بعض
فوائِد المَرَضِ والابتلاء
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ
باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ
فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
أيها الناس: اتقوا اللهَ تعالى, واعْلَمُوا
أَنَّ الإيمانَ لَيْسَ بالتَحَلِّي ولا بِالتَمَنِّي, ولكن ما وَقَرَ في القَلْبِ
وصَدَّقَتْه الأعمال. وإنَّ مِنْ أَعْظَمِ ما يَدُلُّ على صِحَّةِ الإيمانِ,
الصبرَ عِنْدَ المُصيبة, والرضا والتسليمَ. قال تعالى: { مَا أَصَابَ مِن
مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ }.
قال عَلْقَمَةُ: " هُوَ العَبْدُ المؤمن, تُصِيبُه المُصيبةُ, فَيَعْلَمُ
أَنَّها مِن عِندِ اللهَ, فَيَرْضَى وَيُسَلِّم ". وَيَجِبُ على المؤمنِ أَنْ
يَتَذَكَّرَ قَوْلَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ( إنَّما الصبرُ عندَ الصَّدْمَةِ
الأَولَى ), فَإِنَّ مِن الناسِ مَنْ تَصْدُرُ مِنْه عِبَاراتُ الرِّضَى بالقضاءِ
بَعْدَما يَقَعُ منه الجَزَعُ والتَسَخُّطُ, والتَلَفُّظُ بِما لا يَلِيقُ, أَو
بِما يَدُلُّ على عَدَمِ ضَبْطِ النفسِ. فَيَنْبَغِي لِلمؤمنِ أَنْ يَتَذَكَّرَ
ذلك دائِما حتى لا يَفُوتَهُ فَضْلُ الصبر, وجَزاءُ الصابرين.
عبادَ الله: هُناكَ مُسَلِّيَاتٌ عِنْدَ
المَصائِبِ, مَتَى ما تَذَكَّرَها المؤمنُ هانَتْ عَلَيْه كُلُّ مُصِيبَةٍ مَهْما
عَظُمَت:
أَوَّلُها: أَنْ يَعْلَم العبدُ بِأَنَّ
اللهَ قَدَّرها قَبْلَ وُقُوعِها, وَأَنَّ ذلك مَكْتُوبٌ قَبْلَ خَلْقِ السمواتِ
والأرضِ.
ثانيا: أن يَتَذَكَّرَ العبدُ ثَوابَ الصبرِ
على البَلاءِ والمُصِيبَةِ, سَواءً كان ذلك في النفسِ أو الأهلِ أو المال, قال رسولُ
الله صلى الله عليه وسلم: ( ما يَزالُ البَلاءُ بِالمؤمنِ والمؤمنةِ في نَفْسِهِ
وَوَلَدِه ومالِه، حَتى يَلْقَى اللهَ وما عَلَيْهِ خَطِيئَة ).
ثالثاً: أَنْ يَتَذَكَّرَ بِأَنَّ
الابتِلاءَ تَطْهِيرٌ لِلْعَبدِ مِن الخَطايا كَمَا تَقَدَّم, وكذلك دالٌّ على
الإيمانِ, ومَحَبَّةِ اللهِ لِلْعَبْدِ. قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( إن
عِظَمَ الجزاء مَعَ عِظَمِ البَلاءِ، وإنَّ اللهَ إذا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُم،
فَمَن رَضِيَ فَلَه الرِّضَا، و مَنْ سَخِطَ فَلَه السُّخْط ).
