فضل
الحوقلة
إِنَّ
الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ
أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ
يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ
لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى
آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
اتقوا الله تعالى
وراقبوه حق مراقبته، واعملوا بطاعته واحذروا معصيته، وأكثروا من ذكره وتعظيمه،
واعلموا أن من الكلمات العظيمة التي جاءت النصوصُ بتفضيلها وبيانِ عِظم شأنها قول
:" لا حول ولا قوة إلاَّ بالله"، فمنها قول الله تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ
أَمَلاً )، فسر بعض الصحابة "الباقيات الصالحات" بأنها " لا حول
ولا قوة إلاَّ بالله" منهم عثمان وابن عمر رضي الله عنهما ومنها ما ثبت في
الصحيحين أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه
"يا عبد الله ابن قيس، قل: لا حول ولا قوة إلاَّ بالله فإنَّها كنزٌ من كنوز
الجنة"، أو قال: "ألا أدلُّك على كلمة هي كنزٌ من كنوز الجنة؟ لا حول
ولا قوة إلاَّ بالله" . ومنها ما رواه الترمذي والحاكم من حديث عبد الله بن
عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما
على الأرض رجل يقول لا إله إلاَّ الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا حول
ولا قوة إلاَّ بالله، إلاَّ كُفِّرت عنه ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر"،
ومنها ما رواه الإمام أحمد والترمذي وابن حبان وغيرهم عن أبي أيوب الأنصاري رضي
الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به مرَّ على إبراهيم على نبينا
وعليه الصلاة والسلام فقال: "يا محمد مُرْ أمَّتَك أن يكثروا من غراس الجنة،
قال: وما غراس الجنة؟ قال: لا حول ولا قوة إلاَّ بالله" .
وكلُّ هذا يدلُّ بجلاء
على عِظم فضل هذه الكلمة ورِفعة شأنها، وأنَّها كلمةٌ عظيمةٌ جليلةٌ ينبغي على
المسلمين أن يعنوا بها وأن يكثروا من قولها، وأن يعمروا أوقاتهم بكثرة تردادها
لعِظم فضلها عند الله، ولكثرة ثوابها عنده، ولما يترتَّب عليها من خيرات متنوّعة،
وأفضال متعدّدة في الدنيا والآخرة.
ومن الأمور اللازمة في
هذا الباب والمتأكّدة على كلِّ مسلم: أن يفهم مدلولَ هذه الكلمة ومعناها؛ ليكون
ذكره لله بها عن علم وفهم وإدراكٍ لمدلول ما يذكر اللهَ به، أمَّا أن يردِّد
المسلم كلاماً لا يفهم معناه، أو ألفاظاً لا يدرك مدلولها، فهذا عديمُ التأثير
ضعيفُ الفائدة، ولهذا فإنَّه لا بدَّ على المسلم في هذا الذِّكر، بل وفي كلِّ ما
يذكر الله به أن يكون عالماً بمعنى ما يقول، مدركاً لمدلوله؛ إذ بذلك يؤتي
الذِّكرُ ثمارَه، وتتحقّقُ فائدتُه،
فهي كلمة إسلامٍ
واستسلامٍ، وتفويض وتبرّؤٍ من الحَول والقوَّة إلاَّ بالله، وأنَّ العبدَ لا يملك
من أمرِه شيئاً، وليس له حيلةٌ في دفعِ شرٍّ، ولا قوّةٌ في جلبِ خيرٍ إلاَّ بإرادة
الله تعالى. فلا تحوّل للعبد من معصية إلى طاعة، ولا من مرض إلى صحة، ولا من وهنٍ
إلى قوة، ولا من نقصان إلى كمال وزيادة إلاَّ بالله، ولا قوَّة له على القيام بشأن
من شؤونه، أو تحقيق هدفٍ من أهدافه أو غاية من غاياته إلاَّ بالله العظيم, فما شاء
كان كما شاء في الوقت الذي يشاء، على الوجه الذي يشاء من غير زيادة ولا نقصان، ولا
تقدّم ولا تأخر، له الخلق والأمر، وله الملك والحمد، وله الدنيا والآخرة، وله
النِّعمة والفضل، وله الثناء الحسن، شملت قدرتُه كلَّ شيء، {إِنَّمَا أَمْرُهُ
إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونَ}.
