بِالذَّاتِ لِلْمُتَهَاوِنِينَ بِالْإِجْرَاءَاتِ
الْحَمْدُ
للهِ ، لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ ، أَحْمَدُهُ وَأَشْكُرُهُ
عَلَى نِعَمِهِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ
وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ،
هَدَى بِإِذْنِ رَبِّهِ الْقُلُوبَ الْحَائِرَةَ ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ
وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ نُجُومِ الدُّجَى وَالْبُدُورِ
السَّافِرَةِ ، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ
الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
اتَّقُوا
اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- ، فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ : }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ
وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ{
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ بِأَنَّ وُلَاةَ أَمْرِنَا فِي هَذِهِ
الْبِلَادِ يَبْذُلُونَ الْغَالِيَ وَالنَّفِيسَ فِي سَبِيلِ رَاحَةِ الْمُوَاطِنِ
، وَأَمْنِهِ وَنَجَاتِهِ مِنَ الْآفَاتِ، وَسَلَامَتِهِ مِنَ الْأَمْرَاضِ،
وَمِنْ ذَلِكَ مَا حَدَثَ أَخِيرًا بِمُنَاسَبَةِ جَائِحَةِ كُورُونَا، الَّتِي
لَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ مَا عَمِلَتْهُ فِي الْعَالَمِ بِأَسْرِهِ، وَجُهُودُ
وُلَاةِ أَمْرِنَا فِي هَذِهِ الْبِلَادِ لِلْجَائِحَةِ تُذْكَرُ وَتُشْكَرُ،
وَلَكِنَّنَا نُلَاحِظُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ تَرَاخِي بَعْضِ النَّاسِ
وَتَهَاوُنِهِمْ فِي الِالْتِزَامِ بِالْإِجْرَاءَاتِ الِاحْتِرَازِيَّةِ
الْوِقَائِيَّةِ وَالدَّلِيلُ: بَعْضُ الِاحْتِفَالَاتِ وَالتَّجَمُّعَاتِ الَّتِي
تُعْتَبَرُ مِنْ أَهَمِّ أَسْبَابِ انْتِشَارِ الدَّاءِ .
وَلَا
شَكَّ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - أَنَّ طَاعَةَ وَلِيِّ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ
مِنْ أَوْجَبِ الْوَاجِبَاتِ ، وَهُوَ أَمْرٌ أَمَرَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِهِ
، بَلْ قَرَنَهُ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-؛ } يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي
الْأَمْرِ مِنْكُمْ{ ،
يَقُولُ ابْنُ سِعْدِيٍّ فِي تَفْسِيرِهِ: أَمَرَ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ
وَذَلِكَ بِامْتِثَالِ أَمْرِهِمَا ، الْوَاجِبِ وَالْمُسْتَحَبِّ ، وَاجْتِنَابِ
نَهْيِهِمَا. وَأَمَرَ بِطَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ، وَهُمُ : الْوُلَاةُ عَلَى
النَّاسِ، مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْحُكَّامِ وَالْمُفْتِينَ؛ فَإِنَّهُ لَا
يَسْتَقِيمُ لِلنَّاسِ أَمْرُ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ إِلَّا بِطَاعَتِهِمْ
وَالِانْقِيَادِ لَهُمْ ، طَاعَةً للهِ وَرَغْبَةً فِيمَا عِنْدَهُ ، وَلَكِنْ
بِشَرْطِ أَلَّا يَأْمُرُوا بِمَعْصِيَةِ اللهِ ؛ فَإِنْ أَمَرُوا بِذَلِكَ فَلَا
طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ .
} يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ
مِنْكُمْ {
، تُطِيعُ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - بِالْعَمَلِ بِمَا جَاءَ فِي كِتَابِهِ -
الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ - ، وَتُطِيعُ الرَّسُولَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بِمَا وَرَدَ فِي سُنَّتِهِ، وَتُطِيعُ وَلِيَّ الْأَمْرِ بِمَا
يُشَرِّعُ مِنْ أَنْظِمَةٍ وَتَعْلِيمَاتٍ لَا تُخَالِفُ كِتَابَ اللهِ - عَزَّ
وَجَلَّ - وَلَا سُنَّةَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِيهَا
جَلْبُ مَصْلَحَةٍ مِنَ الْمَصَالِحِ ، أَوْ دَرْءُ مَفْسَدَةٍ مِنَ الْمَفَاسِدِ
يَقُولُ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنِ الْعِرْبَاضِ
بْنِ سَارِيَةَ قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ، وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ ، وَذَرَفَتْ مِنْهَا
الْعُيُونُ، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ،
فَأَوْصِنَا، قَالَ: )) أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَالسَّمْعِ
وَالطَّاعَةِ وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ
مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ
الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ،
وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ))
زَادَ ابْنُ مَاجَه: (( فَقَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى
الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ
)).
