لِلْأَحْيَاْءِ بِاَلْذَّاْتِ
أُمْنِيَاْتُ اَلْأَمْوَاْتِ
اَلْحَمْدُ
للهِ اَلْقَاْئِلِ: } كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ، وَإِنَّمَا
تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ
وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ، وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ
الْغُرُورِ { ، أَحْمَدُهُ
حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ وَجْهِهِ ، وَعَظِيْمِ سُلْطَاْنِهِ، } عَالِمُ
غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ {. وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ
إِلَّاْ اَللهُ وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ، } هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا
فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا ، وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ { ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ، صَلَّىْ
اَللهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً
كَثِيْرَاً إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ ، يَوْمَ: } لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ ، وَلَا
مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا ، إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ، فَلَا
تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ، وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ
الْغَرُورُ { .
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللَّهِ :
تَقْوَىْ اللهِ U، وَصِيَّتُهُ سُبْحَاْنَهُ لِعِبَاْدِهِ، فَهُوَ الْقَائِلُ فِي
كِتَاْبِهِ: } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ {،
فَلْنَتَقِ اللهَ ـ أَحِبَتِيْ فِيْ اللهِ ـ جَعَلَنِيْ اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ
عِبَادِهِ الْمُتَقِيْن .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
فِيْ هَذِهِ اَلْدُّنْيَاْ يَكُوْنُ لِلْإِنْسَاْنِ بَعْضُ اَلْأَمَاْنِيِّ
، وَقَدْ يُحَقِّقُهَاْ، وَلَاْ أَدَلَ عَلَىْ ذَلِكَ ، مِنْ قِصَّةِ عُمُرَ بِنِ
اَلْخَطَّاْبِ t، لَمَّاْ قَاْلَ
لِأَصْحَاْبِهِ: تَمَنَّوْا ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ : أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّ
لِي هَذِهِ الدَّارَ، مَمْلُوءَةً ذَهَبًا أُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
ثُمَّ قَالَ: تَمَنَّوْا ، فَقَالَ رَجُلٌ آخِرٌ: أَتَمَنَّى لَوْ
أَنَّهَا مَمْلُوءَةً ، لُؤْلُؤًا وَزَبَرْجَدًا وَجَوْهَرًا، أُنْفِقُهُ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ ، وَأَتَصَدَّقُ به ، ثُمَّ قَالَ t :
تَمَنَّوْا . فَقَالُوا : مَا نَدْرِي
مَاْ نَقُوْلُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! فَقَالَ عُمَرُ t: أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّ
هَذِهِ الدَّارَ، مَمْلُوءَةً رِجَاْلَاً مِثْلَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ
الْجَرَّاحِ ، وَمُعَاْذِ بِنِ جَبَلٍ، وَسَاْلِمٍ مَوْلَىْ أَبِيْ حُذِيْفَةَ ،
فَأَسْتَعِيْنُ بِهِمْ عَلَىْ إِعْلَاْءِ كَلِمَةِ اَللهِ .
اَلْشَّاْهِدُ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ فِيْ هَذِهِ اَلْحَيَاْةِ
قَدْ يَتَمَنَّىْ اَلْإِنْسَاْنُ أَشْيَاْءَ كَثِيْرَةً ، وَقَدْ يَتَحَقَّقُ مَاْ
شَاْءَ اَللهُ مِنْهَاْ ، وَلَكِنْ هُنَاْكَ أُنَاْسٌ لَهُمْ أُمْنِيَاْتٌ لَاْ
يُمْكِنُ تَحْقِيْقُهَاْ، وَيَسْتَحِيْلُ أَنْ يَحْصُلَ أَحَدُهُمْ عَلَىْ
مِقْدَاْرِ ذَرَّةٍ مِنْهَاْ .
