مُنَقِّصاتُ
الأَجْرَ
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ
باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ
فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عِبادَ الله: اتَّقُوا اللهَ تَعالى،
وحافِظُوا عَلَى دِينِكُمْ، فإِنَّه أَعَزُّ ما تَمْلِكُون، واعْلَمُوا أَنَّكُم
مُلاقُوا رَبِّكُمْ لا مَحالَة، وَواقِفُون بَيْنَ يَدَيْه وَمُحاسَبُون،
فَأَيْقِنُوا بِذلك حَقَّ اليقيِن، وإياكُم والغَفْلَةَ عن ذلك، وَتَذَكَّرُوا
أَنَّكُمْ لَنْ تَرَوا إلَّا ما قَدَّمْتُم مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، فابْذُلُوا
جُهْدَكُمْ في تَقْدِيمِ ما يَسُرُّكُم وتَنْجُونَ بَهَ بَعْدَ رَحْمَةِ اللهِ.
واحْذَرُوا يا
عِبادَ اللهِ مِنْ مُنَقِّصاتِ الأُجُورِ، فإنَّهُ لَيْسَ كُلُّ عَمَلٍ
صالِحٍ يَحْصُلُ بِهِ تَمامُ الأَجْرِ، بَلْ قَدْ يَعْمَلُ العَمَلَ ولا يَجِدُ
ثَوابَه، إِمَّا بِسَبَبِ فَسادِ النِّيَّةِ، أَو
عَدَمِ متابَعَةِ النبيِّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِيه، أَو بِسَبَبِ
مُخالَفاتٍ يَقَعُ فِيها أثناءَ العِبادَةِ.
أَمَّا
النِّيَّةُ: فَقَدْ قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عَليه وسلم: ( إن اللهَ لا يَقْبَلُ من العملِ إلا ما كان لَه خالِصًا
وابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُه ).
وأَمَّا الْمُتابَعَةُ:
فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَجُلا دَخَلَ المَسْجِدَ عَلى عَهْدِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ
عَلَيهِ وسلَّمَ فَصَلَّى، وَلَكِنَّه كانَ لا يَطْمَئِنُّ في صلاتِهِ، ولا
يُراعِي أَرْكانَها، فقال لَه رسولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ).
وأَمَّا
نُقْصانُ الأَجْرِ: فَقَدْ يَكُونُ بِسَبَبِ التقْصِيرِ في أَداءِ
العِبادَةِ، أَوْ الوُقُوعِ في بَعْضِ الْمُخالَفاتِ، كالالْتِفاتِ في الصلاةِ،
أَوْ النَّظَرِ إلى الأَعْلَى في الصلاةِ، وكذلكَ كَثْرَةِ الحَرَكَةِ فِيها.
ومِنْ ذلكَ ارْتِكابُ الْمُحَرَّماتِ أَثْناءَ الصيامِ، كالغِيبَةِ والكَذِبِ
والغِناءِ. بَلْ إِنَّ بَعْضَ الْمُخالَفاتِ قَدْ
تَذْهَبُ بِأَجْرِ بَعْضِ العِبادَاتِ بِالكُلِّيَّةِ، كَمَنْ يَتَكَلَّمُ يَوْمَ
الجُمُعَةِ والإِمامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَ ابنِ ماجَه،
أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ أُبَيَّ ابنَ كَعْبٍ رضِيَ اللهُ عنه والإمامُ يَخْطُبُ،
فَأَشارَ إلَيْهِ أَنْ اسْكُتْ، فَلَمَّا انْصَرفُوا، قالَ لَهُ أُبَيُّ ابنُ
كَعْبٍ رضي الله عنه: " لَيْسَ لَكَ مِنْ
صَلاتِكَ اليَوْمَ إلا ما لَغَوتَ " فَذَهَبَ الرجُلُ إلى رسولِ اللهِ
صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَه، فقال: ( صَدَقَ
أُبَيٌّ ). وهذا يَدُلُّ عَلى تَحْريمِ الكَلامِ حالَ الخُطْبَةِ إلا
لِحاجَةٍ لابُدَّ مِنْها، وَهُوَ خاصٌّ أثْناءَ الخُطْبَةِ، أَمَّا قَبْلَها، أَوْ
بَيْنَ الخُطْبَتَيْنِ، أَوْ أثناءَ الدُعاءِ، أَوْ بَعْدَ نُزُولِ الخَطيبِ،
فإنَّه جائِزٌ.
ثُمَّ اعْلَمُوا
يا عِبادَ اللهِ: أَنَّ مِن مُنَقِّصاتِ الأُجُورِ: اقْتِناءَ الكِلابِ لِغَيْرِ الْماشِيَةِ والصَّيدِ
والزَّرْعِ، قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: ( مَن اتَّخَذَ كَلْبًا، إلا كَلْبَ ماشِيَةٍ، أو صَيْدٍ، أو
زَرْعٍ، انْتَقَصَ مِنْ أجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيراطٌ ).
