الأَمْنُ الْفِكْرِيُّ
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ ، نَحْمَدُهُ
وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ
شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا
مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ : }يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ
وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ { ، } يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ، وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ، وَبَثَّ
مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء ، وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ
بِهِ وَالأَرْحَامَ ، إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا{ ،
} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا
سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ،
وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا{ .
أَمَّا بَعْدُ ،
أَيُّهَا الإِخْوَةُ :
مِنَ الْمِنَحِ الرَّبَّانِيَّةِ
الْكَرِيمَةِ ، وَمِنَ النِّعَمِ الْعَظِيمَةِ ، الَّتِي يُنْعِمُ بِهَا اللهُ U عَلَى عِبَادِهِ ؛ نِعْمَةُ الْأَمْنِ ،
أَنْ لَا يَخَافَ النَّاسُ فِي مُجْتَمَعَاتِهِمْ .. يَسْعَوْنَ فِي طَلَبِ
أَرْزَاقِهِمْ ، وَيُؤَدُّونَ عِبَادَاتِهِمْ ، وَهُمْ فِي أَمْنٍ عَلَى
أَعْرَاضِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ . فَالْأَمْنُ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ
لَا تُقَدَّرُ بِثَمَنٍ ، لَوْ وُزِنَتْ لَعَادَلَتِ الدُّنْيَا بِأَكْمَلِهَا ،
يَقُولُ النَّبِيُّ e فِي الْحَدِيثِ الْحَسَنِ : (( مَنْ أَصْبَحَ
مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ
، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا )) ، فَالَّذِي يَعِيشُ فِي بَيْتِهِ ،
بَيْنَ أَهْلِهِ وَأَبْنَائِهِ ، صَحِيحًا سَالِمًا مِنَ الْعِلَلِ وَالْأَسْقَامِ
، عِنْدَهُ مَا يَكْفِيهِ مِنْ قُوتِهِ لِيَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا أُعْطِيَ
الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا ، وَوَاللهِ ثُمَّ وَاللهِ ، لَوْ خُيِّرَ الْعَاقِلُ ،
بَيْنَ الدُّنْيَا بِأَكْمَلِهَا ، بِمَلَذَّاتِهَا وَشَهَوَاتِهَا ، وَبَيْنَ
أَنْ يُعْتَدَى عَلَى عِرْضِهِ ، لَاخْتَارَ سَلَامَةَ عِرْضِهِ ، وَلَوْ خَسِرَ
الدُّنْيَا بَأَجْمَعِهَا ، حَتَّى لَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى حِسَابِ حَيَاتِهِ .
فَالْأَمْنُ نِعْمَةٌ -أَيُّهَا
الْإِخْوَةُ- وَهُوَ مَا جَاءَ الشَّرْعُ بِسَبَبِهِ ، وَمَا أُنْزِلَتِ الْكُتُبُ
، وَأُرْسِلَتِ الرُّسُلُ ، إِلَّا مِنْ أَجْلِهِ ، فَمِنْ مَقَاصِدِ الشَّرَائِعِ
السَّمَاوِيَّةِ ؛ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الضُّرُورِيَّاتِ الْخَمْسِ ، وَهِيَ :
حِفْظُ النَّفْسِ وَالدِّينِ وَالْعَقْلِ وَالْعِرْضِ وَالْمَالِ ، وَهُوَ
الْأَمْنُ ، فَالْآمِنُ لَا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ ، وَلَا عَلَى دِينِهِ ، وَلَا
عَلَى عَقْلِهِ ، وَلَا عَلَى عِرْضِهِ ، وَلَا عَلَى مَالِهِ ، وَلِذَلِكَ لَمَّا
عَاتَبَ اللهُ U قُرَيْشًا ، ذَكَّرَهُمْ بِهَذِهِ
النِّعْمَةِ ، الَّتِي مَيَّزَهُمْ بِهَا عَنْ غَيْرِهِمْ ، كَمَا قَالَ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى : } أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا ، وَيُتَخَطَّفُ
النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ، أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ
يَكْفُرُونَ{ ، وَأَمَرَ U قُرَيْشًا بِأَنْ
يَشْكُرُوهُ وَيَتَفَرَّغُوا لِعِبَادَتِهِ ، كَتَفَرُّغِهِمْ لِتِجَارَتِهِمْ
وَمَكَاسِبِهِمْ ، فَهُوَ الْمُتْفَضِّلُ عَلَيْهِمْ ، فَهُوَ الَّذِي رَزَقَهُمْ
رَغَدَ عَيْشِهِمْ ، وَآمَنَ خَوْفَهُمْ ، كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : } الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ {
.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ
:
إِنَّنَا فِي هَذِهِ الْبِلَادِ
الطَّيِّبَةِ الْمُبَارَكَةِ ، نَحْمَدُ اللهَ U ، عَلَى نِعْمَةِ
