الرُّقَاةُ وَبَعْضُ الْمُخَالَفَاتِ
} الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ
الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ {،
} يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ{ ،
} هُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى
وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ{ ،
أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، }لَهُ مُلْكُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ، فَآمِنُوا
بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ ، الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ { وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ ، وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ ، أَرْسَلَهُ } بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ
وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ{ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا } إِلَى
يَوْمِ يُبْعَثُونَ {.
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
تَقْوَى
اللهِ U،
هِيَ خَيْرُ مَا يَتَزَوَّدُ بِهِ الْمُسْلِمُ فِي حَيَاتِهِ لَيَنْجُوَ فِي
مَعَادِهِ: } وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى {
وَلِذَلِكَ كَانَتِ التَّقْوَى، وَصِيَةَ اللهِ U
لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ مِنْ عِبَادِهِ : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { ،
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَاعْلَمُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- بِأَنَّ وُجُودَ
الْجِنِّ وَالسِّحْرِ وَالْعَيْنِ؛ مِمَّا
جَاءَ ذِكْرُهُ فِي كِتَابِ اللهِ U ، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ e
، وَلَا يُنْكِرُهُ إِلَّا كَافِرٌ مُكَذِّبٌ بِهِمَا،
وَالرُّقْيَةُ الشَّرْعِيَّةُ، مِمَّا يُعَالَجُ بِهِ مَنْ أُصِيبَ بِشَئٍ مِمَّا
ذَكَرْنَا، وَمِنْ كَمَالِ الْإِسْلَامِ وَتَمَامِهِ : أَنَّهُ بَيَّنَ أَحْكَامَ
الرُّقْيَةِ وَآدَابَهَا، وَهِيَ مُعَالَجَةُ الْمَرِيضِ بِتِلَاوَةِ آيَاتٍ مِنْ
كِتَابِ اللهِ U ، وَلِذَلِكَ عُرِفَتْ
بِالرُّقْيَةِ الشَّرْعِيَةِ، وَلَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ إِلَّا إِذَا كَانَتْ
مُوَافِقَةً لِمَا جَاءَ بِهِ الشَّرْعُ، وَأَمَرَ بِهِ الدِّينُ، أَيْ : مَا
اقْتَضَاهُ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ، يَقُولُ U:
} وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ
لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا{ ،
وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ : } وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ
آيَاتُهُ ، أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ، قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى
وَشِفَاءٌ ، وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ
عَمًى ، أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ {،
وَيَقُولُ شَيْخُ الْإِسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ اللهُ- لَمَّا سُئِلَ
عَنْ مَشْرُوعِيَّةِ الرُّقْيَةِ: هَـذَا مِـنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ، وَهُوَ
مِنْ أَعْمَالِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ؛ فَإِنَّهُ مَا زَالَ
الْأَنْبِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ يَدْفَعُونَ الشَّيَاطِينَ عَنْ بَنِي آدَمَ بِمَا
أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، كَمَا كَانَ الْمَسِيحُ يَفْعَلُ ذَلِكَ ،
وَكَمَا كَانَ نَبِيُّنَا e يَفْعَلُ ذَلِكَ، فَقَدْ رَوَى
الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ، مِنْ حَدِيثِ مَطَرِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الْأَعْنَقِ قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ أَبَانَ بِنْتُ الْوَازِعِ
بْنِ زَارِعٍ؛ عَنْ أَبِيهَا ، أَنَّ جَدَّهَا الزَّارِعَ انْطَلَقَ إلَى رَسُولِ
اللَّهِ e
، فَانْطَلَقَ مَعَهُ بِابْنٍ لَهُ مَجْنُونٍ -أَوِ ابْنِ أُخْتٍ
لَهُ- قَالَ جَدِّي : فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ e
قُلْتُ : إنَّ مَعِيَ ابْنًا لِي -أَوِ ابْنَ أُخْتٍ لِي- مَجْنُونًا أَتَيْتُكَ
بِهِ تَدْعُو اللَّهَ لَهُ. قَالَ e : (( ائْتِنِي بِهِ ))، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ بِهِ
إِلَيْهِ وَهُوَ فِي الرِّكَابِ، فَأَطْلَقْتُ عَنْهُ، وَأَلْقَيْتُ عَنْهُ
ثِيَابَ السَّفَرِ، وَأَلْبَسْتُهُ ثَوْبَيْنِ حَسَنَيْنِ ، وَأَخَذْتُ بِيَدِهِ
حَتَّى انْتَهَيْتُ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ e
فَقَالَ: (( ادْنُهُ مِنِّي،
اجْعَلْ ظَهْرَهُ مِمَّا يَلِينِي )) ، قَالَ بِمَجَامِعِ ثَوْبِهِ مِنْ
أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ ، فَجَعَلَ يَضْرِبُ ظَهْرَهُ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ
إِبِطَيْهِ وَيَقُولُ: (( اخْرُجْ
عَدُوَّ اللَّهِ ، اخْرُجْ عَدُوَّ اللَّهِ )) ، فَأَقْبَلَ يَنْظُرُ
نَظَرَ الصَّحِيحِ -أَيِ : الْغُلَامُ- لَيْسَ بِنَظَرِهِ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ
أَقْعَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ e بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَدَعَا لَهُ بِمَاءٍ ،
فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَدَعَا لَهُ ، فَلَمْ يَكُنْ فِي الْوَفْدِ أَحَدٌ بَعْدَ
دَعْوَةِ رَسُولِ اللَّهِ e يَفْضُلُ عَلَيْهِ .