فهي كلمةٌ عظيمةٌ تعني
الإخلاص لله وحده بالاستعانة، كما أنَّ كلمةَ التوحيد لا إله إلا الله تعني
الإخلاص لله بالعبادة، فلا تتحقق لا إله إلا الله إلاَّ بإخلاص العبادة كلِّها
لله، ولا تتحقّق لا حول ولا قوة إلاَّ بالله إلاَّ بإخلاص الاستعانة كلِّها لله،
وقد جمع الله بين هذين الأمرين في سورة الفاتحة أفضل سورة في القرآن وذلك في قوله:
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، فالأول تبرؤٌ من الشرك، والثاني
تبرؤٌ من الحول والقوة والتفويض إلى الله عز وجل, ولهذا يخطئ من يستخدمها في غير
بابها، أو يجعلها في غير مقصودها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وذلك أنَّ هذه الكلمة (أي: لا حول ولا قوة إلاَّ بالله) هي كلمة استعانة لا
كلمة استرجاع، وكثيرٌ من الناس يقولها عند المصائب بمنزلة الاسترجاع، ويقولها
جزعاً لا صبراً"
بارك
الله لي ولكم في القرآن الكريم ، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول ما
تسمعون وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين ، إن ربي غفور رحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد
أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي
إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا. أما
بعد:
عباد الله: وحول هذه
الكلمة العظيمة يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وقول: لا حول ولا قوة
إلاَّ بالله يوجب الإعانة؛ ولهذا سنَّها النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال
المؤذِّن: حي على الصلاة، فيقول المجيب: لا حول ولا قوة إلاَّ بالله، فإذا قال: حي
على الفلاح، قال المجيب: لا حول ولا قوة إلاَّ بالله، وقال المؤمن لصاحبه:
{وَلَوْلاَ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ
بِاللهِ} ، ولهذا يُؤمر بهذا من يخاف العين على شيء، فقوله: ما شاء الله، تقديره:
ما شاء الله كان، فلا يأمن، بل يؤمن بالقدر، ويقول: لا قوة إلاَّ بالله، ولا ريب
أنَّ أنفعَ الدعاء وأفضلَه للعبد هو طلبُه من الله العونَ على مرضاته والتوفيقَ
لطاعته، وهو الذي علَّمه النبي صلى الله عليه وسلم لِحِبِّه معاذ ابن جبل رضي الله
عنه فقال: "يا معاذ، والله إني لأحبُّك، فلا تنسَ أن تقول دُبر كلِّ صلاة:
اللَّهمَّ أَعِنِّي على ذكرِك وشكرك وحسن عبادتك"، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن
تيمية رحمه الله: "تأمَّلتُ أنفعَ الدعاء، فإذا هو سؤال العون على مرضاته، ثم
رأيته في الفاتحة في {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.
= اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم
إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا
يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت يا ذا الجلال
والإكرام، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم
زيّنّا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين، اللهم لا تحرمنا خير ما عندك من الإحسان
بشر ما عندنا من الإساءة والعصيان، وادفع عنا وعن المسلمين كل شر ومكروه بمنك
وكرمك وتوفيقك يا أرحم الراحمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم ارحم المستضعفين
من المسلمين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان،
اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين،
اللهم اكفنا والمسلمين شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم
شرارهم يا رب العالمين، اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أهل دينك
اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك, اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين
يا قوي يا عزيز، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات
انك سميع قريب مجيب الدعوات، اللهم بلغنا رمضان، اللهم بلغنا رمضان، اللهم بلغنا
رمضان، ووفقنا فيه لصالح القول والعمل، اللهم اجعلنا ممن يصومه ويقومه إيمانا
واحتسابا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين .
وللمزيد
من الخطب السابقة للشيخ وليد الشعبان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129
|