تَعْلَمُوْنَ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ مَنْ هُمْ هَؤُلَاْءِ
، اَلَّذِيْنَ لَاْ تُحَقَّقُ وَلَاْ تَتَحَقَّقُ أُمْنِيَاْتُهُمْ ؟ إِنَّهُمْ اَلْأَمْوَاْتُ
اَلَّذِيْنَ فَاْرَقُوْا هَذِهِ اَلْحَيَاْة ، اَلَّذِيْنَ لَوْ عَاْدُوْا إِلَىْ
اَلْدُّنْيَاْ ، لَمَاْ اِنْشَغَلُوْا بِأَكْثِرِ مَاْ يُشْغِلُنَاْ نَحْنُ فِيْ هَذِهِ
اَلْأَيَّاْمِ ، وَاَللهِ لَوْ شُقَّتْ عَنْهُمْ قُبُوْرُهُمْ، وَرَجَعُوْا إِلَيْنَاْ
، لَمَاْ أَشْغَلَتْهُمْ عَنْ طَاْعَةِ اَللهِ U زَوْجَةٌ وَلَاْ وَظِيْفَةٌ وَلَاْ مَنْصِبٌ وَلَاْ تِجَاْرَةٌ وَلَاْ
حَسَبٌ وَلَاْ نَسَبٌ ، وَلَاْ اِكْتَفُوْا بِلَحَظَاْتٍ فَقَطْ يَقُوْلُوْا فِيْهَاْ
: سُبَحْاَنَ اَللهِ ، واَلْحَمْدُ للهِ ، ولَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ ، واَللهُ
أَكْبَرُ ، وَلَاْ اِكْتَفُوْا مِنْ هَذِهِ اَلْدُّنْيَاْ بِرَكْعَتِيْنِ يَرْكَعُوْنَهَاْ للهِ U، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْحَسَنِ اَلْصَّحِيْحِ، عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ t، أَنَّ رَسُوْلَ اَللهِ e ، مَرَّ بِقَبْرٍ فَقَاْلَ: (( مَنْ صَاْحِبُ هَذَاْ اَلْقَبْرُ ؟! ))
، فَقَاْلُوْا : فُلَاْن . فَقَاْلَ e : ((
رَكْعَتَاْنِ أَحَبُّ إِلَىْ هَذَاْ مِنْ بَقِيَّةِ دُنْيَاْكُمْ )). كَمْ
مِنْ رَكْعَتِيْنَ وَرَكْعَتِيْنَ فَرَّطْنَاْ بِهِنَّ ، وَضَحَّيْنَاْ بِهِنَّ مِنْ
أَجْلِ أُمُوْرٍ حَقِيْرَةً تَاْفِهَةً . لَاْ يَأْتِيْ أَكْثَرُنَاْ إِلَىْ اَلْمَسْجِدِ
إِلَّاْ بَعْدَ سَمَاْعِ اَلْإِقْاْمَةِ، وَيَخْرُجُ بَعْدَ سَلَاْمِ اَلْإِمِاْمِ
مُبَاْشَرَةً، غَيْرَ مُبَاْلٍ بِصَلَاْةِ اَلْنَّاْفِلَةِ، مِنْ أَجْلِ مُكَاْلَمَةٍ
هَاْتِفِيَّةٍ، أَوْ مِنْ أَجْلِ جُلَسَاْءٍ هُمْ أَقْرَبُ إِلَىْ جَلِيْسِ اَلْسُّوْءِ
، اَلَّذِيْ حَذَّرَ مِنْهُ اَلْنَّبِيُّ e ، وَيَتْرُكُ مَاْ هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ اَلْدُّنْيَاْ وَمَاْ فِيْهَاْ
.
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
مِنْ اَلْأُمْنِيَاْتِ اَلَّتِيْ يَتَمَنَّاْهَاْ بَعْضُ اَلْأَمْوَاْتِ
أَنْ لَوْ مَاْتُوْا وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ لِلْنَّاْسِ دَيْنٌ، حَتَّىْ لَوْ كَاْنَ
رِيَاْلَاً وَاْحِدَاً ، لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ مَاْتَ مُنْذُ سِنِيْنَ عَدِيْدَةٍ
، وَمَاْ زَاْلَتْ رُوُحُهُ مُعَلَّقَةً، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاْةٌ وَلَاْ زَكَاْةٌ
، وَلَمْ يُقْبَلْ لَهُ صِيَاْمٌ وَلَاْ حَجٌ بِسَبَبِ دِيْنِهِ، يَقُوْلُ e
فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ: ((
نَفْسُ اَلْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّىْ يُقْضَىْ عَنْهُ ))،
وَيَقُوْلُ e فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ اَلْآخَرِ: (( وَاَلَّذِيْ نَفْسِيْ بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ
رَجُلَاً قُتِلَ فِيْ سَبِيْلِ اَللهِ ثُمَّ أُحْيِّيَ ثُمَّ قُتِلَ ثُمَّ أُحْيِّيَ
ثُمَّ قُتِلَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مَاْ دَخَلَ اَلْجَنَّةَ حَتَّىْ يُقْضَىْ عَنْهُ
دَيْنُهُ )) ، فَاَلْأَمْوَاْتُ اَلَّذِيْنَ مَاْتُوْا وَعَلَيْهِمْ دِيُوُنٌ
، يَتَمَنَّوُنَ أَنْ لَوْ خَرَجَوُا، وَسَدَّدَوُا دُيُوْنَهُمْ ، حَتَّىْ لَوْ بَاْعُوْا
بُيُوْتَهُمْ وَسَكَنُوْا فِيْ اَلْشَّوَاْرِعِ ، وَحَتَّىْ لَوْ بَاْعُوْا سَيَّاْرَاْتِهِمْ
وَمَشُوْا حُفَاْةً عَلَىْ أَرْجُلِهِمْ .
