من أسماء الله: السلام
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام الأولين والآخرين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:-
اتقوا الله تعالى، واعلموا أن أسماء الله الحسنى يجب اعتقادها والإيمان بها والتعبد لله بها، والعمل بمدلولها ومقتضاها ودعاء الله بها وحفظها. ومن أسمائه جل جلاله الحسنى : السلام. وهو اسم ورد في القرآن مرة واحدة في قول الله -تبارك وتعالى: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ ﴾ [الحشر:23]، وفي السنة الصحيحة ( لا تقولوا السلام على الله فإن هو السلام )، ومعنى هذا الاسم الكريم السلام أي: السَّالم من جميع العيوب والنقائص؛ لكماله في ذاته وصفاته وأفعاله، فهو -جلَّ وعلا- السلام الحق بكل اعتبار:
سلام في ذاته عن كل عيب ونقص يتخيَّله ظن. وسلام في أفعاله من كل عيبٍ، ونقصٍ، وشرٍ، وظلمٍ، وفعل واقع على غير وجه الحكمة . وهو اسم يتناول جميع صفات الله -تعالى-، فكل صفة من صفاته -جلَّ وعلا- سلام، سلامٌ من كل عيبٍ ونقصٍ.
وفي تفصيل هذا وتقريره يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "ولذلك إذا نظرت إلى أفراد صفات كماله؛ وجدت كل صفة سلامًا مما يضاد كمالها:
فحياته سلامٌ من الموت ومن السِّنة والنوم , وكلماته سلامٌ من الكذب والظلم، بل تمت كلماته صدقًا وعدلًا، وغناه سلامٌ من الحاجة إلى غيره بوجه ما، بل كل ما سواه يحتاج إليه وهو غنيٌ عن كل ما سواه ﴿ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾، وملكه سلامٌ مِن منازعٍ فيه، أو مشاركٍ، أو معاونٍ مظاهر، أو شافعٍ عنده بدون إذنه، وإلهيته سلامٌ من مشارك له فيها، بل هو الله الذي لا إله إلا هو، وحلمه وعفوه وصفحه ومغفرته وتجاوزه سلامٌ من أن تكون عن حاجة منه، أو ذل، أو مصانعة، كما يكون من غيره، بل هو محض جوده وإحسانه وكرمه ، ثم ختم -رحمه الله تعالى- هذا التقرير الوافي بقوله: فتأمل كيف تضمَّن اسمه السلام كل ما نُزِّه عنه تبارك وتعالى، وكم ممن حفظ هذا الاسم لا يدري ما تضمنه من هذه الأسرار والمعاني".
معاشر المسلمين ومن دلائل هذا الاسم:
أنه تبارك وتعالى ذو السَّلام، أي المسلِّم على عباده، فهو المسلِّم على رسله وأنبيائه -عليهم صلوات الله وسلامه-؛ لإيمانهم وكمال عبوديتهم، وقيامهم بالبلاغ المبين، قال الله تعالى: ﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ﴾ [النمل:59]، وقال تعالى: ﴿ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات:79]، والمسلِّم على عباده وأوليائه في جنات النعيم، قال الله تعالى: ﴿ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ﴾ [الأحزاب:44]، وقال تعالى: ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ ﴾ [إبراهيم:23]، وقال تعالى: ﴿ سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ ﴾ [يس:58]، وجعل تبارك وتعالى جنته دار السلام لعباده من الموت، والأسقام، والأحزان، والآلام، والهموم، وغير ذلك من الآفات، قال الله تعالى: ﴿ لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾ [الأنعام:127]، وقال الله تعالى: ﴿ وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ ﴾ [يونس:25]، وجعل تبارك وتعالى إفشاء هذا الاسم في الدنيا سببًا لدخول دار السلام في الآخرة، قال صلى الله عليه وسلم: " لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أَوَلَا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؛ أفشوا السلام بينكم" ومعناه أنك تسأل الله لأخيك المسلم السلامة من كل شر وبلاء فأفشوا السلام بينكم تفوزوا بجنة ربكم .
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ، ونفعني الله وإياكم بما فيها من الآيات والحكمة، واستغفر الله لي ولكم وللمسلمين من كل ذنب وخطيئة إن ربي واسع المغفرة.