الْأَمْنِ بِصِوَرِهِ وَأَشْكَالِهِ ، نُصْبِحُ وَنُمْسِي آمِنُونُ ، لَا نَخَافُ
عَلَى نَفْسٍ وَلَا دِينٍ وَلَا عَقْلٍ وَلَا عِرْضٍ وَلَا مَالٍ ، هَذِهِ
حَقِيقَةٌ لَا يُنْكِرُهَا إِلَّا سَفِيهٌ ، أَوْ صَاحِبُ هَوًى ، وَلَكِنْ مِنْ
بَابِ الذِّكْرَى ، الَّتِي تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ، يُوجَدُ نَوْعٌ مِنْ
أَنْوَاعِ الْأَمْنِ ، يَجِبُ الِاعْتِنَاءُ بِهِ ، وَالِاهْتِمَامُ لِأَجْلِهِ ،
وَالْحِرْصُ عَلَيْهِ ، وَهُوَ أَمْنُ أَفْكَارِنَا ، وَأَفْكَارِ أَبْنَائِنَا
وَبَنَاتِنَا ، فَإِذَا اخْتَلَّ الْأَمْنُ الْفِكْرِيُّ ، اخْتَلَّ الْأَمْنُ
كُلُّهُ ، فَلَا تُحْفَظُ نَفْسٌ وَلَا عَقْلٌ وَلَا نَسَبٌ وَلَا مَالٌ ،
وَالْوَاقِعُ أَكْبَرُ بُرْهَانٍ ، فَقَدْ وُجِدَ مَنْ يَقْتُلُ وَالِدَيْهِ ،
اللَّذَيْنِ يَقُولُ اللهُ U عَنْهُمَا : } فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا{ يَقْتُلُهُمَا بِالسَّكَاكِينِ وَالسَّوَاطِيرِ .
وَوُجِدَ مَنْ يَغْدِرُ بِأَقَارِبِهِ وَأَرْحَامِهِ ، يَرْمِيهِمْ
بِالرَّشَّاشَاتِ وَالْبَنَادِقِ ، كَمَا يُرْمَى الصَّيْدُ . وَوُجِدَ مَنْ
يَتْرُكُ بِلَادَ الْعَقِيدَةِ وَالتَّوْحِيدِ ، وَيَرْمِي بِنَفْسِهِ بَيْنَ
أَحْضَانِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، وَسْطَ السُّفُورِ وَالْفُجُورِ وَحَانَاتِ
الْخُمُورِ ، تُلَعْلَعُ فِي مَسَامِعِهِ ، نَوَاقِيسُ الْكَنَائِسِ بَدَل
الأَذَانِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ ، حَالُهُ كَحَالِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي
عَهْدِ مُوسَى ، حِينَمَا فَجَّرَ اللهُ U لَهُمُ الْأَنْهَارَ ، وَجَعَلَهُمْ يَمْشُونَ عَلَى الْبِحَارِ ،
وَأَطْعَمَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ، وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا :
}يَا مُوسَى لَنْ
نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ ، فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ ، يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا
تُنْبِتُ الْأَرْضُ ، مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا
وَبَصَلِهَا ، قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ
خَيْرٌ { ، تَرَكُوا الْمَنَّ
وَالسَّلْوَى ، مِنْ أَجْلِ الْفُومِ وَالْعَدَسِ وَالْبَصَلِ ، فَحَالُ أُولَئِكَ
كَحَالِ هَؤُلَاءِ ، اسْتَبْدَلُوا بِلَادَ الْكُفْرِ وَالْعُهْرِ ، بِبَلَادِ
الْعَقِيدَةِ وَالطُّهْرِ وَالتَّوْحِيدِ ، وَصَدَقَ اللهُ : } فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ ،
وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ {
.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ
:
فَالْأَمْنُ الْفِكْرِيُّ مَطْلَبٌ
شَرْعِيٌّ ، وَضَرُورَةٌ دِينِيَّةٌ ، وَصِمَامُ أَمَانٍ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى
، وَلَنْ تَسْتَقِيمَ الْحَيَاةُ بِدُونِهِ ، وَلَنْ يُوجَدَ وَلَنْ يَقُومَ
بُنْيَانُهُ ، إِلَّا بِالدِّينِ وَشَعَائِرِهِ ، وَعَلَى رَأْسِ ذَلِكَ
التَّوْحِيدُ } الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ،
أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ {
وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ
؛ أَيْ : بِشِرْكٍ ، وَهُوَ ضِدُّ التَّوْحِيدِ، يَقُولُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي
مُسْنَدِهِ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : } الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا
إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ { ،
شَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ وَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَيُّنَا لَا
يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ قَالَ : (( إِنَّهُ لَيْسَ
الَّذِي تَعْنُونَ ! أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ : } يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ، إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ
عَظِيمٌ { ، إِنَّمَا هُوَ
الشِّرْكُ )) .