فَقَضِيَّةُ اَلْدِّيْنِ قَضِيَّةٌ خَطِيْرَةٌ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ
ـ وَبَعْضُنَاْ بِسَبَبِ إِهْمَاْلِهِ وَقِلَّةِ إِيْمَاْنِهِ، يَسْتَهِيْنُ بِدَيْنِهِ
، وَقَدْ يَكُوْنُ ذَلِكَ لِقِلَّتِهِ، أَوْ لِعَدَمِ مُطَاْلَبَةِ صَاْحِبِهِ بِهِ
، فَيَمُوْتُ فَتُعَلَّقُ رُوْحُهُ ، وَلَاْ تُقْبَلُ أَعْمَاْلُهُ، وَهُنَاْ يَأْتِيْ
دَوْرُ اَلْوَصِيَّةِ وَأَهَمِّيَّتُهَاْ ، فَيَنْبَغِيْ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَكْتُبَ
مَاْلَهُ وَمَاْ عَلَيْهِ ، لِكَيْ لَاْ تَضِيْعُ حُقُوْقُهُ وَلَاْحُقُوْقُ اَلْنَّاْسِ
عَلَيْهِ ، يَقُوْلُ e فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ : (( مَاْ حَقُّ اِمْرِئٍ مُسْلِمٍ ، لَهُ شَيْءٌ يُوْصِىْ فِيْهِ
، يَبِيْتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّاْ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوْبَةً عِنْدَهُ ))،
فَاَكْتُبْ مَاْ عَلَيْكَ وَمَاْ لَكَ ـ أَخِيْ اَلْمُسْلِمِ ـ حَتَّىْ لَوْ كَاْنَتْ
عَشَرَةُ رِيَاْلَاْتٍ لِبَقَّاْلَةٍ أَوْ مَحَطَّةِ بِنْزِيْنٍ ، لِكَيْ لَاْ تُحْبَسُ
بِهَاْ بَعْدَ مَوْتِكَ .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
بَعْضُ اَلْنَّاْسِ لِجَهْلِهِ يَضُنُّ أَنَّ كِتَاْبَةَ وَصِيَّتِهِ
يُعَجِّلُ بِمَوْتِهِ ، وَيَنْسَىْ قَوْلَ اَللهِ تَعَاْلَىْ: } إِذَا
جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ { ، أَحَدُهُمْ أَرَاْدَ أَنْ يَحُجَّ ، فَقِيْلَ لَهُ : مِنْ اَلْسُّنَّةِ
أَنْ تَكْتُبَ وَصِيَّتَكَ ، فَتَرَكَ اَلْحَجَّ ، خَوْفَاً مِنْ اَلْمَوْتِ ، يَضُنُّ
أَنَّ كِتَاْبَةَ اَلْوَصِيَّةِ تُعَجِّلُ اَلْمَوْتَ مِنْ جَهْلِهِ .