ومِمَّا يُسَلِّي العَبْدَ عِنْدَ البَلاءِ
والمُصيبَةِ: أَنْ يَتَذَكَّرَ العَبْدُ هَوَانَ الدنيا, فَإِنَّ ذلك مِنْ
أَعْظَمِ المُسَلِّيات, إِذْ ( لَوْ كانَت الدنيا تَعدِلُ عِنْدَ اللهِ جَناحَ
بَعُوضَةٍ ما سَقَى مِنْها كافراً شَرْبَةَ ماء ), وَمِن أَعْظَمِ ما يُزَهِّدُ في
الدنيا ويُسَلِّي عِنْدَ المُصِيبَةِ: تَذَكُّرُ الجَنَّةَ, التي فِيها مالا
عَيْنٌ رَأَتْ ولا أُذُنٌ سَمِعَت وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَر. فَإِنَّ ذلك
مِنْ أَعْظَمِ ما يُعِينُ عَلَى الصَّبْرِ وتَحَمُّلِ البَلاءِ, قالَ ابنُ
عَبَّاسٍ لِعَطاءِ بنِ أبي رباح: ( أَلا أُرِيكَ امْرَأةً مِنْ أَهْلِ الجنة؟
قُلْتُ: بَلَى، قال: هذِهِ المَرْأَةُ السَّوْداءُ، أَتَتْ النبيَّ صلى الله عليه
وسلم فقالت: إِنِّي أُصْرَعُ، وإني أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ لِي، قال: إِنْ
شِئْتِ صَبَرْتِ وَلِكِ الجنة. وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُعافِيَكِ.
قالت: أَصْبِرْ. قالت: فَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللهَ أَنْ لا أَتَكَشَّفُ,
فَدَعا لَها ). انْظُرُوا كَيْفَ رَضِيَتْ بِهذا البَلاءِ لَمَّا عَلِمَت بِأَنَّ
لَها الجنة. ولا يَعْنِي ذَلِكَ أَنَّ العَبْدَ يَسْتَدْعي البَلاءَ ويَتَمَنَّاه,
ولَكِنْ إِذا ابْتُلِيَ بِشَيْءٍ فَلْصْبِرْ كي يَنالَ ثَوابَ الصابِرِين. بَلْ
إِنَّ المَطْلُوبَ أَنْ يَسْأَلَ اللهَ العافِيَةَ في الدنيا والآخِرَة, وكانَ مِن
دُعاءِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( ومَتِّعْنِي بِسَمْعِي وبَصَري
وقُوَّتِي ما أَحْيَيْتَني ), ولَو خافَ مِن الأمراضِ وبَذَلَ أَسْبابَ السلامَةِ
مِنْها فلا حَرَج عليه, بِدَليلِ أَن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَسْتَعِيذُ
بالله مِن سَيِّيءِ الأسقام. فالخَوفُ مِن المَرَضِ أَمْرٌ طَبيعِي, ما لَمْ
يَصِلْ إلى حَدِّ الوَسْواسِ, كَمَا هُوَ حاصِلٌ اليَوْمَ, مِن بَعْضِ المسلمين,
بِسَبَبِ اتِشارِ بَعْضِ الفايْرُوساتِ, وما نَراه مِن الخَوفِ المُبالَغِ فيه,
والهَلَعِ الزائِدِ الذي لا يَلِيقُ بِأَنْ يَصْدُرَ مِن المؤمنين
المُتَوَكِّلِين, الذين يُوقِنُونَ حَقّ اليقين, أَنَّه لَنْ يُصِيبَهُم إلا ما
كَتَبَ اللهُ لَهُم, وأَنَّ ما أَصابَهُم لَمْ يَكُن لِيُخْطِئَهُمْ, وما
أَخْطَأَهُم لَمْ يَكْن لِيُصِيبَهٌم. باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ
الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ
الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ
الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ
للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن
لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ تَعْظِيماً لِشَأَنِهِ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً
عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا
بَعدُ
عِبادَ الله: المُؤْمِنُون يُوقِنُونَ بِأَنْ
المَرَضَ إِذا أصابَ أَحَداً مِن المؤمنين, فإنَّ لَه فَوائِدَ قَدْ مَرَّ ذِكْرُ
بَعْضِها. وَمِن فَوائِدِه: الرُّجُوعُ إلى اللهِ وإصْلاحُ الحال, فَإنَّ تعالى
قَدْ يَبْتَلي بِالفَقْرِ والأمْراضِ كَيْ يَرْجِعَ الناسُ إلى دِينِهِم, كَما قال
تعالى: ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم
بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ), والبَأْساءُ:
