بعض
خصال أهل الجاهلية ( مَزِيدَة )
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ
وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا،
مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.
أمّا بعد،
عبادَ الله: اتقوا اللهَ تعالى, واحذَرُوا مِن
أسبابِ سَخَطِه, واحْذَروا خِصالَ أهْلِ الجاهلية, فإنَّها تَكْثُرُ حِينَما
يَضْعُفُ التوحيدُ في النَّفُوس, قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ( أَرْبَعٌ
في أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الجاهليةِ لا يَتْرُكُونَهُن: الفَخْرُ بالأحسابِ,
والطعنُ في الأنسابِ, والاستسقاءُ بالنجومِ, والنياحة. وقال: النائِحَةُ إذا لَمْ
تَتُب قَبْلَ مَوْتِها تُقامُ يَوْمَ القيامةِ وعَلَيْها سِرْبالٌ مِن قَطِرانٍ
ودِرْعٌ مِن جَرَب ).
أَرْبَعٌ في أُمَّتِي مِن أَمْرِ الجاهليةِ
لا يَتْرُكُونَهُن: أَيْ مِن أفعالِ أهلِ الجاهليةِ وأخلاقِهِم السَّيِّئَةِ التي
تَتَنافَي مَعَ كَمالِ التوحيدِ وصِدْقِ الإيمان. والمُرادُ بالجاهليةِ هُنا: ما
قَبْلَ بِعْثَةِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم. سُمُّوا بِذلك لِفَرْطِ جَهْلِهِم
وَزَيْغِهِم عنِ الصراطِ المستقيمِ في عقائِدِهِم وعباداتِهِم وأخلاقِهِم.
وقَوْلُهُ: الفَخْرُ بالأحساب: أَيْ
التَشَرُّفُ بالقَبِيلَةِ أو بالآباءِ, والتَعَاظُمِ بِذِكْرِ مَناقِبِهِم
ومَآثِرِهِم وفَضائِلِهِم على وَجْهِ المُفاخَرَةِ والتَعاظُمِ والرِّفْعَةِ على
الآخَرِين, وذلك جَهْلٌ عَظِيمٌ, إِذْ لا شَرَفَ إلا بِالتقوى, كما قال تعالى: (
جَعَلناكُم شُعُوبًا وقَبَائِلَ لِتَعارَفُوا ): لا لِتَفَاَخَرُوا. ( إِنَّ
أَكْرَمَكُم عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُم ). وقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (
يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ
الْجَاهِلِيَّةِ وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا, فَالنَّاسُ رَجُلاَنِ, رَجُلٌ بَرٌّ
تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ, وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ,
وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ, وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ ).
وقَوْلُهُ: والطعنُ في الأنسابِ: أَيْ
الوُقُوعُ فِيها بِالذَّمِّ والعَيْبِ أَوْ يَقْدَحُ في نَسَبِ أَحَدٍ مِن الناسِ
أو قَبِيلَتِهِ أَوْ جِنْسِيَّتِهِ أو لَوْنِه. وسَبَبُ التفاخُرِ أو الطَّعْنِ,
هُو سُوءُ التَرْبِيَةِ, ونَقْصُ التوحيدِ في القَلْبِ وضَعْفُ جانِبِ الأُخُوَّةِ
الإيمانيةِ, والكِبْرُ والعُجْبُ. وهذِهِ هِيَ العُنْصُريَّةُ المَقِيتَةُ التي
تُنافِي كمالَ التوحيد. وأما الحُبُّ في اللهِ والبُغْضُ في اللهِ, والوَلاءُ
والبَراءُ, فليسَ عُنْصُرِيَّةً, كما
يَدَّعِيه بَعْضُ مَن لَمْ يَتَرَبَّى على التوحيدِ ولَمْ يَعْرِف حَقِيقَتَه. بل
هو أَوْثَقُ عُرَى الإيمانِ, وأعْظمُ علاماتِ كمالِ التوحيد. وأبْرَزُ صِفاتِ
أَوْلِياءِ اللهِ الذين يَنْصُرُ بِهِم دِينَه, ويُعْلِي بِهِم كَلِمَتَه, كما قال
تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ
فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ
وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ).
وَقَوْلُهُ: والاستسقاءُ بالنُّجُوم: أَيْ
نِسْبَةُ السُّقْيَا وَمَجِيءِ المَطَرِ إلى النُّجُومِ والأَنْواءِ, قال زيدُ بنُ
خالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضي اللهُ عنه: صَلَّى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صلاةَ
الصبحِ بالحديبيةِ عَلَى إِثْرِ سماءٍ كانت مِن الليلِ ثُم أَقْبَلَ على الناسِ
بِوَجْهِه فقال: ( هَلْ تَدْرُون ماذا قال ربُّكُم؟ قالوا: اللهُ ورسولُه أَعْلَم!
