بِالذَّاتِ
لِلْمُتَأَذِّينَ مِنَ المُنْكَرَاتِ
الْحَمْدُ
للهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ الْخَبِيرِ، } هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ
فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ .
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ
وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ {.
أَحْمَدُهُ
حَمْدًا يَلِيقُ بِكَرِيمِ وَجْهِهِ، وَبِعَظِيمِ سُلْطَانِهِ، } لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ
الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ { ،
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَلَا نِدَّ
وَلَا ضِدَّ وَلَا ظَهِيرَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ،
الْبَشِيرُ النَّذِيرُ، وَالسِّرَاجُ الْمُنِيرُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى
آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
تَقْوَى
اللهِ U،
وَصِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ، وَخَيْرُ زَادٍ يَتَزَوَّدُ بِهِ الْعَبْدُ
فِي حَيَاتِهِ لِمَعَادِهِ، يَقُولُ U
فِي كِتَابِهِ: } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ
{
، وَيَقُولُ U
مِنْ قَائِلٍ : } وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ
خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى { ، فَلْنَتَّقِ
اللهَ -أَحِبَّتِي فِي اللهِ- جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ عِبَادِهِ
الْمُتَّقِينَ .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ :
وُجُودُ
الْمُنْكَرَاتِ، وَارْتِكَابُ الْمُخَالَفَاتِ، وَاقْتِرَافُ الذُّنُوبِ وَالسَّيِّئَاتِ،
سُنَّةٌ كَوْنِيَّةٌ مِنْ سُنَنِ اللهِ U
فِي خَلْقِهِ ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ؛ فَرِيضَةُ الْأَمْرِ
بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ، الَّتِي عَدَّهَا بَعْضُ
الْعُلَمَاءِ رُكْنًا سَادِسًا لِأَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، بَلْ وَنَالَتِ
الْأُمَّةُ الْخَيْرِيَّةَ بِسَبَبِهَا كَمَا قَالَ U:
} كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ
أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ{ ، فَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ
عَنِ الْمُنْكَرِ، لَنْ يَكُونَ وَلَنْ
يُوجَدَ، إِلَّا بِتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ
وَفِعْلِ الْمَحْظُورَاتِ، وَلَنْ يَخْلُوَ مُجْتَمَعٌ مِنْ ذَلِكَ. إِذَا كَانَ
مُجْتَمَعُ النَّبِيِّ e، وُجِدَ فِيهِ الزَّانِي، وَوُجِدَ فِيهِ
شَارِبُ الْخَمْرِ، وَوُجِدَ فِيهِ الْمُغَنِّي ، وَوُجِدَ فِيهِ السَّارِقُ ، وَوُجِدَ
فِيهِ الْغَاشُّ، بَلْ وُجِدَ فِيهِ، حَتَّى مَنْ يَطْلُبُ إِعْطَاءَهُ رُخْصَةً
لِيَزْنِيَ، فَكَيْفَ بِمُجْتَمَعِنَا الْيَوْمَ، الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ أَكْثَرَ
مِنْ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةِ سَنَةٍ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ يَقُولُ
النَّبِيُّ e:
(( خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ، ثُمَّ
الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ )) .
فَوُجُودُ
الْمُنْكَرَاتِ فِي الْمُجْتَمَعِ ، وَمُخَالَفَةُ أَمْرِ اللهِ U
وَأَمْرِ رَسُولِهِ e، وَاتِّبَاعُ الْهَوَى وَالنَّفْسِ
الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ وَالشَّيْطَانِ؛ أَمْرٌ لَيْسَ بِغَرِيبٍ، وَأَنَا
أَقُولُ ذَلِكَ ، لَيْسَ تَبْرِيرًا وَاسْتِسَاغَةً لِلْمُنْكَرَاتِ
وَالْمُخَالَفَاتِ، وَمَعْصِيَةِ أَمْرِ اللهِ U
وَأَمْرِ رَسُولِهِ e ، مَعَاذَ اللهِ!