وَفِي
الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ
فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ ، فَإِذَا أُمِرَ
بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ )).
فَطَاعَةُ
وَلِيِّ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ عِبَادَةٌ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - يَتَقَرَّبُ
بِهَا الْعَبْدُ إِلَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - كَتَقَرُّبِهِ بِالصَّلَاةِ
وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ، وَعَدَمُ طَاعَتِهِ بِمَا يَضْمَنُ لِلنَّاسِ
سَلَامَةَ دِينِهِمْ وَعَقِيدَتِهِمْ وَصِحَّتِهِمْ وَأَمْنِهِمْ؛ جَرِيمَةٌ
خَطِيرَةٌ وَمَعْصِيَةٌ كَبِيرَةٌ ، بَلْ هِيَ مَعْصِيَةٌ للهِ - عَزَّ وَجَلَّ -،
وَمَعْصِيَةٌ لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - }وَمَا
كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ
يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا{
.
بَارَكَ
اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا
فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا
وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ فَإِنَّهُ
هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ
الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ
للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ،
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ
، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ
صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى
يَوْمِ الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ :
إِنَّ
فِي طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ فَوَائِدَ كَثِيرَةً ، وَمَنَافِعَ
جَمَّةً، مِنْ أَهَمِّهَا أَنَّهَا طَاعَةٌ للهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَطَاعَةٌ
لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم -، وَاللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -
يَقُولُ: }وَمَنْ
يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {.
وَكَذَلِكَ
فِي طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ إِعَانَةٌ لَهُ عَلَى تَأْدِيَةِ
وَاجِبِهِ وَالْقِيَامِ بِمَسْؤُولِيَّاتِهِ، وَهَذَا مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ
عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى الَّذِي أَمَرَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِهِ فَقَالَ :
}وَتَعَاوَنُوا
عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى{
.
وَكَذَلِكَ
فِي طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ السَّلَامَةُ مِمَّا يَتَرَتَّبُ
عَلَى مَعْصِيَتِهِ مِنَ الْعُقُوبَاتِ النَّاتِجَةِ عَنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِ
اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، كَمَا قَالَ تَعَالَى : }فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ
تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{ .
أَسْأَلُ
اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ يَهْدِيَ ضَالَّ الْمُسْلِمِينَ إِنَّهُ سَمِيعٌ
مُجِيبٌ ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ
وَالْغِنَى ، اللَّهُمَّ أَحْيِنَا سُعَدَاءَ ، وَأَمِتْنَا شُهَدَاءَ ،
وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَةِ الْأَتْقِيَاءِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ. اللَّهُمَّ
إِنَّا نَسْأَلُكَ رِضَاكَ وَالْجَنَّةَ وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ سَخَطِكَ وَالنَّارِ، اللَّهُمَّ احْفَظْ لَنَا وَلِيَّ أَمْرِنَا خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ
الشَّرِيفَيْنِ، وَمَتِّعْهُ بِالصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُ
فِي رِضَاكَ ، اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ
الْمُخْلِصَةَ الَّتِي تَدُلُّهُ عَلَى الْخَيْرِ وَتُعِينُهُ عَلَيْهِ ،
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ عَهْدِهِ وَوُزَرَائِهِ وَالْعَامِلِينَ مَعَهُ ،
اللَّهُمَّ انْصُرْ بِهِمْ دِينَكَ وَكِتَابَكَ وَسُنَّةَ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
اللَّهُمَّ
إِنَّا نَسْأَلُكَ نَصْرَ الْإِسْلَامِ وَعِزَّ الْمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ
أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَانْصُرِ الْمُسْلِمِينَ، وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّين،
وَاجْعَلْ بَلَدَنَا آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ.
اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، بِرَحْمَتِكَ
يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ
حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عِبَادَ اللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ
يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { . فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ
وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|