بَعْضُ الدُّرُوسِ بَعْد انْتِهَاءِ
الْفَايْرُوسِ
الْحَمْدُ
للهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، الَّذِي }لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ{، أَحْمَدُهُ حَمْدًا يَلِيقُ بِكَرِيمِ
وَجْهِهِ، وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ
وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى
آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا
عِبَادَ اللهِ : تَقْوَى اللهِ U وَصِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ؛
فَهُوَ الْقَائِلُ فِي كِتَابِهِ: }وَلَقَدْ وَصَّيْنَا
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ{، فَلْنَتَّقِ اللهَ -أَحِبَّتِي فِي اللهِ-
جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ عِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ. أَيُّهَا الْإِخْوَةُ
المُؤْمِنُونَ : نَحْمَدُ
اللهَ U
عَلَى مَا مَنَّ بِهِ عَلَيْنَا مِنْ صِحَّةٍ فِي أَبْدَانِنَا، وَسَلَامَةٍ فِي
أَرْوَاحِنَا، وَعَوْدَةٍ إِلَى مَسَاجِدِنَا، بَعْدَ انْقِطَاعٍ طَوِيلٍ،
بِسَبَبِ فَايْرُوسٍ صَغِيرٍ، يُؤَدِّي إِلَى مَرَضٍ خَطِيرٍ، أَعْيَا
الْأَطِبَّاءَ، وَأَعْجَزَ الْأَقْوِيَاءَ، وَلَمْ يَعْطِفْ عَلَى الضُّعَفَاءِ،
فَعَلَ مَا لَمْ تَفْعَلْهُ الْحُرُوبُ الضَّارِيَةُ، وَلَا الرِّيَاحُ
الْعَاتِيَةُ، لَا يُرَى وَلَكِنَّهُ سَلَبَ الْأَبْدَانَ قُوَاهَا، وَحَرَمَ
الْأَجْفَانَ كَرَاهَا، أُغْلِقَتِ الْمَسَاجِدُ خَوْفًا مِنِ انْتِشَارِهِ، وَنُودِيَ
بِالصَّلَاةِ فِي الرِّحَالِ وَالْبُيُوتِ فَرَقًا مِنْ فَتْكِهِ وَأَضْرَارِهِ،
مَاتَ بِسَبَبِهِ مِئَاتُ الْآلَافِ، وَأُقِيمَتْ مِنْ أَجْلِهِ الْمَحَاجِرُ،
حَتَّى رَمَضَانَ بِسَبَبِهِ فَقَدْنَا فِيهِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، كَانَ
أَكْثَرُنَا يَنْتَظِرُهُ بِفَارِغِ الصَّبْرِ مِنْ أَجْلِهَا، كَالتَّرَاوِيحِ
وَالْقِيَامِ، وَتَفْطِيرِ الصَّائِمِينَ، وَصَلَاةِ الْعِيدِ فِي مُصَلَّيَاتِهِ،
وَغَيْرِ ذَلِكَ بِسَبَبِ هَذَا الْفَيْرُوسِ الصَّغِيرِ الْخَطِيرِ، وَالَّذِي
فِيهِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى عَظَمَةِ اللهِ U
وَقُدْرَتِهِ، }قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ
يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ
يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ
نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ {. }أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا
السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ
الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ
فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ. أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ
لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ {. أَيُّهَا
الْإِخْوَةُ: الْإِيمَانُ
بِالْقَدَرِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْإِيمَانِ، لَا يَكْمُلُ إِيمَانُ
الْإِنْسَانِ إِلَّا بِهِ، وَلَا تَصِحُّ عَقِيدَتُهُ إِلَّا بِوُجُودِهِ، فَمَا
حَصَلَ مَا حَصَلَ إِلَّا بِقَدَرِ اللهِ U
وَمَشِيئَتِهِ، وَهَذِهِ حَقِيقَةٌ لَا بُدَّ مِنِ اعْتِقَادِهَا وَالْإِيمَانِ
بِهَا، وَلَكِنَّ الشَّرَّ لَا يُنْسَبُ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ، يَقُولُ النَّبِيُّ
e
فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: ((وَالشَّرُّ لَيْسَ
إِلَيْكَ))، فَلَا يُنْسَبُ الشَّرُّ إِلَى اللهِ لَا فِعْلًا وَلَا
تَقْدِيرًا وَلَا حُكْمًا، بَلِ الشَّرُّ فِي مَفْعُولَاتِ اللهِ لَا فِي
فِعْلِهِ، يَقُولُ الشَّيْخُ ابْنُ عُثَيْمِينَ -رَحِمَهُ اللهُ-: الْقَدَرُ
الَّذِي هُوَ فِعْلُ اللهِ فَلَيْسَ فِيهِ شَرٌّ؛ لِأَنَّ اللهَ لَا يَفْعَلُ
شَيْئًا إِلَّا لِحِكْمَةٍ، حَتَّى وَإِنْ كَانَ شَرًّا بِالنِّسْبَةِ لِلنَّاسِ
فَهُوَ حِكْمَةٌ }ظَهَرَ الْفَسَادُ
فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ{
فَالْفَسَادُ شَرٌّ، لَكِنَّ اللهَ قَدَّرَهُ لِمَصْلَحَةٍ
عَظِيمَةٍ؛} لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ
الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {، فَقَدَرُ اللهِ الَّذِي هُوَ تَقْدِيرُهُ
لَيْسَ فِيهِ شَرٌّ، وَالْمَقْدُورُ الَّذِي هُوَ الْمَخْلُوقُ هَذَا فِيهِ خَيْرٌ
وَشَرٌّ. انْتَهَى. أَيُّهَا الْإِخْوَةُ
الْمُؤْمِنُونَ: مِنَ
الْمَصَالِحِ الْعَظِيمَةِ فِي هَذِهِ الْجَائِحَةِ الْخَطِيرَةِ: إِدْرَاكُنَا
لِنِعَمِ اللهِ U عَلَيْنَا، الَّتِي كُنَّا فِي غَفْلَةٍ
عَنْهَا، وَهِيَ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَلَكِنْ مِنْهَا: الصَّلَاةُ فِي