وإنَّ مِمَّا يُؤْسَفُ لَه، أَنَّه بَدَأَ يَنْتَشِرُ عِنْدَ بَعْضِ
المسلمين، اقْتِناءُ الكِلابِ في البُيُوتِ، والاعْتِناءُ
بِها، لِغَيْرِ الاسْبابِ المَذْكُورَةِ في الحديثِ، وهذا والعِياذُ بِاللهِ
ذَنْبٌ كَبيرٌ، لِما سَمِعْتُمْ في الحديثِ، مِنْ انْتِقاصِ الأَجْرِ، وكذلكَ
التَشَبُّهِ بِالكُفارِ وتَقْلِيدِهِم، وَلِأَنَّ المَلائَكَةَ لا تَدْخُلُ البيتَ
الذي فيه كَلْبٌ، مَعَ ما فيها مِن النجاسَةِ، خُصُوصًا وأَنَّ نَجاسَةَ لُعابِ
الكَلْبِ مُغَلَّظَةٌ، فإذا شَرِبَ مِن الإناءِ، فإنَّه لا يَطْهُرُ إلا
بِغَسْلِهِ سَبَعَ غَسلاتٍ إحْداها بالتُرابِ. فَمَنْ ابْتُلِيَ بِاقْتِنائِها
لِغَيْرِ الأسبابِ المَذْكُورَةِ في الحديثِ، فَلْيُبادِر بِالتَخَلُّصِ مِنْها،
طاعَةً للهِ، وصِيانَةً لِعَمَلِهِ مِن النَّقْصِ، وحِمايَةً لِنَفْسِهِ وبَيْتِهِ
وأوانِيهِ مِن النَّجاسَةِ، وعَدَمِ دُخُولِ المَلائِكَةِ الحَفَظَةِ إلى
بَيْتِهِ.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم
فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ
وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم
وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ
وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ تَعْظِيماً لِشَأَنِهِ،
وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ
تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ
أَيُّها
المُسْلِمُونَ: اتقٌوا اللهَ تَعالى، واعْلَمُوا
إَنَّ مِنْ أشَدِّ الذُّنُوبِ عَلى الحَسناتِ، حُقُوقَ العِبادِ، فإنَّها لا
تُتْرَكُ يَوْمَ القِيامَةِ، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ كان لِأخِيهِ مَظْلَمَةٌ مِنْ عِرْضٍ أو مالٍ،
فَلْيَتَحَلَّلْهُ اليومَ، قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْه يَوْمَ لا دِينارَ ولا
دِرْهَم، فَإِنْ كان لَهُ عَمَلٌ، أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِه، وإِنْ لَمْ
يَكُن لَهُ عَمَلٌ، أُخِذَ مِن سَيِّئَاتِ صاحِبِه فَجُعِلَت عَلَيْه ). فَيا لَها مِنْ مَوْعِظَةٍ بَلِيغَةٍ لِمَنْ تَدَبَّرَ هذا
الحديثَ، فَإِنَّ الْمَرْءَ يَفِرُّ يَوْمَ القيامَةِ مِنْ أَخِيهِ،
وأُمَّهِ وأبيهِ، وصاحِبَتِهِ وبَنِيهِ، وهُمْ أَعَزُّ الناسِ إلَيْهِ، حَتَى لَو
طَلَبُوا مِنْه حَسَنَةً، فإنَّه يَسْتَحِيلُ أَنْ يُعْطِيَهُم. ومَعَ ذلك قَدْ
يَأْتِيه يَوْمَ القِيامَةِ شَخْصٌ هُو مِن أَيْغَضِ الناسِ إليهِ، فَيَأْخُذُ مِن
حَسناتِه، بِسَبَبِ الغِيبَةِ أَوْ النَّمِيمَةِ أَو القَذْفِ أوْ أيِّ مَظْلَمَةٍ
مِن الْمَظالِمِ.
ثُمَّ اعْلَمُوا يا
عِبادَ اللهِ: أَنَّ هذه الذُنُوبَ الْمُؤَثِّرَةَ في العَمَلَ، لا
تُحْبِطُ عَمَلَ العَبْدِ بِالكُلِّيَّةِ، وإنَّما
الذي يُحْبِطُ العَمَلَ بِالكُلِّيةِ، ولا تَنْفَعُ مَعَه حَسَنَةٌ أَبًدًا، هُو
الكُفْرُ والشِّرْكُ، قال تعالى: ( وَلَو
أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم ما كانُوا يَعْمَلُون ). وقال تعالى: ( وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ
).
اللهمَّ أصْلِحْ لَنا
دِينَنا، واحْفَظْهُ لَنا، وُثَبِّتْنا عَلَيْهِ، ولا تَرُدَّنا عَلى أعْقابِنا بعد
إِذْ هديتنا، اللَّهمَّ اغفِرْ لنا ما قَدَّمنا وما أَخَّرْنا ، وما أَسْرَرْنا
ومَا أعْلَنْا وما أَسْرفْنا وما أَنتَ أَعْلمُ بِهِ مِنِّا ، أنْتَ المُقَدِّمُ ،
وَأنْتَ الْمُؤَخِّرُ لا إله إلاَّ أنْتَ، اللَّهُمَّ زِدْنَا وَلَا
تَنْقُصْنَا، وَأَكْرِمْنَا وَلَا تُهِنَّا، وَأَعْطِنَا وَلَا تَحْرِمْنَا،
وَآثِرْنَا وَلَا تُؤْثِرْ عَلَيْنَا، وَأرْضِنَا وَارْضَ عَنَّا
اللهم خلصنا من حقوق خلقك، وبارك لنا في الحلال من رزقك، وتوفنا
مسلمين وألحقنا بالصالحين، اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وأحوالنا، اللهم أصلح أحوال
المسلمين، اللهم أنزل على الْمسلمين رحمة عامة وهداية عامة، اللهم ارفع البلاء عن
الْمستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان
المعتدين، اللهم احفظ بلادنا مما يكيد لها، اللهم أخرجها من الفتن والشرور والآفات، واجعلها أقوى مما كنت، وأمكن مما كانت، وأغنى مما كانت، وأصلح مما
كانت، اللهم أصلح حكامها وأهلها واجمع كلمتهم وألف بين قلوبهم واجعلهم يدا واحدة
على من عداهم يا قوي يا عزيز، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات
الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ
الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|