وَلَكِنِّي أَخْشَى مِنْ أَنْ يُسْتَغَلَّ وُجُودُ الْمُنْكَرَاتِ ، لِإِيجَادِ
مُنْكَرَاتٍ أَكْبَرَ وَأَعْظَمَ وَأَخْطَرَ ، فَمِنْ شُرُوطِ النَّهْيِ عَنِ
الْمُنْكَرِ : أَنْ لَا يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُنْكَرٌ أَعْظَمُ مِنْهُ ، وَفِي
صَحِيحِ مُسْلِمٍ ، يَقُولُ النَّبِيُّ e:
(( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا
فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ اْلِإيمَانِ )) ، قَالَ
الْعُلَمَاءُ: الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ بِالْيَدِ عَلَى الْأُمَرَاءِ ،
وَبِاللِّسَانِ عَلَى الْعُلَمَاءِ ، وَبِالْقَلْبِ عَلَى الضُّعَفَاءِ . يَعْنِي
: عَوَامَّ النَّاسِ .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ :
فِي
هَذِهِ الْأَيَّامِ يَسْتَغِلُّ الْخَوَارِجُ وَأَذْنَابُهُمْ ، وَالسُّفَهَاءُ
الْمُتَأَثِّرِينَ بِهِمْ، يَسْتَغِلُّونَ وُجُودَ بَعْضِ الْمُنْكَرَاتِ فِي
الْمُجْتَمَعِ، لِإِثَارَةِ النَّاسِ عَلَى وُلَاةِ أَمْرِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ
وَالْأُمَرَاءِ ، وَقَدْ يَجِدُونَ مَنْ يَتَأَثَّرُ بِذَلِكَ ، لِأَنَّنَا وَللهِ
الْحَمْدُ فِي مُجْتَمَعٍ يُبْغِضُ الْمُنْكَرَاتِ، وَيُحِبُّ مَا يُحِبُّهُ اللهُ
، وَيُبْغِضُ مَا يُبْغِضُهُ سُبْحَانَهُ ، فَالْمُرْجِفُونَ يَعْمَلُونَ عَلَى
عَوَاطِفِ النَّاسِ وَمَشَاعِرِهِمْ ، جَاعِلِينَ مَا هُوَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ
اللهِ الْكَوْنِيَّةِ طُعْمًا لَهُمْ ، لِلْوُصُولِ إِلَى مَا لَا يُرْضِي اللهَ U،
وَمَا يُخَالِفُ شَرْعَهُ وَدِينَهُ، وَمِنْهُ الِاسْتِهَانَةُ بِوُلَاةِ
الْأَمْرِ ، وَغَرْسُ الْحِقْدِ عَلَيْهِمْ ، وَالْكُرْهِ لَهُمْ ، فِي نُفُوسٍ
طَاهِرَةٍ زَكِيَّةٍ تُحِبُّ الْجَنَّةَ وَتَكْرَهُ النَّارَ. وَحَالُ أُولَئِكَ
الْمُرْجِفِينَ : } إِنِّي أَخَافُ أَنْ
يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ {
، فَالَّذِينَ يُعَظِّمُونَ الْمُنْكَرَاتِ ، وَيُضَخِّمُونَ
وُجُودَهَا فِي الْمُجْتَمَع، وَيَرْتَكِبُونَ مُنْكَرَاتٍ أَكْبَرَ مِنْهَا
بِسَبَبِ وُجُودِهَا، مِنْهُمْ مَنْ هُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهَا، وَفِيهِ مِنْهَا مَا
لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ، وَعَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، وُجُودُ الْمُغَنِّينَ
وَالْمُغَنِّيَاتِ، الَّذِي يُظْهِرُ اَلْمُرْجِفُ تَضَجُّرَهُ مِنْهُ ،
وَيُحَاوِلُ إِثَارَةَ غَيْرِهِ مِنْ خِلَالِهِ ، مَوْجُودٌ قَبْلَ ذَلِكَ فِي
بَيْتِهِ، جَاءَ بِهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ، فَفِي ضَغْطَةِ زِرٍّ ، يَتَفَرَّجُ
عَلَى كَمٍّ هَاْئِلٍ مِنْ اَلْمُنْكَرَاْتِ، مِنْ خِلَالِ آلَافِ الْقَنَوَاتِ
وَعَشَرَاتِ الْمَوَاقِعِ:
وَإِذَا
عَتَبْتَ عَلَى السَّفِيهِ وَلُمْتَهُ
فِي مِثْلِ مَـــــــــــا تَأْتِي
فَأَنْتَ ظَلُومُ
لَا تَنْهَ
عَـــــــــــــنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ
عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ
عَـــــــــــظِيمُ
ابْدَأْ
بِنَفْسِكَ وَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا
فَإِذَا
انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَـــــكِيمُ .
فَالْكَلَامُ
عَنِ الْمُنْكَرَاتِ وَكَثْرَتِهَا، وَاللَّطْمُ مِنْ أَجْلِهَا لَا يُجْدِي، وَلَيْسَ
فِيهِ مَصْلَحَةٌ شَرْعِيَّةٌ، بَلْ قَدْ يَكُونُ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى
الْمُجْتَمَعِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ مِنْ بَابِ إِشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ بَيْنَ
الْمُؤْمِنِينَ، نَعَمْ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ ، صَارَ بَعْضُ النَّاسِ ، يَنْقُلُ
الْمُنْكَرَاتِ وَيُرَوِّجُ لَهَا ، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ ، لَمَا عُلِمَ بِهَا
وَلَمَا انْتَشَرَتْ فِي الْمُجْتَمَعِ ، وَهَذَا مِنْ إِشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ ،
وَاللهُ U
يَقُولُ : } إِنَّ الَّذِينَ
يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا
تَعْلَمُونَ {،
يَقُولُ خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ: مَنْ حَدَّثَ بِمَا أَبْصَرَتْ عَيْنَاهُ ،
وَسَمِعَتْ أُذُنَاهُ ، فَهُوَ مِنَ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ
فِي الَّذِينَ آمَنُوا. وَيَقُولُ عَطَاءٌ: مَنْ أَشَاعَ الْفَاحِشَةَ فَعَلَيْهِ
النَّكَالُ ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ ،
وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اَللهُ
عَنْهُ قَاْلَ : الْقَائِلُ الْفَاْحِشَة ، وَاَلَّذِيْ يُشِيعُ بِهَا، فِي
الإِثْمِ سَوَاءٌ . فَنَقْلُ أَخْبَارِ الْمُنْكَرَاتِ ، الَّتِي تَحْدُثُ فِي
غَرْبِ الْبِلَادِ إِلَى شَرْقِهَا ، وَفِي جَنُوبِ الْبِلَادِ إِلَى شَمَالِهَا ،
أَوِ الْعَكْسُ، هُوَ مِنْ إِشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ، وَمِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي
تَجْعَلُ بَعْضَ السُّفَهَاءِ يَسْتَسِيغُهَا وَيَأْلَفُهَا وَقَدْ قَالَ بَعْضُ
السَّلَفِ: أَمِيتُوا الْبَاطِلَ بِعَدَمِ ذِكْرِهِ .
فَلْنَتَّقِ
اللهَ أَحِبَّتِي فِي اللهِ، وَلْنَعْلَمْ أَنَّ وُجُودَ الْمُنْكَرَاتِ سُنَّةٌ
مِنْ سُنَنِ اللهِ الْكَوْنِيَّةِ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ ، لَمَا وُجِدَتْ فَرِيضَةُ
الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ، فَلْنَحْذَرِ
الْمُرْجِفِينَ وَأَذْنَابَهُمْ، وَالسُّفَهَاءَ وَتَصَرُّفَاتِهِمْ ، وَلْنَكُنْ
يَدًا وَاحِدَةً مَعَ أُمَرَائِنَا وَعُلَمَائِنَا ، وَمَنْ ضَلَّ مِنَّا نَدْعُو
لَهُ بِالْهِدَايَةِ وَالرَّشَادِ ، وَلْنَقْطَعِ الطَّرِيقَ أَمَامَ مَنْ
يَذُرُّونَ فِي الْعُيُونِ الرَّمَادَ ، وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ .
أَسْأَلُ
اللهَ U
أَنْ يَهْدِيَ ضَالَّ الْمُسْلِمِينَ ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ
.أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ،
فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ
للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ،
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا
لِشَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى
رِضَوَانِهِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ، وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ، وَسَلَّمَ
تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ :
يَتَضَجَّرُ
بَعْضُ النَّاسِ، مِنْ وُجُودِ بَعْضِ الْمُنْكَرَاتِ ، وَيَتَحَدَّثُ عَنْ ذَلِكَ
فِي مَجَالِسِهِ وَرَسَائِلِهِ ، وَيَهْتَمُّ بِاَلْحَدِيْثِ عَنْ
اَلْمُنْكَرَاْتِ، اَكْثَرَ اِهْتِمَاْمَاً مِنْهُ بِنَفْسِهِ، وَكَأَنَّهُ أَغْيَرُ
النَّاسِ عَلَى الدِّينِ، وَأَحْرَصُ الْخَلْقِ عَلَى الْبِلَادِ وَالْعِبَادِ ، وَتَلْمَسُ
مِنْ شِدَّةِ خَوْفِهِ، كَأَنْ لَا مَانِعَ لَهُ مِنَ الْوُقُوعِ فِي تِلْكَ
الْمُنْكَرَاتِ إِلَّا وُجُودُهَا، مَا
عَلِمَ الْمِسْكِينُ أَنَّ اللهَ U يَقُولُ : } ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي
الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ
الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ { ، فَوُجُودُ الْفَسَادِ عُقُوبَةٌ مِنَ اللهِ
.
وَكَذَلِكَ
-أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- وُجُودُ الْمُنْكَرَاتِ وَالْفَسَادِ فِي الْمُجْتَمَعِ ،
هُوَ مِنْ بَابِ الِابْتِلَاءِ وَالِاخْتِبَارِ ، يَقُولُ U
: }أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا
آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ {
، يَقُولُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ : أَيِ : الَّذِينَ صَدَقُوا فِي
دَعْوَاهُمُ الْإِيمَانَ ، مِمَّنْ هُوَ كَاذِبٌ فِي قَوْلِهِ وَدَعْوَاهُ .
وَكَذَلِكَ
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ، يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ مَنْ يَتَضَجَّرُ مِنْ وُجُودِ
الْمُنْكَرَاتِ ، أَنَّ اللهَ U جَعَلَ جَنَّةً وَنَارًا
وَقَالَ: } وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ
لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ
خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ
وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ {.
وَرَوَى
الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ ،
فَقَالَتِ النَّارُ : أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ ،
وَقَالَتِ الْجَنَّةُ : فَمَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ
وَسَقَطُهُمْ . قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لِلْجَنَّةِ : أَنْتِ رَحْمَتِي
أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي ، وَقَالَ لِلنَّارِ : أَنْتِ عَذَابِي
أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا
مِلْؤُهَا )) .
أَسْأَلُ
اللهَ لِي وَلَكُمْ عِلْمًا نَافِعًا ، وَعَمَلًا خَالِصًا ، وَسَلَامَةً
دَائِمَةً ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ . اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى
وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى ، اللَّهُمَّ أَحْيِنَا سُعَدَاءَ ،
وَتَوَفَّنَا شُهَدَاءَ ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَةِ الْأَتْقِيَاءِ ،
بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .
اللَّهُمَّ
إِنَّا نَسْأَلُكَ رِضَاكَ وَالْجَنَّةَ ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ سَخَطِكَ
وَالنَّارِ ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الْفِتَنَ ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ
، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ ، لَا ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ
بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .
اللَّهُمَّ
آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا ، وَاسْتَعْمِلْ عَلَيْنَا خِيَارَنَا ، وَاجْعَلْ
وِلَايَتَنَا فِي عَهْدِ مَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا رَبَّ
الْعَالَمِينَ .
اللَّهُمَّ
إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَحْفَظَ لَنَا أَمْنَنَا ، وَوُلَاةَ أَمْرِنَا
وَعُلَمَاءَنَا وَدُعَاتَنَا ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا بِسُوءٍ فَاللَّهُمَّ
اشْغَلْهُ بِنَفْسِهِ ، وَاجْعَلْ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ
سَبَبًا لِتَدْمِيرِهِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ
مِنْ فَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُمَا إِلَّا أَنْتَ ،
اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا ، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا
، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .
} رَبَّنَا آَتِنَا فِي
الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {.
عِبَادَ اللهِ :
}إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {
فَاذْكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ
يَزِدْكُمْ ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|