رُؤْيَةُ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم في المنامِ
وَبَعْضُ أَحْكامِ الرُّؤَى
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ
باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ
فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عِبادَ اللهِ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى،
واعْتَصِمُوا بِحَبْلِهِ، وَابْذُلُوا وُسْعَكُمْ في اتّباعِ آثارِ نَبِيِّكُمْ
صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَحْشُرَكُمْ مَعَهُ، فَإنَّ
الْمَرْءَ يُحْشَرُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ، واعْلَمُوا أَنَّ مِنْ عَلاماتِ
مَحَبَّتِهِ، تَمَنِّي رُؤْيَتَهُ في الْمَنامِ، يقولُ النبيُّ صلى الله عليه
وسلم: ( مَنْ رآنِي في المَنامِ فَقَدْ رآني فإنَّ
الشيطانَ لا يَتَمَثَّلُ في صُورَتي ). ومَعْنَى (لَا
يَتَمَثَّلُ في صُورَتِي)، أيْ: أوصافِي. وإلا فإنَّ الشيطانَ قد
يَتَمَثَّلُ في الْمنامِ بِصفاتٍ على خِلافِ صِفاتِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه
وسلم، الْمعروفةِ الْمنقولةِ إلينا، لِيُوهِم الشخصَ أنه قَدْ رَأَى رسولَ اللهِ
صلى اللهُ عليه وسلم، وهو في الحقيقةِ لَمْ يَرَه.
وَعَلَى هذا
فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ: أنْ يَعْرِفَ صِفاتَ رسولِ
اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ الخَلْقِيَّةَ الْمَنْقُولَةَ عن الصحابةِ رضي الله
عنهم، مِنْ أنَّه: كان رَبْعَةً مِن الرِّجالِ،
أَيْ مُتَوَسِّطًا: لَيْسَ بالطويلِ البائِنِ، ولا بِالقَصِير. وأنه كان بَعِيدَ ما بَيْنَ الْمَنْكِبَيْن، أي: عَريضَ ما
بَيْنَ الْمَنْكِبَين. وأنه أبيضُ مُشْرَبٌ بِحُمْرَة
وَوَجْهُهُ كالقَمَرِ مُسْتديرٌ. وكان كَثَّ
اللِّحية. وَلَهُ شَعْرٌ يَضْرِبُ إلى
شَحْمَةِ أُذُنِه، أو ما بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِه وعاتِقِه. وكان ضَلِيعَ الفَمِ،
أَيْ: عَظِيمَ الفَمِ، وَوَاسِعَ الفَمِ. وكان
طَوِيلَ الْمَسْرُبَةِ، أَيْ: أَنَّ شَعْرَ صَدْرِهِ دَقِيقٌ وَطَويلٌ. وكان ضَخْمَ الكَرَادِيس. والكَرَادِيسُ: هِيَ
عِظامُ الأعضاءِ، كالرُّكْبَتَيْنِ، والْمِرْفَقَيْنِ، والْمَنْكِبَيْنِ. وكان إذا مَشَى أَسْرَعَ، كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ.
وتُوُفِّيَ وَلَيْسَ في شَعْرِ رأسِهِ ولِحْيَتِه
عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضاءَ.
نسألُ اللهَ، أنْ يَرْزُقنا رُؤْيَتَه،
وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَتْباعِهِ، وَأَنْ يَحْشُرَنا في زُمْرَتِه.
ثُمَّ اعْلَمُوا يا
عِبادَ اللهِ: أَنَّ الرُّؤَى أَنْواعٌ، وَلَها أَحْكامٌ، فَيَنْبَغِي
لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَعامَلَ مَعَها عَلَى وَفْقِ ما عَلَّمَنا رسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم. لِأَنَّها لَيْسَتْ مِن العِلْمِ الْمُكْتَسَبِ الذي
يَسْتَطِيعُ الإِنْسانُ أَنْ يَدْرُسَه. وَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الناسِ مِنْ
قَراءَةِ الكُتُبِ التي تَعْتَنِي بِالرُّؤَى، وَيَتَكَلَّفُ تَعَلُّمَ
التَّعْبِيرِ، سَواءً كانَ ذلكَ في الأُمُورِ التي تَخُصُّهُ، أَوْ لِيَكُونَ
مُعَبِّرًا، فَإنَّه مِنْ الأَسالِيبِ الخاطِئَةِ، فَإنَّكَ تَرَى أَحْيانًا
عالِمًا ذَكِيًّا، لَكِنَّه لا يُحْسِنُ تَعْبِيرَ الرُّؤَى.
وَيَجِبُ عَلَى
مَنْ لَهُ اهْتِمامٌ بِتَعْبِيرِ الرُّؤَى، أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ، وَأَنْ
لا يَتَكَلَّمَ إلا بِعِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ وَمَعْرِفَةٍ، لِأَنَّ تَعْبِيرَ الرُّؤَى
بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَسادٌ وَعَبَثٌ بِعُقُولِ الناسِ، وفَتْوَى بِغَيْرِ عِلْمٍ،
واسْتِغْلالٌ لِعَواطِفِ الناسِ، خُصُوصًا مَعَ سُهُولَةِ التَّصَدُّرِ لِهذا الْمَجالِ
مِن خِلالِ وَسائِلِ التَّواصُلِ التي اسْتَغَلَّها كَثِيرٌ مِن الدَّجَّالِينَ
وَالْمُتَلاعِبِينَ والْمُتاجِرينَ، الذينَ جَعَلُوا هذا المجالَ بابًا
للشُّهْرَةِ وَكَسْبِ المالِ.