فَتَوْحِيدُ اللهِ U ، بِرُبُوبِيَّتِهِ
وَبِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ ، وَتَوْحِيدُ الْعَبْدِ للهِ بِأَفْعَالِهِ ،
يُسَلِّمُ الْفِكْرَ مِنَ الاِنْحِرَافِ وَالزَّيْغِ وَالضَّلَالِ ، وَمَا ضَلَّ
مَنْ ضَلَّ إِلَّا بِسَبَبِ إِهْمَالِ جَانِبِ التَّوْحِيدِ ، فَكُلُّ الْفِرَقِ
وَالْأَحْزَابِ وَالْجَمَاعَاتِ ، وَعِنْدَنَا مِنْهُمُ الْإِخْوَانُ
وَالتَّبْلِيغُ ، لَا نَشُكُّ بِضَلَالِهِمْ وَانْحِرَافِهِمْ ، لِأَنَّهُمْ
خِلَافُ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ e وَأَصْحَابُهُ ، وَفِي مُقَدِّمَةِ ذَلِكَ
التَّوْحِيدُ ، وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ ،
عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ e : (( افْتَرَقَتِ
الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ
وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ، وَافْتَرَقَتْ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ
وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي
الْجَنَّةِ ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي
عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَثِنْتَانِ
وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ . قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ ؟ قَالَ :
الْجَمَاعَةُ ))
، وَالْمَقْصُودُ بِالْجَمَاعَةِ ؛ هِيَ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ e وَأَصْحَابُهُ ، فِي الْعَقِيدَةِ
وَالْعَمَلِ . فَلْنَتَّقِ اللهَ عِبَادَ اللهِ ، وَلْنَشْكُرِ اللهَ U عَلَى نِعْمَةِ الْأَمْنِ ، وَلْنَعْمَلْ
مَا بِوُسْعِنَا لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى أَمْنِ أَفْكَارِنَا وَأَفْكَارِ
أَبْنَائِنَا وَبَنَاتِنَا ، وَلْنَحْذَرْ مِمَّنِ اخْتَلَّتْ أَفْكَارُهُمْ ،
وَفَسَدَتْ مَنَاهِجُهُمْ ، وَالصَّاحِبُ سَاحِبٌ :
ومَنْ رَعَى غَنَمًا في أَرْضِ
مَسْبَعَةِ
ونامَ
عَنْها تَوَلَّى رَعْيَهــــــــــــــــــــــــــــــا الأَسَدُ
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ
اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ،
وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ ، وَأَشْهَدُ
أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ ، صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ
الْمُؤمِنُونَ :
إِنَّ لِلْأَمْنِ الْفِكْرِيِّ ؛ سُبُلًا
وَأَسْبَابًا ، مِنْهَا التَّمَسُّكُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، فَإِذَا
سَمِعْتَ أَخِي ، آيَةً مِنْ كِتَابِ اللهِ U ، أَوْ حَدِيثًا مِنْ
أَقْوَالِ النَّبِيِّ e ، يَطْلُبُ مِنْكَ عَمَلًا
، فَلَمْ تَعْمَلْ بِهِ ، وَتَمَنَّيْتَ أَنَّكَ لَمْ تَسْمَعْهُ ، فَاعْلَمْ
أَنَّكَ مُنْحَرِفٌ فِكْرِيًّا .
