خِصالُ
الخَيْر
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ
وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا،
مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.
أمّا بعد،
عباد الله: اتقُوا اللهَ تعالى, واعلمُوا أن
اللهَ سبحانه, قد نَوَّعَ أبوابَ الخيرِ وطُرُقَه, كيْ يَسُهُلَ على العبدِ فِعْلُ
الطاعاتِ والاستكثارُ مِنَ الحسنات. وأَفْضَلُ هذه الحسنات: ما جَمَع بينَ حقِّ
اللهِ, وحَقِّ عبادِه. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله
عليه وسلم: ( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُم اليَومَ صائِما؟ قال أبو بَكْرٍ أنا، قال:
فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُم اليَوْمَ جَنازة؟ قال أبو بكرِ أنا. قال: فَمَن أطعَمَ
مِنْكم اليَومَ مِسْكِينا؟ قال أبو بكرٍ أنا، قال: فَمَن عادَ مِنكُم اليَوْمَ
مَريضا؟ قال أبو بكرٍ أنا، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ما اجْتَمَعْنَ
في امْرِئٍ إلا دَخَل الجنة ). فتضمَّن هذا الحديثُ أربعةَ أعمالٍ عظيمةٍ
مُتَنَوِّعةٍ مِنْ نوافِلِ العبادات, إذا اجتمعنَ في امْرئٍ في يومٍ واحدٍ دَخَلَ
الجنة.
أوَّلُها: الصيام، وهذا السؤالُ مِن النبيِّ
صلى الله عليه وسلم وَرَدَ في صَوْمِ التَطَوُّعِ, إِذْ لَوْ كان مِنْ رَمَضانَ
لَمْ يَسْأَلْ لأنَّ الجَمِيعَ صائِم. وفَضْلُ الصَّوْمِ عَظيم, سَواءً كان فرضاً
أو نفلاً, قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ( قال اللُه عَزَّ وَجَلّ: كُلُّ
عَمَلِ ابنِ آدمَ له إلا الصَّوْمَ فإنه لي وأنا أَجْزِي به ). وهذا يَدُلُّ عَلَى
أَنَّ ثَوابَ الصيامِ يُضَاعَفُ أَكْثَرَ مِن سبعمِائةِ ضِعْفٍ. كَثْرَةً لا
يَعْلَمُها إلا اللهُ وَحْدَه.
وقال رسولُ
اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( إن في الجَنّةِ بابا يُقالُ له الرَّيَّان، يَدْخُلُ
مِنْهُ الصائمُون يَوْمَ القيامةِ، لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُم، يُقالُ:
أَيْنَ الصائمون؟ فيقومُون لا يَدْخُلُ مِنْه أَحَدٌ غَيْرُهُم، فإذا دَخَلُوا
أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ ).
الثاني: مِن الأعمالِ المُجْتَمِعَةِ في هذا
الحديث: اتِّباعُ الجَنائز. أي, الصلاةُ على المَيِّتِ, ثُم اتِّباعُ جنازَتِه إلى
أن يُفرَغَ مِن دفنِها. وفي اتِّباعِ الجنازة فضلٌ عظيمٌ آخَر, وهو قَوْلُه صلى
الله عليه وسلم: ( مَنْ تَبِعَ جَنازَةَ مُسْلِمٍ إيماناً واحتساباً, وكان مَعَها
حتى يُصَلَّى عليها ويُفْرَغَ مِنْ دَفْنِها, فإنه يَرْجِعُ مِن الأَجْرِ
بِقِيراطَيْن, كل قيراطٍ مثلُ أحد, ومَنْ صلى عليها ثم رجع قبلَ أن تُدْفَن, فإنه
يَرْجعُ بِقِيراط ). وهذا الثوابُ لا يَحْصُلُ إلى لِمَنْ احْتَسَبَ الأَجْرَ
عِنْدَ الله, لِقولِه: ( إيماناً واحتسابا ). فإن بَعْضَ الناسِ قد يَشْهَدُ
الجَنازةَ, ولكنه يَفْعَلُ ذلك مُجاملَةً, أو خوفاً مِن لَومِ الناسِ,
ومُعاتَبَتِهِم.
الثالثُ مِنَ الأعمال: إطعامُ مِسْكين،
والعِنايَةُ بإطعامِ المسكين مِن خِصالِ الأَبْرار، قال تعالى: ) فلا اقْتَحَمَ
العَقَبَةَ * وما أَدْراكَ ما العَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعامٌ فِي
يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَة * يَتِيمًا ذا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكينًا ذا مَتْرَبَة ).
ومَدَحَ اللهُ تعالى المُطْعِمِينَ فقال: ( وَيُطْعِمُونَ الطعامَ على حُبِهِ
مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وأَسِيرا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُم لِوَجْهِ اللهِ لا نُريدُ
مِنْكُم جَزَاءً ولا شُكُورا ). ثم اعلموا يا عبادَ اللهَ, أن إطعامَ المساكين
يكونُ في بعضِ الأحيانِ واجباً وليس مُستَحَباً, وذلك حينما يكون المسكينُ
مَنْسِيًّا لا يَتَفَقَّدُهُ أحد, ولا يُطْعِمُهُ أَحَد. ولذلك جعلَ اللهُ تعالى
ترْكَ إطعامِ المسكين مِنْ أوصافِ أهل النار. كما في قولِهِ تعالى: ( قالوا لم
نَكُ مِن المصلين * ولم نكُ نُطْعِمُ المسكين ). وقال تعالى: ( أرأيتَ الذي
يُكَذِّبُ بالدين * فذلك الذي يَدُعُّ اليتيم * ولا يَحُضُّ على طعامِ المسكين ).
