لِلْعُقَلَاءِ زَمَنَ الْوَبَاءِ
الْحَمْدُ
للهِ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ، وَدَبَّرَ عِبَادَهُ
عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ حِكْمَتُهُ وَكَانَ بِهِمْ لَطِيفًا خَبِيرًا ، وَأَشْهَدُ
أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ
الْحَمْدُ وَكَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ، وَدَاعِيًا إِلَيْهِ
بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ
وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أَمَّا بَعْدُ ،
فَيَا عِبَادَ اللهِ :
اتَّقُوا
اللهَ U،
وَاعْلَمُوا بِأَنَّ سَعَادَةَ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ، وَسَعَادَةَ الْآخِرَةِ
الْبَاقِيَةِ؛ إِنَّمَا تَحْصُلُ بِتَقْوَى اللهِ سُبْحَانَهُ، وَهِيَ وَصِيَّةُ
اللهِ U
لِجَمِيعِ الْأُمَمِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ
وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ{ فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ؛ بِخَوْفِهِ وَطَاعَتِهِ،
وَمُرَاقَبَتِهِ وَخَشْيَتِهِ، فَهُوَ الْخَبِيرُ بِالْبَوَاطِنِ وَالظَّوَاهِرِ،
الْعَلِيمُ بِمَا تُكِنُّهُ الضَّمَائِرُ، وَمَا أَحْوَجَنَا لِتَقْوَى اللهِ U،
وَنَحْنُ نَسْمَعُ وَنُشَاهِدُ فَتْكَ هَذَا الْوَبَاءِ الْخَطِيرِ! فَالتَّقْوَى
مِنْ أَسْلِحَةِ الْمُؤْمِنِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : }وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ
لَهُ مَخْرَجًا {
، } وَمَنْ
يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا{ ،
فَالْفَرَجُ وَالْمَخْرَجُ مِنَ الشَّدَائِدِ ، وَتَيْسِيرُ الْأُمُورِ، وَتَسْهِيلُ
كُلِّ عَسِيرٍ هُوَ مَا نَحْتَاجُهُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ ، وَخَاصَّةً فِي
مِثْلِ هَذِهِ الْأَيَّامِ ، وَهُوَ بِتَقْوَى اللهِ U
، }إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ
حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ { .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ
:
يَقُولُ
U
: } يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ
وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {
فَالتَّقْوَى تَتَحَقَّقُ بِعِبَادَةِ اللهِ U
، وَالْعِبَادَةُ فِي زَمَنِ الْفِتَنِ وَاخْتِلَاطِ أُمُورِ النَّاسِ
وَالْغَفْلَةِ وَالِانْشِغَالِ بِأُمُورِ الدُّنْيَا ، كَأَجْرِ هِجْرَةٍ إِلَى
النَّبِيِّ e ؛ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ
-رَحِمَهُ اللهُ- عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ t
، يَقُولُ النَّبِيُّ e : ((
الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجَ كَهِجِرَةٍ إِلَيَّ )) ، فَتَسَلَّحُوا يَا
عِبَادَ اللهِ بِتَقْوَى اللهِ U وَعِبَادَتِهِ، وَمِنْ آكَدِ مَا فِي
ذَلِكَ طَاعَةُ مَنْ وَلَّاهُ اللهُ أَمْرَكُمْ، } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا
اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ { ،
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ يَقولُ النَّبِيُّ e
: (( عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ
وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِه ، إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ ؛
فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَة )) . فَطَاعَةُ
وَلِيِّ الْأَمْرِ، وَالتَّقَيُّدُ بِمَا يُصْدِرُهُ مِنْ تَعْلِيمَاتٍ
وَتَوْجِيهَاتٍ مِنْ أَوْجَبِ الْوَاجِبَاتِ، وَخَاصَّةً فِي مِثْلِ هَذِهِ
الْأَيَّامِ وَهَذَا الْوَبَاءِ الْخَطِيرِ، وَمَنْ خَالَفَ الْأَنْظِمَةَ وَلَمْ
يَلْتَزِمْ بِالتَّعْلِيمَاتِ، فَهُوَ آثِمٌ مُخَالِفٌ لِأَمْرِ اللهِ U
وَأَمْرِ رَسُولِهِ e، وَيُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ عُقُوبَاتٍ
عَاجِلَةٍ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْهَا: جَلْبُ
الْوَبَاءِ لِنَفْسِهِ وَلِأَهْلِ بَيْتِهِ مِنْ أَطْفَالٍ وَنِسَاءٍ وَعَجَزَةٍ ،
وَكَمَا قَالَ تَعَالَى : } فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ
فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ { .
بَارَكَ
اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا
فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا،
وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ فَإِنَّهُ
هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، وَالشُّكْرُ لَهُ
عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ
وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ
المُؤْمِنُونَ :
التَّوَكُّلُ
عَلَى اللهِ U أَعْلَى مَقَامَاتِ التَّوْحِيدِ ،
وَعِبَادَةٌ مِنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ، وَشَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الْإِيمَانِ،
وَهُوَ مَطْلُوبٌ مِنَ الْمُؤْمِنِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: } وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {
، وَمِنَ التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ U
: الْأَخْذُ بِالْأَسْبَابِ وَالْعَمَلُ بِهَا ، فَفِي حَدِيثٍ
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ t ، يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ، أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟
ـ يَعْنِي: نَاقَتَهُ ـ قَالَ e
: ((اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ))
.
فَالتَّوَكُّلُ
مَطْلُوبٌ ، وَلَكِنْ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْجَهَلَةِ ؛ مِنْ لَا مُبَالَاةٍ
فِي التَّعْلِيمَاتِ وَالتَّوْجِيهَاتِ، بِزَعْم التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ
لِلسَّلَامَةِ مِنْ هَذَا الْوَبَاءِ؛ هُوَ مِنْ بَابِ التَّوَاكُلِ لَا
التَّوَكُّلِ؛ فَاحْرِصُوا يَا عِبَادَ اللهِ قَدْرَ الْإِمْكَانِ عَلَى
الِاحْتِيَاطِ لِأَنْفُسِكُمْ عَنِ الْإِصَابَةِ بِهَذَا الْمَرَضِ ، ابْعُدُوا
عَنْ مَوَاطِنِ الزِّحَامِ، وَاسْتَعْمِلُوا مَا يُوصِي بِهِ الْأَطِبَّاءُ،
وَسَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .
اللَّهُمَّ
إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ ، وَالْمُعَافَاةَ الدَّائِمَةَ فِي
الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ سَتْرَ
عَوْرَاتِنَا ، وَأَمْنَ رَوْعَاتِنَا ، وَسَلَامَةَ أَرْوَاحِنَا وَأَبْدَانِنَا
، اللَّهُمَّ احْفَظْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِينَا وَمِنْ خَلْفِنَا وَعَنْ
يَمِينِنَا وَعَنْ شِمَالِنَا وَمِنْ فَوْقِنَا ، وَنَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ
نُغْتَالَ مِنْ تَحْتِنَا .
اللَّهُمَّ
ارْفَعْ عَنَّا الْوَبَاءَ ، وَادْفَعْ عَنَّا الْبَلَاءَ وَالْغَلَاءَ وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَّلَازِلَ
وَالْمِحَنَ وَسُوءَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ؛ عَنْ بَلَدِنَا
هَذَا خَاصَّةً وَعَنْ سَائِرِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ عَامَّةً يَا رَبَّ
الْعَالَمِينَ }رَبَّنَا آتِنَا فِي
الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ{ .
عِبَادَ اللهِ :
}إِنَّ اللَّهَ
يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فَاذْكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ ،
وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ ،
وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|