وَيَنْبَغِي
لِلمُسْلِمِ أَنْ لا يَهْتَمَّ كَثِيرًا بِمَا يَرَى في مَنامِهِ، لِأَنَّ
بَعْضَ الناسِ كُلَّمَا رَأَى شَيْئًا في مَنامِهِ، انْشَغَلَ بِالبَحْثِ عَمَّنْ
يَعْبُرُ رُؤْياهُ. قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( الرُّؤْيا مِن اللهِ، والحُلْمُ مِن الشَّيْطانِ، فَإِذا
رَأَى أَحَدُكُمْ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسارِهِ ثَلَاثَ
مَرَّاتٍ، وَيَتَعوَّذْ بِاللهِ مِنْ شَرِّها، فَإِنَّها لَا تَضُرُّهُ،
وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الذي كانَ عَلَيْهِ ). وَفي رِوايَةِ: ( وَلَا يُخْبِرْ بِها أَحَدًا ) وَقَال أَبُو
سَلَمَةَ: وَإِنْ كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا أَثْقَلَ عَلَيَّ مِنْ الجَبَلِ،
فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ هذا الحديثَ فَمَا أُبالِيها.
فاحْمَدِ اللهَ عَلى هذا التَّوْجِيهِ
النَّبَوِيِّ الكَرِيمِ، فَإذا رَأْيْتَ ما يُحْزِنُكَ أَو يُخِيفُكَ، فَاْفْعَلْ
ما وَرَدَ في هذا الحَدِيثِ، وإذا كُنْتَ عَلَى أَحَدِ جَنْبَيْكَ فانْقَلِبْ إلى
الجَنْبِ الآَخَرِ، فَإنَّها لَنْ تَضُرَّكَ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ( الرُّؤْيَا مِن اللهِ )، أيْ التي فِيها بِشارَةٌ
بِخَيْرٍ، أَوْ تَحْذِيرٌ مِن شَرٍّ، أَوْ تَنْبِيهٌ عَلَى شَيءٍ يَجْهَلُهُ.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم
فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ
الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ
الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحَمدُ للهِ الْواحدِ الأحدِ الصمدِ الذّي لَمْ يَلدْ وَلَمْ يُولدْ
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحد، فَاطرِ السِّمَاواتِ وَالأَرْضِ، جَاعَلِ الْمَلائكَةِ
رُسُلاً أُوْلِي أَجْنِحةً مَثْنَى وَثلاثَ وَرباعَ، يَزِيدُ فِي الْخَلِقِ مَا يَشاءُ،
إنّ اللهَ على كُلِّ شَيءٍ قَدِير، مَا يَفْتَحِ اللهُ للنِّاسِ مِنْ رَحمةٍ فَلا
مُمسكَ لها، وَمَا يُمسكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم،
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ
وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد:
عِبادَ اللهِ: يَجِبُ
عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَحْذَرَ مِن الكَذِبِ في الرُّؤْيَا، فَإنَّ
بَعْضَ الناسِ يَقُولُ: رَأَيْتُ في المَنامِ كَذا، وَهُوَ يَكْذِبُ، قال رسولُ
اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ( مَنْ تَحَلَّمَ
بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ، كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ ) ،
أيْ: مَنْ كَذَبَ في رُؤْياه، سَيُعَذَّبُ حَتَّى يُكَلَّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ
حَبَّتَيْنِ مِن الشَّعِيرِ، وَلَنْ يَسْتَطِيعَ.
ثُمَّ اعْلَمُوا يا
عِبادَ اللهِ: أَنَّ الأَحْكامَ الشَّرْعِيَّةَ، لا تُؤْخَذُ مِن الرُّؤَى
والْمَناماتِ، وإِنَّمَا تُؤْخَذُ مِن أَدِلَّةِ الكِتابِ والسُّنَّةِ، فَلَا
يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى رُؤْيا حُكْمًا شَرْعِيًّا. وَكَذلكَ لا
يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْعَلَها مَرْجِعًا لِلتَّوْجِيهِ في أُمُورِ الفِتَنِ
وأَشْراطِ الساعَةِ والأُمُورِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، وَلِأَنَّ الشَّيْطانَ كَثِيرًا
ما يَتَلاعَبُ بِالناسِ مِنْ خِلالِ الرُّؤَى والْمَناماتِ.
اللهم علمنا ما يَنْفَعُنا وانْفَعْنا بِما عَلَّمتَنا. اللهم
وَفِّقْنا لِلْعَمَلِ بِكتابِك وسنةِ نبيِّك على الوجهِ الذي يُرْضيك عَنَّا يا رب
العالمين، اللهم خلصنا من حقوق خلقك، وبارك لنا في الحلال من رزقك، وتوفنا مسلمين
وألحقنا بالصالحين، اللهم أعزَّ الإسلام
والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحمِ حوزةَ الدين وانصر عبادك المؤمنين في كل
مكان، اللهم ارفع البلاء عن الْمستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم
احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين، اللهم وفق ولاة أمرنا بتوفيقك،
وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا ذا
الجلال والإكرام، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم
والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ
تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ
يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|