الحليم
الحمد لله ذي الصفات الكاملة العليا، والأسماء الفاضلة الحسنى، خلق الأرض والسماوات العلي، الرحمن على العرش استوى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربوبيته وتدبيره ولا نظير له في صفاته ولا راد لتقديره، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي خضع لربه واستعان به في صغير أمره وجليله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين عرفوا الحق بدليله وسلم تسليما.
أما بعد أيها الأخوة في الله: اتقوا ربكم حق التقوى وتعلّموا من أسمائه الحسنى ما يوجب لكم القيام بأمره وترك نهيه.
عباد الله من أسماء الله الحسنى ( الحليم ) وقد تكرر هذا الاسم في غير ما آية من الكتاب العزيز منها قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِن أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾، وقال تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ وقال: ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا ﴾.
ومعنى الحليم هو الذي لا يعجل عل عباده بعقوبتهم على ذنوبهم ومعاصيهم, يرى عباده وهم يكفرون به ويعصونه وهو يحلم عليهم فيؤخرهم وينظر ويؤجل ولا يعجل ويوالي النعم عليهم مع معاصيهم وكثرة ذنوبهم وزلاتهم, وحلمه سبحانه عمن كفر به وعصاه عن علم وقوة وقدرة لا عن عجز قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ ﴾.
وقد أخبر سبحانه عن حلمه بأهل المعاصي والذنوب وأنواع الظلم بأنه لو كان يؤاخذهم بذنوبهم أولاً بأول لما أبقى على ظهر الأرض من دابة قال تعالى: ﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ...﴾، فمع ما يكون منهم من شرك به سبحانه ووقوع في مساخطه ومعاداة لأوليائه يحلم عليهم ويعافيهم ويسوق إليهم أنواع الطيبات روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن نبينا صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه عز وجل: ( يشتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني ويكذّبني وما ينبغي له أما شتمه فقوله: إن لي ولداً وأما تكذيبه فقوله : ليس يعيدني كما بدأني )
وفي الصحيحين عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ليس أحد أو ليس شيء أصبر على أذى سمعه من الله إنهم ليدعون له ولداً وإنه ليعافيهم ويرزقهم )
قال ابن القيم رحمه الله: " وهو مع هذا الشتم له والتكذيب يرزق الشاتم المكذب ويعافيه ويقبل توبته ويبدله بسيئاته حسنات ويلط به في جميع أحواله وهو الحليم الغفور".
ومن ذلكم حلمه بفرعون مع شدة طغيانه وعلوه في الأرض وإفساده للخلق بل وادعاؤه أنه الرب ومع ذلك كله قال عز وجل: ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾.
وحلمه سبحانه بأصحاب الأخدود وهم قوم كفار حيث كان من أمرهم ما قصه الله علينا في أول سورة البروج وأنهم حفروا أخدوداً فمن آمن بالله قذفوه في النار ومن استجاب لهم أطلقوه ومع هذا كله دعاهم للتوبة ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا.... ﴾، قال الحسن البصري: "انظروا إلى هذا الكرم والجود قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة".
ومن حلمه جل شأنه إمساكه للسماء أن تقع على الأرض قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾.
قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله: "يخبر تعالى عن كمال قدرته، وتمام رحمته، وسعة حلمه ومغفرته، وأنه تعالى يمسك السماوات والأرض عن الزوال، فإنهما لو زالتا ما أمسكهما أحد من الخلق، ولعجزت قدرهم وقواهم عنهما ولكنه تعالى قضى أن يكونا كما وجدا ليحصل للخلق القرار والنفع والاعتبار وليعلموا من عظيم سلطانه وقوة قدرته ما به تمتلئ قلوبهم له إجلالا وتعظيما ومحبة وتكريما وليعلموا كمال حلمه ومغفرته بإمهال المذنبين وعدم معاجلته للعاصين مع أنه لو أمر السماء لحصبتهم، ولو أذن للأرض لابتلعتهم ولكن وسعتهم مغفرته وحلمه وكرمه ﴿ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ ".