فَالرُّقْيَةُ
-أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- مَشْرُوعَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَعَلَهَا
أَصْحَابُ النَّبِيِّ e فِي عَهْدِهِ ، وَأَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ ،
كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ t،
أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ e،
أَتَوْا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ العَرَبِ فَلَمْ يَقْرُوهُمْ -أَيْ: لَمْ
يُضَيِّفُوهُمْ-، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ ، إِذْ لُدِغَ سَيِّدُ أُولَئِكَ ،
فَقَالُوا : هَلْ مَعَكُمْ مِنْ دَوَاءٍ أَوْ رَاقٍ؟ فَقَالُوا: إِنَّكُمْ لَمْ
تَقْرُونَا، وَلا نَفْعَلُ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا ، فَجَعَلُوا لَهُمْ
قَطِيعًا مِنَ الشَّاءِ، فَجَعَلَ يَقْرَأُ بِأُمِّ القُرْآنِ، وَيَجْمَعُ
بُزَاقَهُ وَيَتْفِلُ، فَبَرَأَ ، فَأَتَوْا بِالشَّاءِ ، فَقَالُوا : لا
نَأْخُذُهُ حَتَّى نَسْأَلَ النَّبِيَّ e ،
فَسَأَلُوهُ ، فَضَحِكَ وَقَالَ : ((
وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ، خُذُوهَا وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ )) .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ :
فَرُقْيَةُ
الْمَرْضَى وَمَنْ هُمْ بِحَاجَةٍ لَهَا ، أَمْرٌ لَا يُنْكِرُهُ مُسْلِمٌ عَاقِلٌ
، وَلَكِنَّ الْمُصِيبَةَ تَكْمُنُ بِمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الرُّقَاةِ فِي هَذَا
الزَّمَانِ ، حَيْثُ تَوَسَّعُوا تَوَسُّعًا عَجِيبًا فِي أَمْرِ الرُّقْيَةِ ،
وَارْتَكَبُوا مَا اللهُ بِهِ عَلِيمٌ مِنَ الْمُخَالَفَاتِ ، بَلْ
وَالْمُحَرَّمَاتِ ، وَمَا لَيْسَ لَهُ عَلَاقَةٌ بِالرُّقْيَةِ الْوَارِدَةِ فِي
الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَمِنْ ذَلِكَ -أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- جَعْلُ
الرُّقْيَةِ وَسِيلَةً لِاسْتِنْزَافِ جُيُوبِ النَّاسِ، وَأَكْلِ أَمْوَالِهِمْ
بِالْبَاطِلِ ، وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ جَوَازَ أَخْذِ الْجُعْلِ عَلَى الرُّقْيَةِ
، وَلَكِنَّنَا نُحَذِّرُ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي ذَلِكَ ، وَجَعْلِ الْمَالِ
غَايَةً لِلرَّاقِي مِنْ رُقْيَتِهِ ، وَإِرْهَاقِهِ لِلْمَرْضَى، وَخَاصَّةً
الْفُقَرَاءَ مِنْهُمْ ، وَاللهِ الْعَظِيمِ -أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- أَنَّهُ
وُجِدَ مِنَ الْمَرْضَى مَنْ يَسْتَلِفُ أَوْ يَسْأَلُ مِنْ أَجْلِ الرُّقْيَةِ
عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، عَنْ جَابِرٍ t
قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ e،
فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أَرْقِي مِنَ الْحُمَّةِ ،
وَإِنَّكَ نَهَيْتَ عَنْهَا ، فَقَالَ e:
(( مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَعَ
أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ ))، وَمبَالَغَةُ بَعْضِ الرُّقَاةِ بِأَخْذِ
الْأَمْوَالِ الطَّائِلَةِ عَلَى الرُّقْيَةِ ، فَيْهِ مَضَرَّةٌ وَاضِحَةٌ
لِبَعْضِ الْمَرْضَى، فَيُضِيفُونَ إِلَى أَمْرَاضِهِمْ أَخْذَ أَمْوَالِهِمْ ،
مُسْتَغِلِّينَ حَاجَتَهُمْ لِلشِّفَاءِ ، وَاسْتِغْلَالُ الْمُسْلِمِ
لِلْمُسْلِمِ حَرَامٌ، (( الْمُسْلِمُ
أَخُو الْمُسْلِمِ ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ
أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً ، فَرَّجَ
اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ )) ، كَمَا
صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ e. فَأَخْذُ الْأَمْوَالِ الطَّائِلَةِ ، بِحُجَّةِ
جَوَازِ أَخْذِ الْأَجْرِ عَلَى الرُّقْيَةِ ؛ أَمْرٌ يَجِبُ أَنْ يَنْتَبِهَ
إِلَيْهِ الرُّقَاةُ، الَّذِينَ أَعْمَى حُبُّ الْمَالِ قُلُوبَهُمْ، وَكَذَلِكَ
الْكَذِبُ وَالادِّعَاءَاتُ الْبَاطِلَةُ الَّتِي لَيْسَ عَلَيْهَا دَلِيلٌ مِنَ
الْقُرْآنِ أَوِ السُّنَّةِ ، كَفِعْلِ أَكْثَرِهِمْ إِذَا جَاءَهُ الْمَرِيضُ ،
فَلَا يَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهِ إِلَّا وَقَدْ أَقْنَعَهُ بِأَنَّهُ مَجْنُونٌ أَوْ
مَسْحُورٌ أَوْ مُصَابٌ بِعَيْنٍ ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَرِيضُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ
مِنْ ذَلِكَ ، قَدْ يَكُونُ مَا يُعَانِي مِنْهُ ، إِمَّا لِمَرَضٍ فِي جَسَدِهِ ،
أَوْ لِسُوءِ تَصَرُّفَاتِهِ مَعَ أُمُورِ حَيَاتِهِ ، أَوْ لِتَوَرُّطِهِ بِمَا
أَفْسَدَ عَقْلَهُ ، كَالَّذِينَ يَسْتَعْمِلُونَ الْمُخَدِّرَاتِ وَنَحْوَهَا ،
وَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى حَالَاتِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ .
فَلَيْسَ
كُلُّ مَنِ اخْتَلَّتْ حَيَاتُهُ الطَّبِيعِيَّةُ مَجْنُونًا أَوْ مَسْحُورًا أَوْ
مُصَابًا بِعَيْنٍ ، فَلَا يَجُوزُ وَلَا يَنْبَغِي لِلرَّاقِي أَنْ يُطْلِقَ
ذَلِكَ جُزَافًا بِنَاءً عَلَى تَجَارِبِهِ ، أَوْ تَجَارِبِ غَيْرِهِ الَّتِي
لَيْسَ عَلَيْهَا دَلِيلٌ مِنَ النَّقْلِ وَلَا الْعَقْلِ ، بَلْ بَعْضُهُمْ
يُحَدِّدُ لِلْمَرِيضِ مَنْ قَامَ بِسِحْرِهِ ، أَوْ مَنْ أَصَابَتْهُ عَيْنُهُ،
بِالتَّلْمِيحِ لَهُ بِصِفَاتٍ مُعَيَّنَةٍ ، حَتَّى يَتَّهِمَ بَعْضَ أَقَارِبِهِ
، وَمَنْ يَحْتَكُّ بِهِمْ فِي مَعِيشَتِهِ ، فَيَتَعَامَلَ مَعَهُمْ عَلَى حَسَبِ
مَا قَالَ لَهُ هَذَا الرَّاقِي الدَّجَّالُ، وَالَّذِي أَيَّدَهُ وَضْعُهُ
النَّفْسِيُّ الْهَشُّ، وَجَهْلُهُ الْخَطِيرُ بِشَرْعِ رَبِّهِ. سَأَلَنِي
أَحَدُهُمْ عَنِ الَّذِينَ يَأْتُونَ لِلرُّقْيَةِ ، مَا هِيَ أَحْوَالُهُمْ ؟
فَقُلْتُ لَهُ: فِي الْأَلْفِ يَأْتِي وَاحِدٌ أَشُكُّ أَنَّ فَيْهِ عَيْنًا أَوْ
سِحْرًا أَوْ جَانًّا، قَالَ: صَدَقْتَ ، جَاءَنِي أَحَدُ الْمَرْضَى ، فَقَرَأَتُ
عَلَيْهِ أَلْفِيَّةَ بِنَ مَالِكٍ ، فَصُرِعَ .
