فليؤمن بالله وليتقه وليحب أولياءه ويبغض أعداءه .
قال الله تعالى: ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون) , فهم لا خوف عليهم فيما يستقبلون ,ولا هم يحزنون على ما فاتهم , فمن كان الله وليه فهو نعم المولى ونعم النصير .
( الله ولي الذين آمنوا يخرجونهم من الظلمات إلى النور) .يخرجهم من ظلمات الجهل والشرك والبدع إلى نور الإيمان والعمل الصالح .
أما الذين كفروا (فأولياءهم الطاغوت يخرجهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) . ذلك بأن أول الفرائض هو الكفر بالطاغوت وهؤلاء اتخذوهم أولياء من دون الله (فأحلوهم دار البوار جهنم يصلونها فبئس القرار).
وفي الحديث : المرء مع من أحب. فمن أحب الله ورسوله والمؤمنين حشر مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
ومن أحب الكفر والطواغيت واليهود والنصارى حشر معهم قال تعالى : (إلاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين).
فالمتحابون في الله ولله محبتهم مستمرة , في الدنيا والآخرة فكل شيء لله فهو باق ، وما كان لغيرا لله فهو مضمحل وذاهب.
قال تعالى في حق من كان حبه وإتباعه على غير طاعة الله : (وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين).
أيها الأحبة :
إننا في زمن قد عميت فيه بصائر كثير من الناس عن الحق وغفلوا عن دينهم وما أريد منهم، وضلوا واتبعوا أهواءهم لا يعرفون لذي حق حقه ,ولا لكبير قدره ,ولا لمعين فضله,ولا لولي مودته, ولا لعدو عداوته ,صديقه اليوم عدوه غدا ,وعدوه اليوم صديقه غدا ,
وما ذلك إلا الإعراض عن الشرع وإتباعاً للهوى والشهوات والجهل بالنتائج السيئات.
موالاة أولياء الله ,ومعاداة أعداء الله ، معلم من معالم الفرقان ، وتميز عن أتباع الشيطان ، وسنة من سنن الأنبياء وأولياء الرحمن , هذا قدوة الأنبياء وإمام الحنفاء إبراهيم خليل الرحمن قال لأبيه وقومه (إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فانه سيهدين)
وقال لهم : (وأعتز لكم وما تدعون من دون الله)
وقال تعالى عنه وعن أتباعه : (لقد كان لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده..............) الآية
وقال تعالى : (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوآدون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناء أو إخوانهم أو عشيرتهم أولائك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولائك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون) .
ولقد كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كلهم اعتزلوا قومهم الذين خالفوا شرع الله بعد ما اتخذوا جميع الوسائل لدعوتهم وإلزامهم بالحجج القاطعة والبراهين الباهرة خوفا من حلول العذاب بهم .
أيها الإخوة :
من أعظم المصائب على المسلم أن يتصف بصفة من عميت بصيرته ,وكثر جهله وخبثت سيرته فلا يفرق بين الولي والعدو, والخبيث والطيب , والطائع والعاصي ,والسائر في طريق النعيم، والسائر في طريق الجحيم . (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كاللذين آمنوا وعملوا لصالحات سواء محياهم ومماتهم سآء ما يحكمون )
وقال سبحانه : (أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم) .
كيف يساوي المسلم بين هذا وهذا والله فرق بينهم إنها حقا من أعظم المصائب , اليوم كثير من الناس يجالسون العصاة ويآكلونهم ويمازحونهم ويجيبون دعوتهم وكأن شيء لم يكن ، فأين الولاء في الله والعداء فيه عند هؤلاء .البيوت فيها من لا يشهد الصلاة وترك الصلاة كفر وفيها من المستهزئين بالدين والاستهزاء كفر ولا ينكر عليهم .........ولايعادون بل ويتركون ولا ينهون
(لاتحد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوآدون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناء أو إخوانهم أو عشيرتهم) . فالحذر من السكوت على المعاصي الظاهرة وعدم إنكارها ولكن بالتي هي أحسن . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إل الله وحده لا شريك له آله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين صلى عليه وعلى آله وصحابته أجمعين وعنا معهم إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً تجمع الناس اليوم الأعمال في مكان واحد فترى فيهم من ظاهره الصلاح وفيهم من حاله حال السوء ، فلا تجد بينهم هذا الشعار الحب في الله والبغض في الله .
فيا إخوتي ليكن هذا منا على بال ولنقف تجاهه مع نصوص الكتاب والسنة ليسلم لنا الدين وتصلح أحوالنا .
فان بني إسرائيل كان الرجل منهم يرى أخاه على معصيته ثم ينهاه عنها اليوم فلا يمنعه غدا أن يكون أكيله وجليسه فلما رأى الله ذلك منهم .ضرب قلوب بعضهم على بعض ولعنهم
كما قال تعالى : (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبأس ما كانوا يفعلون) .
وبين الرسول صلى الله عليه وسلم: أننا إن فعلنا مثلهم حل بنا ما حل بهم
وقد قال صلى الله عليه وسلم : المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل
ويقول تعالى :( ومن يتولهم منكم فانه منهم) .
ويقول : (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم :لا تجالس إلا مؤمنا ولا يأكل طعامكم إلا تقي .
ويقول عبد الله بن مسعود : هلك من لم يعرف قلبه المعروف وينكر المنكر.
وقال تعالى في الحديث القدسى : وجبت محبتي للمتحابين فيّ والمتجالسين فيّ والمتزاورين فيّ والمتباذلين فيّ .
المتحابون بجلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء
ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه.
فيا إخوتي:أحبو الله و أحبو رسوله و أحبو ما يحبه الله وما يحبه رسوله وحققوا عرى الإسلام فالإيمان له طعم أحلى من الشهد يذوقه الموفق ولا يذوقه المحروم .
والله جل وعلا يقول
(يا أيها الذين ءامنوا لاتتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون , قل إن كان آباءكم وأبناءكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموه أو تجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين) .
اللهم أصلح أحوالنا وأصلح قلوبنا وأعمالنا ... إلى آخر الدعاء |