الحمد لله الملك القدوس السلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله خير من أطاع أمر ربه واستقام، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه البررة الكرام. أما بعد:
أيها المسلم إذا تأملت الكون ستجد أن السلام كامن في كل بقعة من بقاعه , فالكون يسير وفقا لنظام محكم وثابت لا يعتريه خلل ولا عطب. الأرض التي نعيش عليها تدور بسرعة كبيرة حول نفسها، وتدور في نفس الوقت حول الشمس بما يترتب على ذلك من تعاقب الليل و النهار وتعاقب فصول السنة، ورغم هاتين الحركتين تجد أن الكون سلام من الأعطاب، وسلام من الاضطرابات. والشمس كذلك تحافظ على بعد ثابت من الأرض لا تتجاوزه بالنقص أو بالزيادة، فلو اقتربت الشمس من الأرض لاحترقت كل الكائنات الحية، ولو بعدت لتجمدت كل الكائنات من البرودة وأعد التفكر في نفسك أخرى تجد أن كل عضو وفق عمل خاص به وهذا كله وغيره شيئا من آثار ربنا السلام .
عباد الله: ومن ثمار إيماننا باسم الله السلام :-
أولاً: الاعتقاد واليقين بأن من أراد الأمن والسلام سواء في نفسه، أو في بيته، أو في مجتمعه فإنه لا يكون إلا في الإيمان بالله - عز وجل - والأنس به، والالتزام بأحكامه وشريعته التي كلها أمن وسلام على الفرد والأسرة والمجتمع، وكلما كان المسلمون أكثر التزامًا بشريعة الله - عز وجل - كانوا أكثر تحصيلاً للسلام والعكس بالعكس. وهذا من موجبات اسمه سبحانه (السلام).
ثانياً: أن الله هو السلام فمنه تلتمس السلامة من كل سوء ومرض وخوف، ولذا لما كان الصحابة يقولون السلام على الله قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تَقُولُوا السَّلامُ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلامُ وَلَكِنْ قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ .... " والحديث مخرج في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه. فأنكر عليهم لأن الله هو السلام فكل سلام ورحمة له هو معطيها ومالكها ومانحها .
ثالثاً: محبته سبحانه وتعظيمه وإجلاله، لأنه سبحانه المتصف بصفات الكمال والجلال، والمنزه عن النقائص والعيوب؛ ومن كان هذا وصفه فإن النفوس مجبولة على حبه وتعظيمه، وهذه المحبة تورث حلاوة في القلب، ونورًا في الصدر، وهذا هو النعيم الدنيوي الحقيقي الذي يصغر بجانبه كل نعيم.
رابعاً: تنزيهه سبحانه في أقواله وأفعاله وأسمائه وصفاته عن كل نقص وعيب، والتعبد له سبحانه بذلك.
خامساً: سعي المؤمن في إشاعة السلام بين المسلمين بإفشاء السلام، وكف الشر، والسب، والقذف، والعدوان عليهم، قال صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، مع السعي لنشر الإسلام الذي هو دين السلام في الأرض بالدعوة والجهاد في سبيل الله تعالى.
فاللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد : أن تغفر ذنوبنا وتستر عيوبنا وترحم ضعفنا وتجبر كسرنا وتشفي مرضانا وترحم موتانا وتعافي مبتلانا وتهدي ضالنا وتردنا إليك ردا جميلاً. اللهم بارك لنا في أعمارنا ، وبارك لنا في أعمالنا ، اللهم وبارك لنا في أزواجنا وذرياتنا، اللهم بارك لنا في أموالنا وفي أوقاتنا، اللهم وبارك لنا في صحتنا وعافيتنا، واجعلنا مبارَكِين أينما كنّا. اللَّهُمَ قَنِّعْنِا بِمَا رَزَقْتَنِا، وَبَارِكْ لنا فِيهِ، وَاخْلُفْ عَلَيَّنا كُلَّ غَائِبَةٍ لِنا بِخَيْرٍ يا خير الرازقين. اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا فى ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، وﻻ مبلغ علمنا، وﻻ تسلط علينا من ﻻ يرحمنا، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وأحوالنا ، اللهم حببّ إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، اللهم اكفنا والمسلمين شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم يا رب العالمين، اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أهل دينك اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك, اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز، اللهم وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ارزقهم بطانة الصلاح وأهل الخير، وأبعد عنهم أهل الزيغ والفساد، اللهم من أرادنا وأراد ديننا وبلادنا ونسائنا بسوء اللهم فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات انك سميع قريب مجيب الدعوات. والحمد لله رب العالمين .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ وليد الشعبان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catsmktba-129.html |