فَأَيُّ
لَعِبٍ يَفْعَلُهُ بَعْضُ الرُّقَاةِ فِي عَقُولِ النَّاسِ؟! بَلْ بَعْضُهُمْ
يُجْرِي مُقَابَلَةً مَعَ الْجِنِّ مِنْ خِلَالِ مَرِيضِهِ: مَا اسْمُكَ؟
أَمُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ؟ وَمِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ؟ وَلِمَاذَا دَخَلْتَ؟ وَمَنْ
أَرْسَلَكَ؟ وَمَنْ مَعَكَ؟ وَيُحَدِّدُ لَهُ الْمَكَانَ الَّذِي سَيَخْرُجُ
مِنْهُ، وَيُصَدِّقُ قَوْلَهُ لِجَهْلِهِ . وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ
ذَلِكَ: فِعْلُ النَّبِيِّ e لَمَّا جَاءَهُ الْغُلَامُ الْمَجْنُونُ ،
لَمْ يُحَاوِرْ جِنِّيَّهُ كَمَا يَفْعَلُ هَؤُلَاءِ إِنَّمَا قَالَ: (( اخْرُجْ عَدُوَّ اللَّهِ ، اخْرُجْ
عَدُوَّ اللَّهِ ))، فَلَا يَنْبَغِي لِلرَّاقِي أَنْ يَبْنِيَ أَحْكَامَهُ
، وَيُوَجِّهَ مَرْضَاهُ، بِنَاءً عَلَى مَا يَسْمَعُهُ مِنَ الْمَرِيضِ ، فَقَدْ
يَتَكَلَّمُ الْمَرِيضُ لِهَوَسٍ فِي عَقْلِهِ، أَوْ لِمَرَضٍ فِي نَفْسِهِ ، أَوْ
لِأَمْرٍ يُرِيدُ أَنْ يُوصِلَهُ لِغَيْرِهِ .
وَحَتَّى
لَوْ فَرَضْنَا جَدَلًا -أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- أَنَّ الْجِنِّيَ هُوَ الَّذِي
يَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِ الْمَرِيضِ ، فَلَا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نُصَدِّقَهُ
وَأَنْ نَبْنِيَ أَحْكَامًا عَلَى كَلَامِهِ ، وَلَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ
نَجْعَلَ الْمَرِيضَ يَعِيشُ عَلَى ضَوْءِ أَقْوَالِهِ ؛ لِأَنَّ اللهَ U
يَقُولُ : } إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا{ فَأَيُّ وَسِيلَةٍ ، وَأَيُّ طَرِيقَةٍ ،
يَتَبَيَّنُ بِهَا هَؤُلَاءِ .
فَلْنَتَّقِ
اللهَ -أَحِبَّتِي فِي اللهِ- وَلْنَكُنْ كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : } قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ . لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ
الْمُسْلِمِينَ{ .
بَارَكَ
اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا
فَيْهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا،
وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ
لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ،
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا
لِشَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى
رِضْوَانِهِ ، صَلَّى اللهُ عَلِيهِ ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ، وَسَلَّمَ
تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
وَمِنَ
الْمُخَالَفَاتِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا بَعْضُ الرُّقَاةِ : الْخَلْوَةُ
بِالْمَرْأَةِ بِحُجَّةِ رُقْيَتِهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخَلْوَةَ
بِالْمَرْأَةِ، قَدْ يُفْضِي إِلَى مَا لَا تُحْمَدُ عُقْبَاهُ، وَلِذَلِكَ
حَذَّرَ مِنْهُ النَّبِيُّ e، فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ، يَقُولُ
e:
(( لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ
بِامْرَأَةٍ، إِلَّا كَانَ الشَّيْطَانُ ثَالِثَهُمَا )) .
