مِنْ حِفْظِ النَّفْسِ سَلَامَتُهَا مِنَ الْأَمْرَاضِ
الْحَمْدُ
للهِ وَلِيُّ مَنِ اتَّقَاهُ ، مَنِ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ كَفَاهُ ، وَمَنْ لَاذَ
بِهِ وَقَاهُ . أَحْمَدُهُ حَمْدًا يَلِيقُ بِكَرِيمِ وَجْهِهِ وَعَظِيمِ
سُلْطَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ
، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ومُصْطَفَاهُ ، صَلَّى اللهُ
وَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ، وَمَنْ دَعَا بِدَعْوَتِهِ
وَاهْتَدَى بِهُدَاهُ .
أَمَّا بَعْدُ ؛ فَيَا عِبَادَ اللهِ :
خَيْرُ
وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا الْمَرْءُ نَفْسَهُ وَإِخْوَانَهُ: تَقْوَى اللهِ عَزَّ
وَجَلَّ، وَصِيَّةُ اللهِ لِعِبَادِهِ؛ } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ {
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاعْلَمُوا بِأَنَّ
الشَّرِيعَةَ الْإِسْلَامِيَّةَ الَّتِي نَتَشَرَّفُ بِهَا ، وَنَفْتَخِرُ
بِالِانْتِمَاءِ إِلَيْهَا، وَنَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ نَمُوتَ
عَلَيْهَا، جَاءَتْ بِحِفْظِ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: حِفْظِ الدِّينِ، وَالنَّفْسِ،
وَالْعَقْلِ، وَالْعِرْضِ، وَالْمَالِ ؛ فهذه الْخَمْسَةُ، جَاءَ الْإِسْلَامُ
لِتَحْقِيقِهَا ، وَحَرَّمَ كُلَّ أَمْرٍ يَمَسُّ بِسَلَامَتِهَا، وَذَلِكَ
لِيَعِيشَ الْمُسْلِمُ مَا كَتَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ مِنْ عُمْرٍ ، آمِنًا مُطْمَئِنًّا
عَامِلًا لِدُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ .
وَحَدِيثُنَا
-أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- عَنْ حِفْظِ النَّفْسِ، وَمِنْهُ سَلَامَتُهَا مِنَ
الْأَمْرَاضِ بِأَنْوَاعِهَا، وَهُوَ أَمْرٌ يَجْهَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي
هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَصِيبَةِ، حَيْثُ جَائِحَةُ كُورُونَا ، فَبَعْضُهُمْ لَا
يُبَالِي بِصِحَّتِهِ، وَيُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِلْإِصَابَةِ بِهَذَا الدَّاءِ
الْخَطِيرِ، بِعَدَمِ حِرْصِهِ عَلَى الْأَوَامِرِ الرَّبَّانِيَّةِ، وَعَدَمِ
عَمَلِهِ بِالتَّوْجِيهَاتِ النَّبَوِيَّةِ، وَعَدَمِ تَمَسُّكِهِ بِالتَّعْلِيمَاتِ
الْحُكُومِيَّةِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يُجِيزُهُ الدِّينُ، وَمُخَالِفٌ لِشَرِيعَةِ
رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ لِأَنَّ حِفْظَ النَّفْسِ ضَرُورَةٌ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ
الْحَيَاةِ، بَلْ مِنْ أَهَمِّ الضَّرُورِيَّاتِ بَعْدَ حِفْظِ الدِّينِ ،
فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى سَلَامَةِ نَفْسِهِ وَحِفْظِهَا
مِنَ الْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ ، يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ: } وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ {
يَقُولُ ابْنُ سِعْدِيٍّ فِي تَفْسِيرِهِ: وَمِنْ ذَلِكَ تَغْرِيرُ الْإِنْسَانِ
بِنَفْسِهِ فِي مُقَاتَلَةٍ أَوْ سَفَرٍ مَخُوفٍ، أَوْ مَحَلِّ مُسْبِعَةٍ أَوْ
حَيَّاتٍ، أَوْ يَصْعَدُ شَجَرًا أَوْ بُنْيَانًا خَطِرًا ، أَوْ يَدْخُلُ تَحْتَ
شَيْءٍ فِيهِ خَطَرٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ ، فَهَذَا وَنَحْوُهُ مِمَّنْ أَلْقَى
بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ.
وَيَقُولُ
اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَيْضًا: }وَلَا تَقْتُلُوا
أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا{ يَقُولُ ابْنُ سِعْدِيٍّ
أَيْضًا: أَيْ لَا يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا يَقْتُلُ الْإِنْسَانُ
نَفْسَهُ . وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْإِلْقَاءُ بِالنَّفْسِ إِلَى التَّهْلُكَةِ،
وَفِعْلُ الْأَخْطَارِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى التَّلَفِ وَالْهَلَاكِ .