قال: يَقُول: أَصْبَحَ مِن عِبادِي مُؤمنٌ بِي وكافر. فأمَّا مَنْ قال: مُطِرْنا
بِفَضْلٍ اللهِ ورحمتِه, فذلك مُؤمِنٌ بِي, كافرٌ بالكَوْكَب، وأمّا مَنْ قال:
مُطرِنا بِنَوْءِ كَذَا وكَذَا, فَذلك كافرٌ بِي مُؤْمِنٌ بالكَوْكَب ). أَيْ:
أَنَّهُ يقول: لَمَّا طَلَعَ النَّجْمُ نَزَلَ المَطَر. قال أَهْلُ العِلُم: إذا كان يَعْتَقِدُ أَنَّ
النَّجْمَ له تأثيرٌ بِذاتِه فهذا شِركٌ أَكْبَر، وإذا كان يَعْتَقِدُ أَنَّ
النَجْمَ سَبَبٌ لِنُزُولِ المَطَرِ, فهذا شِركٌ أصغر, لِأَنَّ اللهَ جَعَلَ
النُجُومَ عَلاماتٍ ولَمْ يَجْعَلها أسباباً لِتَغَيُّرِ الأحوالِ الكَوْنِيَّةِ
والحَوَادِثِ الأَرْضية, كما قال تعالى: ( وعَلاماتٍ وبالنَّجْمِ همْ يَهْتَدُون
). ويَدْخُلُ في ذلك نسبةُ المَطَرِ إلى المُنْخَفَضِ الجَوِّيِّ, وتَعْلِيقُ
نُزُولِ المَطَرِ بِذلك, فإنَّهُ من أمورِ الجاهليَّةِ التي تَصْرِفُ المُؤمنين عن
تَعَلُّقِهِم بِرَبِّهِم.
ويَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ الناصِحِ
لِنَفْسِهِ, الحَريصِ على عَقيدَتِه, أَن لا يُبالِغَ في مُتابَعَةِ التَوَقُّعاتِ
المُسْتَقْبَلِيَةِ المُتَعَلِّقَةِ بِنُزُولِ المَطَرِ, لأنه مَهْما كَثُرَ
الكَلامُ عَنْها, فإنَّها مِنْ مَفاتِحِ الغَيْبِ التي اخْتَصَّ اللهُ بها.
باركَ
اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه
مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ
لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ
عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا
اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ تَعْظِيماً لِشَأَنِهِ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ
وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ
عبادَ الله: وأَمَّا الخَصْلَةُ الجاهليةُ
الرابِعَةُ, فهي في قَولِهِ عَلَيهِ الصلاةُ والسلام: ( والنائِحَةُ إذا لَمْ
تَتُب قَبْلَ مَوْتِها ): والنائِحة: هي التي يَصْدُرُ مِنْها عِنْدَ المُصيبةِ
بَعْضُ الأفعالِ التي تُنافِي الصَّبْرَ والرِّضَا بِالقَدَرِ, كَرَفْعِ الصَّوْتِ
أَوْ تَقْطِيعِ الشَّعْرِ أو شَقِّ الثَّوْبِ. قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه
وسلم: ( أنا بَرِيءٌ مِن الصَّالِقَةِ والْحالِقَةِ والشَّاقَّة ). والصَّالِقَةُ
هي: التي تَرْفَعُ صَوْتَها عِنْدَ المُصيبَةِ. والحالِقَةُ: هي التي تُقَطِّعُ
شَعْرَها عِنْدَ المُصيبةِ. والشَّاقَّةُ: هِيَ التي تَشُقُّ ثَوْبَها عِنْد
المُصيبة. وهذا العَمَلُ إذا كان مُحَرَّمًا عَلَى المَرْأَةِ الضعيفة, فَهُو في
حَقِّ الرَّجُلِ مِن بابِ أَوْلَى. وَهُوَ مِن كبائِرِ الذُّنُوب, وعُقُوبَتُه
شَدِيدَةٌ كما سَمِعتُم في الحديث, ( تُقامُ يَوْمَ القيامةِ وعَلَيها سِرْبالٌ
مِن قَطِرانٍ ودِرْعٌ مِن جَرَب ). والسِّرْبالُ: وَاحِدُ السَّرابِيلُ, وَهِي
الثِّيابُ والقُمُصُ, يَعْنِي أَنَّهُنُّ يُلَطَّخْنَ بالقَطِرانِ, وهو النُّحاسُ
المُذُابُ بالنارِ, يَكُونُ لَهُنَّ كالقَمِيصِ, حَتى يَكونَ اشتِعالُ النارِ
والتِصاقُها بِأجسادِهِنَّ أعظَمَ, ورائِحَتُهُنَّ أَنْتَنَ, وأَلَمُها أَشَدَّ,
بِسَبَبِ الجَرَبِ. مَا لَمْ تَتُبْ إلى اللهِ مِن هذا العملِ قَبْلَ
مَوْتِها.
نسألُ اللهَ الرِّضا بالقضاء, وأن
يَرْزُقَنا مِن اليقينِ ما يُهَوِّنُ به علينا مَصائِبَ الدُّنْيا، اللهم علمنا ما
ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام, اللهم خلصنا من
حقوق خلقك، وبارك لنا في الحلال من رزقك، وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين، اللهم
أصلح قلوبنا وأعمالنا وأحوالنا، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أنزل على
المسلمين رحمة عامة وهداية عامة يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجمع كلمة المسلمين
على كتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم اجعل كلمتهم واحدة ورايتهم
واحدة واجعلهم يداً واحدةً وقوة واحدة على من سواهم، ولا تجعل لأعدائهم منةً عليهم
يا قوي يا عزيز، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم انصر
المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين، اللهم انصر
المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان،
اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين، اللهم احفظ بلادنا مما يكيد
لها، اللهم احفظ لهذه البلاد دينها وأمنها وعزتها وعقيدتها وسيادتها، وأصلح أهلها
وحكامها يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات
الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، اللهم أنت الله لا إله إلا
أنت, أنت الغني ونحن الفقراء, أنزل علينا الغيث, واجعل ما أنزلت لنا قوةً وبَلاغاً
إلى حين. اللهم أنزل علينا من السماء ماءً مباركاً, تُغيثُ البلادَ والعبادَ, وتَعُمُّ
به الحاضِرَ والبَاد يا أرحم الراحمين . اللهم أغثنا، اللهم أغثنا اللهم أغثنا . اللهم
لا تردنا خائبين، اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها
هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|