الرابع من الأعمال: عِيَادَةُ المَريض،
وقَدْ وَرَدَت أَدِلَّةٌ كَثيرةٌ في فَضْلِ عِيادَةِ المَريضِ والحَثِّ علَيها,
لأنَّها مِن حَقِّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( ما مِنْ رَجُلٍ يَعُودُ مَريضا مُمْسِيًا إلا خَرَجَ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلفَ
مَلَكٍ يَسْتَغْفِرونَ له حَتَّى يُصْبِح، وكان له خَرِيفٌ في الجَنَّة، ومَنْ
أتاه مَصْبَحًا خَرَجَ مَعَه سَبْعونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرونَ لَهُ حَتى
يُمْسِي، وكان لَهُ خَريفٌ في الجنة ).
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ
الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ
الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ
الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ
عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا
اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ تَعْظِيماً لِشَأَنِهِ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ
وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ
عباد الله: وفي الحديثِ الذي سَمِعْتُم,
فَضِيلَةُ أبي بكرٍ الصديقِ رضي الله عنه، الذي دائِما ما تَجْتَمِعُ فيه خِصالُ
الخَيْرِ التي يَنْفَرِدُ بها دُونَ غَيْرِه. بَلْ إن كثيراً مِنْ فَضائِلِهِ رضي
اللهُ عَنْه لا يُشارِكُهُ فيها أَحَدٌ مِنَ الصحابةِ رضي اللهُ عنه. فَهُو
أَسْبَقُ الصحابةِ على الإطلاقِ إلى الخيرِ, خُصوصاً ما يَتَعَلَّقُ بِنُصْرَةِ
دينِ الله, ومؤازرةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وهو المقصودُ في قولِهِ
تعالى: ( ثانِي اثنينِ إِذْ هُمَا في الغارِ إذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ
إِنَّ اللهَ مَعَنا ). بَلْ لَمْ يَرِدْ وَصْفُ الصُّحْبَةِ في القُرْآنِ إلا
فِيهِ رضي اللهُ عَنْهُ. وقالَ فيه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( إنَّ
أَمَنَّ الناسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ ومالِه: أبا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ
مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الأرضِ خَلِيلا, لاتَّخَذْتُ أبا بكر، ولكن أُخُوَّةُ
الإسلامِ وَمَوَّدَّتُه ). ويَدُلُّ هذا الحديثُ أيضاً: على أَنَّ المُؤْمنَ
الكامِلَ الإيمان, هو الذي يَجْتَمِعُ فيه الإحسانُ في أَداءِ حَقِّ اللهِ,
والإحسانُ في القيامِ بِحُقُوقِ المؤمنين أحياءً وأمواتا. فَفِي هذا الحديثِ:
تَحْقِيقُ عِبادةِ الصيامِ, وهو مِنْ أَعْظَمِ العبادات, وهو سِرٌّ بَيْنَ
العَبْدِ وَبَيْنَ رَبِّه. وفِيهِ أيضاً عِيَادَةُ المَرْضَى والإحسانُ إليهِم
بالدعاءِ ومُوَاساتِهِم. وفيه أيضاً الإحسانُ إلى المساكينِ بإطعامِهِم
وَتَفَقُّدِ أَحْوالِهِم. وفيه أيضاً اتِّباعُ جَنازةِ المُسلٍم والدُّعاءُ له
بالرحمةِ والمَغْفِرة. فهذِهِ الأعمالُ العظيمة, تَجْمَعُ بَيْنَ النَّفْعِ
الخاصِّ والنَّفْعِ العام.
نسأل الله أن يجمع فينا خصالَ الخير وأن
ييسرها لنا بحوله وقوته، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم علمنا ما
ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم
احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا
تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، واجمع كلمتهم واجعل
رايتهم واحدةً ، ولا تجعل لعدوهم منةً عليهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ألّف
بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام ونَجّهم من الظلمات إلى النور
وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم
احقن دماء المسلمين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم انصر
جنودنا، اللهم انصر جنودنا، اللهم انصر جنودنا، اللهم اربط على قلوبهم وثبت أقدامهم
وقوي عزائمهم واشف مرضاهم وتقبل موتاهم في الشهداء، اللهم احفظ لبلادنا أمنها،
واحفظها ممن يكيد لها، وأصلح أهلها وحكامها يا أرحم الراحمين.
اللهم
أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت
لنا قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء
أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أنت الله لا إله
إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً
ومتاعاً إلى حين، اللهم أغثنا، غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً، سحاً غدقاً، نافعاً
غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحيي بلدك
الميت، اللهم أنزل علينا من السماء ماء مباركاً تُغيث به البلاد والعباد وتعُمَّ
به الحاضر والباد، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك من
جميع ذنوبنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا اللهم صلِّ وسلم على نبينا
محمد .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها
هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119 |