الفتاح
الخطبة الأولى:
الحمد لله فاطر السماوات والأرض، جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحةً مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء، إن الله على كل شيء قدير، ما يفتحِ الله للناس من رحمةٍ فلا مُمسكَ لها، وما يُمسك فلا مُرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:-
عباد الله: اتقوا الله تعالى، أيها الإخوة في الله: روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله تسعة وتسعين اسماً مئة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة».
ومن الأسماء الحسنى التي وردت في كتابه العظيم: الفتاح، وللفتاح معنيان:
الأول: يرجع إلى معنى الحكم الذي يفتح بين عباده، ويحكم بينهم بشرعه: بإثابة الطائعين، وعقوبة العاصين في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ﴾ [سبأ: 26]، وقال تعالى: ﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ﴾ [لأعراف:89] قال ابن كثير: «أي افصل بيننا وبين قومنا، وانصرنا عليهم، ﴿وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ﴾ أي: خير الحاكمين، فإنك العادل الذي لا يجور أبداً».
فالآية الأولى فتحه بين العباد يوم القيامة، وهذا في الدنيا بأن ينصر الحق وأهله، ويذل الباطل وأهله، ويوقع بهم العقوبات, وهذا النصر على الأعداء قد يتأخر لحكمة علمها الله عز وجل فمنها زيادة العقوبة على المعتدين ومنها أنه يحب من عباده المظلومين أن يكثروا من دعائه.
الثاني: من معاني اسم الفتاح فتحه لعباده جميع أبواب الخيرات والبركات، قال تعالى: ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا﴾ [ فاطر: 2]، يخبر تعالى أنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، فلو فتح الله تعالى المطر على الناس، فمن ذا الذي يحبسه عنهم؟ ولو حبس عن عباده القطر والنبـات سنين طويلة، لما استطاعوا أن يفتحوا ما أغلقه الله سبحانه وتعالى.
يفتح لعباده منافع الدنيا والدين، فيفتح لمن اختصهم بلطفه وعنايته أقفال القلوب، ويدُر عليها من المعارف الربانية، والحقائق الإيمانية ما يصلح أحوالها وتستقيم به على الصراط المستقيم، ويفتح لعباده أبواب الرزق وطرق الأسباب، ويهيئ للمتقين من الأرزاق وأسبابها ما لا يحتسبون، ويعطي المتوكلين فوق ما يطلبون ويؤملون، وييسر لهم الأمور العسيرة، ويفتح لهم الأبواب المغلقة.
من ذلك الفتح:
ما يفتح الله عز وجل على نبيه يوم القيامة من أنواع المحامد، روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثُم يفتح الله عليّ ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحهُ لأحد قبلي، ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك، سل تعطه، اشفع تشفع».
ومنها فتحه سبحانه لعباده باب التوبة؛ روى مسلم في صحيحه من حديث أبي موسى رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل يبسُط يده بالليل ليتوب مسيءُ النهار، ويبسُط يده بالنهار ليتوب مُسيءُ الليل، حتى تطلع الشمسُ من مغربها».
ومنها فتحه سبحانه أبواب السماء لنزول البركات وإجابة الدعوات، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ أي: لو أنهم امتثلوا لأمرنا وراعوا قدرنا في السر والعلانية، لكان من جزاء ذلك أن يُفتِحَ لهم من رحمته وأن يُنزل عليهم من فيض رزق.
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان ثلثُ الليل الباقي، يهبطُ الله عز وجل إلى السماء الدنيا، ثُم تفتح أبواب السماء، ثم يبسُط يده فيقول: هل من سائل يعطى سؤله؟ فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر».
ومنها ما يفتح الله على العبد المؤمن قبل موته بعمل صالح، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي عنبة الخولاني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله بعبده خيراً عَسَلَهُ» قيل: وما عسله؟ قال: «يفتح الله له عملاً صالحاً قبل موته، ثم يقبضه عليه» وصححه الألباني. شبه عمله الصالح بالعسل الذي يحلو إذا زيد بالطعام.
ومن فوائد الإيمان بهذا الاسم العظيم:
أولاً: أن الفتح والنصر لا يكون إلا من الله؛ فهو الذي يفتح على عباده، فينصر من يشاء ويخذل من يشاء، وقد نسب الله الفتح لنفسه؛ لينبِّه عباده على طلب النصر والفتح منه لا من غيره، وأن يعملوا بطاعته؛ ليفتح لهم وينصرهم على أعدائهم، قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ [الفتح: 1]، وقال تعالى: ﴿فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ﴾ [المائدة: 52]، وقال تعالى: ﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾ [الصف: 13]. روى البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: «لأعطين هذه الراية رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله».
ثانياً: ما يفتح الله سبحانه على عباده بأنواع الخيرات استدراجاً لهم إذا تركوا ما أمروا، ووقعوا فيما نهوا عنه، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ [الأنعام: 44].
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنما هو استدراج»، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ [الأنعام: 44].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الفتاح العليم , أحمده جلّ وعلا وهو خير الفاتحين , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين . أما بعد عباد الله:
ومن آثار الإيمان باسم الله الفتاح:
ثالثاً: ما يفتحه الله على من يشاء من عباده من الحكمة والعلم والفقه في الدين، بحسب التقوى والإخلاص والصدق، قال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 282]، وقال تعالى: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [ الزمر: 22].