عباد الله: وقد اقترن اسم الحليم مع عدة أسماء أخرى فاقترن الحليم بالعليم في قوله تعالى: ﴿ لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ ﴾، وفي هذا دلالة على أن حلمه عن إحاطة بالعباد وأعمالهم, واقترن بالغني في قوله تعالى: ﴿ قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ﴾ فلا تنفعه طاعة من أطاع ولا تضره معصية من عصى, واقترن بالشكور فقال: ﴿ إِنْ تُقْرِضُوا اللَّه قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفهُ اللَّه لَكُمْ وَيَغْفِر لَكُمْ وَاَللَّه شَكُور حَلِيم ﴾، فيشكر القليل من العمل ويثيب عليه الثواب العظيم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله الحليمِ الغفور، الغني الشكور، أحْمَدُ ربِّي وأشكرُه، وأتوبُ إليه وأستغفرُه، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له، العليم بذات الصُّدور، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمَّدًا عبده ورسوله الدَّاعي إلى كلِّ عملٍ مبرور، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد عباد الله:
وللإيمان بهذا الاسم آثار وفوائد على قلب العبد:
فمنها أن تأخير العذاب على العاصين إنما هو رحمة منه بهم سبحانه ولكن الناس يغترون بالإمهال فلا تستشعر قلوبهم رحمة الله وحكمته حتى يأخذهم بعدله وقوته إذا دنا أجلهم, وتأخير العذاب عن الكفار –خاصة– إنما هو في الدنيا فقط فينعم الله عليهم ويبسط لهم رزقه وخيراته وبركاته وأمطاره وهذا استدراج لهم ليس محبة لهم قال تعالى: ﴿ لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ وأما في الآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون.
ومنها أن الحلم من الصفات العظيمة التي يريد الله من عباده أن يتخلقوا بها وهي خصلة يحبها الله ورسوله كما قال صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: ( إن فيك لخصلتين يحبهما الله الحلم والأناة ) رواه مسلم، قال القرطبي رحمه الله: "فمن الواجب على من عرف أن ربه حليم على من عصاه أن يحلم هو على من خالف أمره فذاك به أولى حتى يكون حليماً بل يتعود الصفح حتى يعود الحلم له سجية وكما تحب أن يحلم عنك مالكك فاحلم أنت عمن تملك لأنك متعبد بالحلم مثاب عليه قال تعالى: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾".
اللَّهُمَّ مُنزِلَ الكِتَابِ، وَمُجرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحزَابِ، اللَّهُمَّ اهزِمِ النُّصَيرِيَّةَ وَدَمِّرْهُم، اللهم عليك بهم وبمَنْ عاونهم من الرافضة والشيوعيّة، اللَّهُمَّ شَتِّتْ شَملَهُم، وَفَرِّقْ جَمعَهُم، وزلزلهم وَزَلزِلِ الأَرضَ مِن تَحتِ أَقدَامِهِم، اللهم اشدد وطأتك عليهم وارفع عافيتك عنهم وأنزل نقمتك بهم، اللَّهُمَّ لا تَرفَعْ لهم رَايَةً، وَلا تُبَلِّغْهُم غَايَةً، وَاجعَلْهُم لمن خَلفَهُم عِبرَةً وَآيَةً. اللَّهُمَّ أَنت عَضُدُنَا وَأَنتَ نَصِيرُنَا، بِكَ نَحُولُ، وَبِكَ نَصُولُ، وَبِكَ نُقَاتِلُ، وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَجعَلُكَ في نُحُورِهِم، وَنَعُوذُ بِكَ مِن شُرُورِهِم، اللَّهُمَّ اجعَلْهَا عَلَيهِم سِنِينَ كَسِني يُوسُفَ.
اللَّهُمَّ وَانصُرْ إِخوَانَنَا مِن أَهلِ السُّنَّةِ في الشَّامِ، اللَّهُمَّ استُرْ عَورَاتِهِم، وَآمِنْ رَوعَاتِهِم، اللَّهُمَّ احفَظْهُم مِن بَينِ أَيدِيهِم وَمِن خَلفِهِم، وَعَن أَيمَانِهِم وَعَن شَمَائِلِهِم، وَمِن فَوقِهِم، وَنَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ مِن أَن يُغتَالُوا مِن تَحتِهِم، اللَّهُمَّ كُنْ لهم مُؤَيِّدًا وَنَصِيرًا، وَمُعِينًا وَظَهِيرًا. اللَّهُمَّ وَانصُرْ إِخوَانَنَا مِن أَهلِ السُّنَّةِ في كُلِّ مَكَانٍ اللهم نجهم، وعجِّل بنصرِهم وتولّ أمرهم واشف مرضاهم وارحم موتاهم ونفّس كربهم، اللهم أحقن دماءهم وأطعم جائعهم واكسِ عاريَهم واحمل فقيرهم وثبت أقدامهم وانصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم ارزقهم ولاية إسلامية عادلة رحيمة تقيم الشرع فيهم يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكرَامِ يَا رَبَّ العَالمِينَ، اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوطَانِنَا، وَوَلِّ عَلَينَا خِيَارَنَا، وَاكفِنَا شَرَّ شِرَارِنَا، وَلا تُسَلِّطْ عَلَينَا بِذُنُوبِنَا مَن لا يَخَافُكَ فِينَا وَلا يَرحَمُنَا، واغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
|