فَصِحَّةُ
الْإِنْسَانِ فِي الدِّينِ لَهَا مَكَانَةٌ عَظِيمَةٌ ، وَالْمُحَافَظَةُ
عَلَيْهَا وَاجِبٌ مِنْ أَهَمِّ الْوَاجِبَاتِ ، وَلَا أَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ
قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ: ((مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي
سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأنَّمَا
حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا)) ، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ
فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ : ((
نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ
)) .
فَالْمُحَافَظَةُ
عَلى الصِّحَّةِ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - لَهَا أَهَمِّيَّةٌ كَبِيرَةٌ فِي
حَيَاةِ الْمُسْلِمِ ، وَهِيَ مِنَ الْوَاجِبَاتِ الدِّينِيَّةِ ، وَمَا لَا
يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، إِذَا فَقَدَ الْمُسْلِمُ
صِحَّتَهُ، عَجَزَ عَنِ الْقِيَامِ بِمَا أَوْجَبَهُ عَلَيْهِ رَبُّهُ ،
كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَطَلَبِ الْعِلْمِ وَالْكَسْبِ الْوَاجِبِ،
وَغَيْرِ ذَلِكَ . فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَاعْمَلُوا عَلَى حِفْظِ
صِحَّتِكُمْ ، بِتَمَسُّكِكُمْ بِتَوْجِيهَاتِ مَنْ وَلَّاهُ اللهُ أَمْرَكُمْ ،
الَّتِي فِيهَا طَاعَةٌ لِرَبِّكُمْ ، وَضَمَانٌ لِسَلَامَتِكُمْ بِإِذْنِ اللهِ
تَعَالَى .
أَقُولُ
قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ؛
فَاسْتَغْفِرُوهُ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، وَالشُّكْرُ لَهُ
عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ
وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ المُؤْمِنُونَ :
مِنْ
نِعَمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا ؛
أَنَّنَا فِي دَوْلَةٍ تَبْذُلُ الْغَالِيَ وَالنَّفِيسَ فِي سَبِيلِ صِحَّةِ
شَعْبِهَا، بَلْ حَتَّى الْمُقِيمِينَ عَلَى أَرْضِهَا، بَلْ حَتَّى الْمُخَالِفِينَ
لِأَنْظِمَتِهَا، وَهَذَا مِمَّا تَمَيَّزَتْ بِهِ بِلَادُنَا عَنْ غَيْرِهَا مِنَ
الْبُلْدَانِ، وَنَحْمَدُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ
عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنَّنَا - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - مَسْؤُولُونَ عَنْ
صِحَّتِنَا وَسَلَامَةِ أَنْفُسِنِا، يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ
وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : (( فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الْأَسَدِ ))
وَالْجُذَامُ مَرَضٌ مُعْدٍ، فَمَنْ لَمْ يَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ وَأَصَابَهُ
الْجُذَامُ فَهُوَ الْمَسْؤُولُ، وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي
الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنِ الطَّاعُونِ: (( مَنْ سَمِعَ بِهِ فِي أَرْضٍ فَلَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ )) فَمَنْ
خَالَفَ أَمْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَصَابَهُ
الطَّاعُونُ هُوَ الْمَسْؤُولُ ،الشَّاهِدُ أَنَّكَ أَخِي أَنْتَ الْمَسْؤُولُ
عَنْ صِحَّتِكَ، فَاعْمَلْ عَلَى حِفْظِهَا وَافْعَلِ الْأَسْبَابَ الَّتِي فِيهَا
سَلَامَتُهَا، وَاسْأَلِ اللهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ
سُبْحَانَهُ } وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ
بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا {
.
اللَّهُمَّ
إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ ، وَالْمُعَافَاةَ الدَّائِمَةَ فِي
الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ سَتْرَ
عَوْرَاتِنَا ، وَآمْنَ رَوْعَاتِنَا ، وَسَلَامَةَ أَرْوَاحِنَا وَأَبْدَانِنَا ،
اللَّهُمَّ احْفَظْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِينَا وَمِنْ خَلْفِنَا وَعَنْ يَمِينِنَا
وَعَنْ شِمَالِنَا وَمِنْ فَوْقِنَا ، وَنَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ نُغْتَالَ مِنْ
تَحْتِنَا . اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْوَبَاءَ ، وَادْفَعْ عَنَّا الْبَلَاءَ وَالْغَلَاءَ وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَّلَازِلَ
وَالْمِحَنَ وَسُوءَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، عَنْ بَلَدِنَا
هَذَا خَاصَّةً ، وَعَنْ سَائِرِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ عَامَّةً يَا رَبَّ
الْعَالَمِينَ. }رَبَّنَا آتِنَا فِي
الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ{ .
عِبَادَ اللهِ :
}إِنَّ اللَّهَ
يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فَاذْكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ
، وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ ،
وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|