رابعاً: ما ينبغي للمؤمن أن يسأل ربه أن يفتح عليه أبواب رحمته، روى ابن ماجه في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وليقل: اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم» وهو حديث صحيح.
خامساً: أن الله بيده مفاتيح خزائن السماوات والأرض، قال سبحانه: ﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الشورى: 12]، فما يفتحه من الخير للناس لا يملك أحد أن يغلقه عنه، وما يغلقه فلا يملك أحد أن يفتحه عليهم، كما قال تعالى: ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [فاطر:2].
فلو فتح الله المطر على الناس، فمن ذا الذي يحبسه عنهم؟ حتى لو أدى المطر إلى إغراقهم مثل ما حدث لقوم نوح، فقد وصلت المياه إلى رؤوس الجبال، ولو حبس عنهم المطر سنين عديدة، ما استطاعوا أن يفتحوا ما أغلقه الله، قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ [الملك: 30]، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ﴾ [يونس: 107].
والخلاصة: أن الفتاح اسم عظيم من أسماء الله تعالى، ومعناه: الحَكَم الذي يفتح بين عباده ويحكم بينهم بشرعه، ويفتح لعباده أبواب الخيرات والبركات، وينبغي للمؤمن أن يسأل ربه بهذا الاسم العظيم، فيقول: يا فتاح افتح عليّ بالعلم، يا فتاح افتح لي أبواب رحمتك، يا فتاح افتح لي أبواب رزقك.
أسأل الله جلّ وعلا بأسمائه كلِّها وصفاته جميعها ، وبأنّه الله الفتّاح العليم ، وبأنّه تبارك وتعالى خير الفاتحين ، أن يفتح علينا أجمعين من واسع فضله وعظيم منِّه وجزيل عطائه ، وأن يصلح لنا أجمعين ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأن يصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأن يصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، وأن يجعل الحياة زيادةً لنا في كلّ خير ، والموت راحة لنا من كل شرٍّ ، وأن يغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، وأسأله جلّ وعلا أن يجعلنا جميعاً من مفاتيح الخير مغاليق الشر يا أرحم الراحمين.
اللَّهُمَّ مُنزِلَ الكِتَابِ، وَمُجرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحزَابِ، اللَّهُمَّ اهزِمِ النُّصَيرِيَّةَ وَدَمِّرْهُم، اللهم عليك بهم وبمَنْ عاونهم من الرافضة والشيوعيّة، اللَّهُمَّ شَتِّتْ شَملَهُم، وَفَرِّقْ جَمعَهُم، وزلزلهم وَزَلزِلِ الأَرضَ مِن تَحتِ أَقدَامِهِم، اللهم اشدد وطأتك عليهم وارفع عافيتك عنهم وأنزل نقمتك بهم، اللَّهُمَّ لا تَرفَعْ لهم رَايَةً، وَلا تُبَلِّغْهُم غَايَةً، وَاجعَلْهُم لمن خَلفَهُم عِبرَةً وَآيَةً. اللَّهُمَّ أَنت عَضُدُنَا وَأَنتَ نَصِيرُنَا، بِكَ نَحُولُ، وَبِكَ نَصُولُ، وَبِكَ نُقَاتِلُ، وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَجعَلُكَ في نُحُورِهِم، وَنَعُوذُ بِكَ مِن شُرُورِهِم، اللَّهُمَّ اجعَلْهَا عَلَيهِم سِنِينَ كَسِني يُوسُفَ.
اللَّهُمَّ وَانصُرْ إِخوَانَنَا مِن أَهلِ السُّنَّةِ في الشَّامِ، اللَّهُمَّ استُرْ عَورَاتِهِم، وَآمِنْ رَوعَاتِهِم، اللَّهُمَّ احفَظْهُم مِن بَينِ أَيدِيهِم وَمِن خَلفِهِم، وَعَن أَيمَانِهِم وَعَن شَمَائِلِهِم، وَمِن فَوقِهِم، وَنَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ مِن أَن يُغتَالُوا مِن تَحتِهِم، اللَّهُمَّ كُنْ لهم مُؤَيِّدًا وَنَصِيرًا، وَمُعِينًا وَظَهِيرًا. اللَّهُمَّ وَانصُرْ إِخوَانَنَا مِن أَهلِ السُّنَّةِ في كُلِّ مَكَانٍ اللهم نجهم، وعجِّل بنصرِهم وتولّ أمرهم واشف مرضاهم وارحم موتاهم ونفّس كربهم، اللهم أحقن دماءهم وأطعم جائعهم واكسِ عاريَهم واحمل فقيرهم وثبت أقدامهم وانصرهم على عدوك وعدوهم ، اللهم قيّظ لهم ولاية إسلامية عادلة رحيمة تقيم الشرع فيهم يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكرَامِ يَا رَبَّ العَالمِينَ، اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوطَانِنَا، وَوَلِّ عَلَينَا خِيَارَنَا، وَاكفِنَا شَرَّ شِرَارِنَا، وَلا تُسَلِّطْ عَلَينَا بِذُنُوبِنَا مَن لا يَخَافُكَ فِينَا وَلا يَرحَمُنَا، واغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
|