وَكَذَلِكَ
مِنَ الْمُخَالَفَاتِ الْخَطِيرَةِ: مَسُّ الرَّاقِيِ لِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِ
الْمَرْأَةِ، كَرَقَبَتِهَا أَوْ ظَهْرِهَا أَوْ صَدْرِهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ،
فَهَذَا لَا يَجُوزُ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْفِتْنَةِ ، وَبَعْضُهُمْ يَفْعَلُ
ذَلِكَ بِحُجَّةِ أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ عَنْدَ الضَّرُورَةِ لِلطَّبِيبِ،
وَهُنَاكَ فَرْقٌ بَيْنَ عَمَلِ الرَّاقِي وَعَمَلِ الطَّبِيبِ؛ لِأَنَّ
الطَّبِيبَ قَدْ لَا يُمْكِنُهُ الْعِلَاجُ إِلَّا بِمَسِّ الْمَوْضِعِ الَّذِي
يُرِيدُ أَنْ يُعَالِجَهُ، بِخِلَافِ الرَّاقِي، فَإِنَّ عَمَلَهُ - وَهُوَ
الْقِرَاءَةُ وَالنَّفْثُ - لَا يَتَوَقَّفَ عَلَى اللِّمْسِ .
وَمِنْ
مُخَالَفَاتِهِمْ -أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- كِتَابَةُ شَيْءٍ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ
أَوِ الْأدْعِيَةِ ، وَتَكْلِيفُ الْمَرِيضِ بِإِلْصَاقِهَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ
جَسَدِهِ ، أَوْ وَضْعِهَا فِي عُنُقِهِ، أَوْ تَحْتَ فِرَاشِهِ، فَهَذَا لَا
يَجُوزُ شَرْعًا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَعْلِيقِ التَّمَائِمِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا
يَقُولُ e:
(( مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا
أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ )) .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ :
هَذِهِ
بَعْضُ الْمُخَالَفَاتِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا بَعْضُ رُقَاتِنَا -هَدَاهُمُ
اللهُ- يَنْبَغِي الْحَذَرُ مِنْهَا، وَالتَّنْبِيهُ عَنْهَا، وَخَاصَّةً فِي
هَذَا الزَّمَنِ الَّذِي أَصَابَ فَيْهِ الْوَهَنُ وَالْهَلَعُ كَثِيرًا مِنَ
النَّاسِ، وَلَا سِيَّمَا النِّسَاءُ اللَّاتِي يُشَكِّلْنَ النِّسْبَةَ
الْعُظْمَى مِنَ الَّذِينَ يَتَرَدَّدُونَ عَلَى أَبْوَابِ الرُّقَاةِ،
وَبَعْضُهُنَّ تَفْعَلُ ذَلِكَ بِأَنَّهَا مَحْسُودَةٌ أَوْ مَسْحُورَةٌ أَوْ
مَعْشُوقَةٌ لِلْجِنِّ، لِلتَّبَاهِى بَيْنَ النَّاسِ .
أَسْأَلُ
اللهَ U
أَنْ يُوَفِّقَنَا لِهُدَاهُ ، وَأَنْ يَجْعَلَ عَمَلَنَا فِي رِضَاهُ ، وَأَنْ
يُجَنِّبَنَا الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، إِنَّهُ سَمِيعٌ
مُجِيبٌ . اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ وَأَنْتَ فِي عَلْيَائِكَ : أَنْ تَهْدِيَ
شَبَابَنَا وَنِسَاءَنَا ، وَأَنْ تَجْعَلَهُمْ هُدَاةً مُهْتَدِينَ ، لَا
ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ . اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ
الْمَهْمُومِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَنَفِّسْ كُرَبَ الْمَكْرُوبِينَ مِنْ
عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا ، أَوْ أَرَادَ بِلَادَنَا
، أَوْ أَرَادَ وَحْدَتَنَا بِسُوءٍ ، فَاللَّهُمَّ اشْغَلْهُ بِنَفْسِهِ ،
وَاجْعَلْ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ سَبَبًا لِتَدْمِيرِهِ ،
يَا قَوُيُّ يَا عَزِيزُ.
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي
الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {.
عِبَادَ
اللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي
الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فَاذْكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ
نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|