يَقُوْلُ سَعْدُ بِنُ أَبِيْ وَقَّاْصٍ t: مَرِضْتُ فَعَاْدَنِيْ اَلْنَّبِيُّ e فَقُلْتُ: يَاْ رَسُوْلَ اَللهِ ، اِدْع اَللهَ أَنْ لَاْ يَرُدَّنِيْ
عَلَىْ عَقِبَيِّ، قَاْلَ: (( لَعَلَّ
اَللهُ أَنْ يَرْفَعَكَ وَيَرْفَعَ بِكَ نَاْسًا ))، قُلْتُ : أُرِيْدُ أَنْ
أُوْصِيَ، وَإِنَّمَاْ لِيْ اِبْنَةٌ ، فَقُلْتُ : أَوْصِيْ بِاَلْنَّصْفِ؟ قَاْلَ
e : ((
اَلْنِّصْفُ كَثِيْرٌ ))، قُلْتُ : فَاَلْثُّلُثْ؟ قَاْلَ: (( اَلْثُّلُثُ ، وَاَلْثُّلُثُ كَثِيْرٌ
ـ أَوْ كَبِيْرٌ )) ، فَأَوْصَىْ t بِثُلُثِ مَاْلِهِ ، وَهُوَ لَيْسَ لَهُ إِلَّاْ إِبْنَةٌ وَاْحِدَةٌ
، وَمَاْ مَاْتَ إِلَّاْ وَلَهُ سِتٌّ وَعِشْرُوْنَ وَلَدٌ وَبِنْتٌ ، فِكِتَاْبَةُ
اَلْوَصِيَّةِ مِنْ اَلْسُّنَّةِ، وَعَدَمُ كِتَاْبَتِهَاْ لَاْ يَمْنَعُ مِنْ اَلْمَوْتِ
. فَاَكْتُبُوْا وَصَاْيَاْكُمْ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ أَكْتُبُوْا مَاَ لَكُمْ
وَمَاْ عَلَيْكُمْ ، وَمَنْ عِنْدَهُ مَاْلٌ ، فَحَرِيٌّ بِهِ أَنْ يُوْصِيَ بِثُلُثِهِ
للهِ U ، وَهَذِهِ أُمْنِيَةٌ مِنْ أُمْنِيَاْتِ اَلْمَوْتَىْ ، يَتَمَنَّىْ
اَلْأَمْوَاْتُ أَنَّهُمْ تَصَدَّقُوْا وَأَنْفَقُوْا مِمَّاْ رَزَقَهُمُ اَللهُ يَقُوْلُ
U : } وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا
رَزَقْنَاكُمْ ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ، فَيَقُولَ
رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ ، فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ
الصَّالِحِينَ {،
وَإِيَّاْكُمْ وَمَاْ يُوَسْوُسُهُ اَلْشَّيْطَاْنُ، فَيَجْعَلُكُمْ تَبْخَلُوْنَ
بِمَاْلِ اَللهِ اَلَّذِيْ آتَاْكُمْ ، وَكَمَاْ قَاْلَ تَعَاْلَىْ: } الشَّيْطَانُ
يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ ، وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ
مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا ، وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ { .
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكَمَ
بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنْ الْآيَاتِ
وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهُ لِي
وَلَكَمَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ ،
وَالْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ
إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ،
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ الْدَّاْعِيْ إِلَىْ
رِضْوَاْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ وَسَلَّمَ
تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَمَّاْ بَعْدُ ، أَيُّهَا الإِخْوَةُ :
وَمِنْ اَلْأَشْيَاْءِ اَلْخَطِيْرَةِ ، اَلَّتِيْ يَتَمَنَّاْهَاْ
اَلْأَمْوَاْتُ ، أَنْ لَوْ مَاْتُوْا وَلَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَحَدٍ قَطِيْعَةٌ