وَمِنَ السُّبُلِ وَالْأَسْبَابِ :
طَاعَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ للهِ U ، وَالصَّبْرُ عَلَى مَا
لَا يَلِيقُ بِنَفْسِكَ ، حَتَّى لَوْ جَلَدَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ ،
فَمَعْصِيَةُ وَلِيِّ الْأَمْرِ وَعَدَمُ طَاعَتِهِ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالْخُرُوجُ
عَلَيْهِ بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ ، سِمَةٌ مِنْ سِمَاتِ مَنِ انْحَرَفَتْ وَضَلَّتْ
أَفْكَارُهُمْ ، وَقِصَّةُ ذِي الْخُوَيْصِرَةِ ثَابِتَةٌ مَعْلُومَةٌ .
وَمِنْ أَسْبَابِ الْأَمْنِ الْفِكْرِيِّ
: الْبُعْدُ عَنِ السُّوءِ وَمَجَالِسِهِ ، وَعَنْ قَنَوَاتِهِ وَمَوَاقِعِهِ ،
وَعَنْ حَلَقَاتِهِ وَمَدَارِسِهِ ، وَكُلُّ مَنْ لَا يَجْعَلُكَ تَعْمَلُ بِمَا
وَرَدَ فِي كِتَابِ اللهِ U ، وَبِمَا جَاءَ فِي
سُنَّةِ النَّبِيِّ e ، وَتَسْمَعُ وَتُطِيعُ
بِالْمَعْرُوفِ لِمَنْ وَلَّاهُ اللهُ أَمْرَكَ ، فَهُوَ جَلِيسُ سُوءٍ ،
مُنْحَرِفُ فِكْرٍ ، ضَالُّ مَنْهَجٍ ، سَوْفَ تَلْحَقُ بِهِ طَالَ الزَّمَانُ أَوْ
قَصُرَ ، فَفِي حَدِيثٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ ، عَنْ أَبِي مُوسَى
الْأَشعَرِيِّ t: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ : (( إِنَّمَا مَثَلُ
الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ : كَحَامِلِ المِسْكِ ، وَنَافِخِ
الْكِيرِ ، فَحَامِلُ المِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ
مِنْهُ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبةً ، ونَافِخُ الْكِيرِ ،
إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ ، وإمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا مُنْتِنَةً )) .
أَسْأَلُ اللهَ لِي وَلَكُمْ عِلْمًا
نَافِعًا ، وَعَمَلًا لِوَجْهِهِ خَالِصًا ، وَرِزْقًا وَاسِعًا إِنَّهُ سَمِيعٌ
مُجِيبٌ .
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى
وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى ، اللَّهُمَّ أَحْيِنَا سُعَدَاءَ ،
وَتَوَفَّنَا شُهَدَاءَ ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَةِ الْأَتْقِيَاءِ ،
بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا ،
وَاسْتَعْمِلَ عَلَيْنَا خِيَارَنَا ، وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِي عَهْدِ مَنْ
خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ .
اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ
الْمَهْمُومِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَنَفِّسْ كَرْبَ الْمَكْرُوبِينَ ،
وَاقْضِ الدَّيْنَ عَنِ الْمَدِينِينَ ، وَاشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى
الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ .
اللَّهُمَّ اشْفِ مَرْضَانَا ، وَارْحَمِ
اللَّهُمَّ مَوْتَانَا ، وَعَافِ مُبْتَلَانَا ، اللَّهُمَّ انْصُرْ جُنُودَنَا
عَلَى حُدُودِنَا ، اللَّهُمَّ انْصُرْهُمْ نَصْرًا مُؤَزَّرًا ، اللَّهُمَّ كُنْ
لَهُمْ عَوْنًا وَنَصِيرًا ، وَمُعِينًا وَظَهِيرًا ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ
بِأَعْدَائِهِمْ ، اللَّهُمَّ مَنْ كَادَ لِبِلَادِنَا ، وَأَضْمَرَ شَرًّا
لِوَحْدَتِنَا ، وَطَمِعَ فِي تَمْزِيقِ صَفِّنَا ، اللَّهُمَّ عَلَيْكِ بِهِ ،
اللَّهُمَّ شَتِّتْ شَمْلَهُ ، وَأَوْهِنْ عَزْمَهُ ، وَاجْعَلْ كَيْدَهُ فِي
نَحْرِهِ ، وَتَدْبِيرَهُ سَبَبًا لِتَدْمِيرِهِ ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ. } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً
وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {.
عِبَادَ اللهِ :
}إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ{ فَاذْكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ
وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ
يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|