الفَقْرُ. والضَرَّاءُ: هي الأَمْراضُ المُتَنَوِّعَة. بَلْ إِنَّ فيه عِبَراً
ومَوَاعِظَ لِمَن يَعْتَبِرْ ويَتَفَكَّر!! أنْظُرُوا إلى الدُّوَلِ
المُتَقَدِّمَةِ في الصِّناعَةِ والطِّبِّ والاخْتِراعاتِ وصِناعَةِ القَنابِلِ
وأَسْلِحَةِ الدَّمارِ والمُفاعِلاتِ النَّوَوِيَّةِ, كَيْفَ بانَ ضَعْفُها
فَعَجِزَتْ أَنْ تُقاوِمَ فايْرُوساً لا يُرَى بِالعَيْنِ المُجَرَّدةِ. بَلْ
إِنَّ اللهَ قَدْ يَجْعَلُهُ آيَةً لِلمُؤمنين, يَحْصُل بِسَبَبِها إِذْلالُ
أَعْدائِهِم, وَوِقايَتُهُم مِن شُرُورٍ تُحيطُ بِهِم. فَتَفاءَلُوا يا عِبادَ
الله, واطْمَئِنُّوا, وافْرَحُوا بِأَنَّ اللهَ هداكُم لِلإيمانِ, وعَلَّمَكُمْ
سُبُلَ الوِقايَةِ مِن الشُّرُورِ, مِن خِلالِ التَوَكُّلِ على اللهِ, والدُّعاءِ,
وقِراءَةِ الأورادِ. واعْلَمُوا أَنَّ الخَوْفَ مِن الشِّرْكِ والبِدَعِ
والمَعاصِي, أَهَمُّ مِن الخَوفِ مِن الأَمْراضِ. واعْلَمُوا أَنَّ الخَوْفَ مِن
العَدْوَى لا داعِيَ له, لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نفاها فقال: ( لا عَدْوَى
), وقال: ( لا يُعْدِي شيءٌ ). وإذا كان هناكَ عَدْوَى مُؤَثِّرَةٌ, فَلا يُوجَدُ
شَيءٌ أَخْطَرُ مِن تَأَثِيرِ مَجالِسِ السُّوءِ, وجُلَساءِ السُّوءِ,
والرِّفْقَةِ السَيِّئَةِ, فَهِيَ الوَباءُ الحَقِيقِيُّ الذي يَجِبُ الحَذَرُ
والتَحْذيرُ مِنْه. قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: ( الرجُلُ على
دينِ خَلِيلِهِ, فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُم مَن يُخالِل ).
اللهم
اجعلنا ممن إذا أُعْطِيَ شكر, وإذا ابْتُلِيَ صبَر, وإذا أذنب استغفر، اللهم إنا
نعوذ بك من سيء الأسقام، ونستغفرك من جميع الذنوب والآثام يا ذا الجلال والإكرام،
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب
إليها من قول وعمل، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا
ذا الجلال والإكرام، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين
واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أصلح لنا ديننا
الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها
معادنا، واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم آت
نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليّها ومولاها، اللهم خلصنا من حقوق
خلقك، وبارك لنا في الحلال من رزقك، وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين، اللهم أصلح
أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم ألّف بين قلوب
المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام ونجهم من الظلمات إلى النور وانصرهم
على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان
المعتدين، اللهم احفظ لبلادنا دينها وأمنها وعزتها وعقيدتها وسيادتها، اللهم
انصرها على من يكيد لها في داخلها وخارجها، اللهم أخرجها من الفتن والشرور،
واجعلها أقوى مما كنت، اللهم أصلح أهلها وحكامها واجمع كلمتهم وألف بين قلوبهم
واجعلهم يدا واحدة على من عداهم يا قوي يا عزيز، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات
والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ( وَأَقِمِ
الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ
اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ) .
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|