أَوْ زَعَلٌ أَوْ هَجْرٌ ، يَتَمَنَّوْنَ أَنْ لَوْ اِصْطَلَحُوْا مَعَ إِخْوَاْنِهِمْ
وَجِيْرَاْنِهِمْ وَأَرْحَاْمِهِمْ قَبْلَ مَوْتِهِمْ ، وَاَلْسَّبَبُ: هُوَ أَنَّهُمْ
بِسَبَبِ ذَلِكَ لَمْ تُرْفَعْ أَعْمَاْلُهُمْ اَلْصَّاْلِحَة ، يَقُوْلُ اَلْنَّبِيُّ
e فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ: (( تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ
الْخَمِيسِ ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا ، إِلَّا
رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ ، فَيُقَالُ أَنْظِرُوا
هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، أَنْظِرُوا
هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا )) ، فَاَلَّذِيْ يَمُوْتُ وَهُوَ هَاْجِرٌ لِأَحَدٍ
مِنْ إِخْوَاْنِهِ أَوْ أَرْحَاْمِهِ، لَاْ يُرْفَعُ عَمَلُهُ، وَلَاْ يَغْفِرُ اَللهُ
لَهُ ، مَهْمَاْ كَاْنَتْ تَقْوَاْهُ، وَمَهْمَاْ كَاْنَ صَلَاْحُهُ، يَقُوْلُ اِبْنُ
عُثَيْمِيْنَ ـ رَحِمَهُ اَللهُ ـ : يَجِبُ عَلَىْ اَلْإِنْسَاْنِ أَنْ يُبَاْدِرَ
بِإِزَاْلَةِ اَلْشَّحْنَاْءِ وَاَلْعَدَاْوَةِ وَاَلْبَغْضَاْءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
إِخْوَاْنِهِ ، حَتَّىْ وَإِنْ رَأَىْ فِيْ نَفْسِهِ غَضَاْضَةً وَثُقْلَاً فِيْ طَلَبِ
إِزَاْلَةِ اَلْشَّحْنَاْءِ ، فَلْيَصْبِرْ وَلْيَحْتَسِبْ ، لِأَنَّ اَلْعَاْقِبَةَ
فِيْ ذَلِكَ حَمِيْدَةٌ ، وَاَلْإِنْسَاْنُ إِذَاْ رَأَىْ مَاْ فِيْ اَلْعَمَلِ مِنْ
اَلْخَيْرِ وَاَلْأَجْرِ وَاَلْثَّوَاْبِ سَهُلَ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ إِذَاْ رَأَىْ
اَلْوَعِيْدَ عَلَىْ تَرْكِهِ سَهُلَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ .
فَلْنَتَّقِ اَللهِ ـ أَحِبَتِيْ فِيْ اَللهِ ـ وَلْنُحَقِّقْ مَاْ
يَتَمَنَّاْهُ اَلْأَمْوَاْتُ فِيْ اَلْحَيَاْةِ ، قَبْلَ أَنْ نَنْتَقِلَ مِنْ هَذِهِ
اَلْدُّنْيَاْ ، وَنَقَعُ بِمَاْ وَقَعَ فِيْهِ غَيْرُنَاْ ، وَيَصْدِقُ عَلَيْنَاْ
قَوْلُ اَللهِ U: } حَتَّى إِذَا جَاءَ
أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا
تَرَكْتُ {
، فَيُقَاْلُ لَهُ كَمَاْ قَاْلَ تَعَاْلَىْ: } كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ
هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ { ، وَيَنْبَغِيْ لَنَاْ أَنْ لَاْ نَسْتَبْعِدَ اَلْمَوْتَ ، فَوَاَللهِ
اَلَّذِيْ لَاْ إِلَهَ غَيْرُهُ ، بَعْدَ سَبْعِيْنَ سَنَةٍ مِنْ اَلْآن ، لَاْيُوْجَدُ
أَكْثَرُنَاْ، وَمَنْ وُجِدَ قَدْ لَاْيَسْتَطِعُ أَنْ يَعْمَلَ مَاْ يَسْتَطِيْعُ
عَمَلَهُ اَلْآن ، يَقُوْلُ اَلْنَّبِيُّ e فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْحَسَنِ: (( أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى
السَّبْعِينَ ، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ )) .