الْمَسَاجِدِ، وَصِلَةُ الْأَرْحَامِ، وَعِيَادَةُ الْمَرْضَى، وَالْعُمْرَةُ
وَالصَّلَاةُ فِي بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ، وَزِيَارَةُ مَسْجِدِ الرَّسُولِ
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَوُجُودُنَا فِي هَذِهِ الدَّوْلَةِ
الْمُبَارَكَةِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ النِّعَمِ الَّتِي كَانَتْ خَافِيَةً عَلَى
كَثِيرٍ مِنَّا، فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَأَكْثِرُوا مِنْ حَمْدِ اللهِ
وَشُكْرِهِ، أَنْ سَلَّمَكُمْ مِنْ هَذِهِ الْجَائِحَةِ الْخَطِيرَةِ،
وَاَحْرِصُوْا عَلَىْ اَلْاِحْتِرَاْزَاْتِ وَاَلْتَّعْلِيْمَاْتِ ،
فَاَلْوَبَاْءُ لَمْ يَنْتَهِ ، وَمَاْ زَاْلَ يَفْتُكُ بِبَعْضِ اَلْمُجْتَمَعَاْتِ
، وَاَلْدَّوْلَةُ وَفَّقَهَاْ اَللهُ ، تَبْذُلُ جُهُوْدَاً جَبَّاْرَةً
لِمَكَاْفَحَتِهِ وَاَلْتَّصَدِّيْ لَهُ ، وَبَقِيَ اَلْدَّوْرُ اَلْأَكْبَرُ
عَلَيْكُمْ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ، فَاَسْتَشْعِرُوْا اَلْمَسْؤُلِيَةَ
وَتَسَلَّحُوْا بِاَلْوَعِيِّ ، وَأَحْسِنُوا ظَنَّكُمْ بِرَبِّكُمْ، وَأَكْثِرُوا
مِنْ ذِكْرِهِ سُبْحَانَهُ، فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ e:
((يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ حُسْنِ ظَنِّ
عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي؛ فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ
ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ
خَيْرٍ مِنْهُمْ)). أَسْأَلُ
اللهَ U
أَنْ يَهْدِيَ ضَالَّ الْمُسْلِمِينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ، أَقُولُ قَوْلِي
هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ
الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ
عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ
وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى
آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أَيُّهَا الْإِخْوَةُ
المُؤْمِنُونَ : إِنَّ
هَذِهِ الْجَائِحَةَ الْخَطِيرَةَ، مَا هِيَ إِلَّا ابْتِلَاءٌ مِنَ اللهِ U
لِخَلْقِهِ، فَهُوَ الْقَائِلُ: }وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ
وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ{، يَقُولُ ابْنُ سِعْدِيٍّ فِي
تَفْسِيرِهِ: أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَبْتَلِيَ عِبَادَهُ
بِالْمِحَنِ، لِيَتَبَيَّنَ الصَّادِقُ مِنَ الْكَاذِبِ، وَالْجَازِعُ مِنَ
الصَّابِرِ، وَهَذِهِ سُنَّتُهُ تَعَالَى فِي عِبَادِهِ. فَالْجَائِحَةُ
ابْتِلَاءٌ، وَعَلَيْنَا بِصِفَتِنَا مُسْلِمِينَ: أَنْ نُدْرِكَ ذَلِكَ
وَنَسْتَفِيدَ مِنْهُ، وَهَذَا مَا يُمَيِّزُنَا عَنْ غَيْرِنَا، فَفِي الْحَدِيثِ
الصَّحِيحِ يَقُولُ e: ((عَجَبًا
لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، إِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ
صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا
لَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ))، أَمَّا الْمُنَافِقُ
وَالْكَافِرُ فَهُوَ مِثْلُ الْبَعِيرِ الَّذِي يُعْقَلُ ثُمَّ يُطْلَقُ عِقَالُهُ
وَلَا يَدْرِي لِمَاذَا عُقِلَ، وَلَا يَدْرِي لِمَاذَا أُطْلِق عِقَالُهُ؟! أَسْأَلُ اللهَ U أَنْ يَحْفَظَ عَلَيْنَا عَافِيَتَنَا،
وَصِحَّتَنَا، وَأَمْنَنَا، وَأَنْ يَدْفَعَ عَنَّا الْغَلَاء وَالرِّبَا
وَالزِّنَا وَالزَّلَازِلَ وَالمِحَنَ، وَسُوءَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا
وَمَا بَطَنَ، عَنْ بَلَدِنَا هَذَا، وَعَنْ سَائِرِ بِلَادِ المُسْلِمِين،
إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ. اللَّهُمَّ تَوَلَّنَا أَجْمَعِينَ بِحِفْظِكَ،
وَمُنَّ عَلَيْنَا بِعَفْوِكَ وَعَافِيَتِكِ، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً
لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَالمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، وَآتِ
نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ
وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين. }رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا
حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ{. عِبَادَ اللهِ :
}إِنَّ اللَّهَ
يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ{ فَاذْكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ،
وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ،
وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|