اَسْأَلُ اَللهَ لِيْ وَلَكُمْ عِلْمَاً
نَاْفِعَاً، وَعَمَلَاً صَاْلِحَاً ، وَرِزْقَاً وَاْسِعَاً ، } إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ { . أَلَاْ وَصَلُّوْا عَلَىْ اَلْبَشِيْرِ اَلْنَّذِيْرِ ،
وَاَلْسِّرَاْجِ اَلْمُنِيْرِ ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اَلْلَّطِيْفُ
اَلْخَبِيْرُ ، فَقَاْلَ جَلَّ مِنْ قَاْئِلٍ عَلِيْمَاً : } إِنَّ اللَّهَ
وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا { وَفِيْ
اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ e : (( مَنْ صَلَّى
عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا )) ،
فَاَلْلَّهُمَّ صَلِيْ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَاْرَكْ عَلَىْ نَبِيِّنَاْ مُحَمَّدٍ
، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ أَجْمَعِيْنَ ، وَاَرْضِ اَلْلَّهُمَّ عَنِ
اَلْتَّاْبِعِيْنَ وَتَاْبِعِيْ اَلْتَّاْبِعِيْنَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ
بِإِحْسَاْنٍ إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ ، وَعَنَّاْ مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ
وَكَرَمِكَ وَجُوْدِكَ وَرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْن . اَلْلَّهُمَّ
إِنَّاْ نَسْأَلُكَ نَصْرَ اَلْإِسْلَاْمِ وَعِزَّ اَلْمُسْلِمِيْنَ ،
اَلْلَّهُمَّ أَعِزَّ اَلْإِسْلَاْمَ وَاَنْصُرَ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، وَاَحْمِيْ
حَوْزَةَ اَلْدِّيْنَ ، وَاَجْعَلْ بَلَدَنَاْ آمِنَاً مُطْمَئِنَاً وَسَاْئِرَ
بِلَاْدِ اَلْمُسْلِمِيْنَ . رَبَّنَا عَزَّ جَاهُكَ ، وَجَلَّ ثَنَاْؤُكَ ،
وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاْؤُكَ ، وَلَاْ إِلَهَ غَيْرُكَ ، لَاْ يُهْزَمُ جُنْدُكَ ،
وَلَاْ يُخْلَفُ وَعْدُكَ ، يَاْ مُجْرِيَ اَلْسَّحَاْبَ ، وَيَاْمُنْزِلَ
اَلْكِتَاْبَ ، وَيَاْسَرِيْعَ اَلْحِسَاْبِ ، وَيَاْهَاْزِمَ اَلْأَحْزَاْبِ ،
اَلْلَّهُمَّ عَلَيْكَ بِاَلْرَّاْفِضَةِ اَلْحَاْقِدِيْنَ ، وَاَلْرُّوْسِ اَلْمُعْتَدِيْنَ ، وَمَنْ
كَاْنَ عَلَىْ شَاْكِلَتِهِمْ مِنْ اَلْمُنَاْفِقِيْنَ ، اَلْلَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدَاْ ،
وَاَقْتُلْهُمْ بَدَدَا ، وَلَاْ تُغَاْدِرْ مِنْهُمْ أَحَدَا ، يَاْقَوُيَ يَاْ
عَزِيْزَ . اَلْلَّهُمَّ اَحْفَظْ لَنَاْ أَمْنَنَاْ ، وَوُلَاْةَ أَمْرِنَاْ ،
وَعُلَمَاْءَنَاْ وَدُعَاْتَنَاْ ، اَلْلَّهُمَّ جَنِّبْنَاْ اَلْفِتَنَ ، مَاْ
ظَهَرَ مِنْهَاْ وَمَاْ بَطَنَ ، بِرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْنَ . اَلْلَّهُمَّ
إِنَّاْ نَسْأَلُكَ وَأَنْتَ فِيْ عَلْيَاْئِكَ ، وَأَنْتَ اَلْغَنِيُّ وَنَحْنُ اَلْفُقَرَاْءُ
إِلَيْكَ ، أَنْ تُغِيْثَ قُلُوْبَنَاْ بِاَلْإِيْمَاْنِ ، وَبِلَاْدَنَاْ بِاَلْأَمْطَاْرِ
، اَلْلَّهُمَّ أَغِثْنَاْ ، اَلْلَّهُمَّ أَغِثْنَاْ ، اَلْلَّهُمَّ أَغِثْنَاْ ،
اَلْلَّهُمَّ أَسْقِنَاْ اَلْغَيْثَ وَلَاْ تَجْعَلْنَاْ مِنْ اَلْقَاْنِطِيْنَ ،
اَلْلَّهُمَّ اَسْقِنَاْ غَيْثَاً مُغِيْثَاً هَنِيْئَاً مَرِيْعَاً سَحَّاً غَدَقَاً
مُجَلِّلَاً نَاْفِعَاً غَيْرَ ضَاْرٍ ، عَاْجِلَاً غَيْرَ آجِلٍ ، غَيْثَاً تُغِيْثُ
بِهِ اَلْبِلَاْدَ وَاَلْعِبَاْدَ ، اَلْلَّهُمَّ اَسْقِ بِلَاْدَكَ وَعِبَاْدَكَ
وَبَهَاْئِمَكَ ، بِرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْنَ . } رَبَّنَا آتِنَا فِي
الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عِبَاْدَ
اَللهِ : } إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ، وَإِيتَاءِ
ذِي الْقُرْبَى ، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ،
يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { . فَاذْكُرُوا
اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ
وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|