فضل الآيتين من سورة البقرة لقد
ثبت في السنة عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الترغيب في قراءة الآيتين اللَّتين
خُتمت بهما سورة البقرة في كلِّ ليلة، وذكر في ذلك صلى الله عليه وسلم فضلاً
عظيماً، ففي الصحيحين عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال النَّبِيّ صلى الله عليه
وسلم: "مَنْ قَرَأَ بِالآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ فِي
لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ". وقد
دلَّ هذا الحديثُ على فضل قراءة هاتين الآيتين كلَّ ليلة {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا
أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ
وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ
وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ لا
يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا
اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا
وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا
رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ
لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}
2. وهما
آيتان عظيمتان دلَّت الأولى منهما على إيمان الرسول والمؤمنين معه بالله وبكلِّ ما
أمرهم سبحانه بالإيمان به، من الايمان بالملائكة والكتب والرسل عليهم السلام. والآيةُ
الثانية فيها الإخبار بأنَّ الله لا يكلِّف الناسَ ما لا يطيقون أو يشق عليهم
فعله، بل كلَّفهم بما فيه غذاءُ أرواحهم، ودواءُ أبدانهم، وصلاحُ قلوبهم، وزكاءُ
نفوسهم، وفيها الإخبارُ بأنَّ لكلِّ نفس ما كسبت من الخير وعليها ما اكتسبت من
الشَّرِّ، ولَمَّا أخبر تعالى عن إيمان الرَّسول والمؤمنين معه وأنَّهم قابلوا
أمرَ الله بالسمع والطاعة، وأنَّ كلَّ عامل سيُجَازَى بعمله، وكان الإنسانُ عرضةً
للتقصير والخطأ والنسيان أخبر أنَّه لا يكلِّف العبادَ إلاَّ ما يطيقون، وأخبر عن
دعاء المؤمنين بذلك {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}
إلى آخر ما جاء في الآيات من دعوات مباركة، وقد أخبر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم
أنَّ الله قال: "قد فَعَلتُ" أي: أجبتُ لِمَن دعا بهذه الدعوات. وقد
ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"قال الله: نعم"1. ولهذا
أخبر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم أنَّ من قرأهما في ليلة
كفتاه، وقد اختار ابن القيم - رحمه الله - أنَّ معنى كفتاه أي: من شر ما يؤذيه
فقال في كتابه الوابل الصيب: "الصحيح أنَّ معناها: كفتاه من شر ما يؤذيه،
وقيل: كفتاه من قيام الليل، وليس بشيء" اهـ. فحريٌ
بالمسلم أن يحافظَ على قراءة هاتين الآيتين كلَّ ليلة؛ لينال هذا الموعود الكريم
بأن يُكْفَى من كلِّ شَرٍّ يؤذيه . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أُعْطِيتُ خواتيم سورة البقرة مِن كَنْز تحت العرش"رواه أحمد وهو صحيح وعن
عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"اقرأ الآيتين من آخر سورة البقرة، فإنِّي أُعْطِيتُهما من تحت العرش"وهو
في المسند أيضاً. ومِمَّا
ورد في فضل هاتين الآيتين ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن ابن عباس رضي الله
عنهما قال: "بينما جبريل قاعدٌ عند النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إذ سَمع
نقيضاً من فوقه فرفع رأسه فقال: "هذا بابٌ فُتح اليوم لَم يُفتَح قَطُّ إلاَّ
اليوم، فنَزَل منه مَلَكٌ فقال: هذا مَلَكٌ نزل إلى الأرض لَم يَنْزِل قَطُّ إلاَّ
اليوم فسَلَّمَ، وقال: أَبْشِر بنُورَيْن أُوتِيتَهُما لَم يُؤْتَهُما نَبِيٌّ
قبلك، فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لن تَقرَأَ بِحرف منها إلاَّ أُعْطِيتَه". قال
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "اعلم أنَّ الله سبحانه أعطى نبيَّه محمداً
-صلَّى الله عليه وسلم وبارك- خواتيم سورة البقرة من كَنْز تحت العرش، لَم يُؤْتَ
منه نَبِيٌّ قبله، ومن تدَبَّر هذه الآيات وفهم ما تضمَّنته منحقائق الدِّين،
وقواعد الإيمان الخمس، والرد على كلِّ مُبْطِل، وما تضمنته من كمال نِعَم الله
تعالى على هذا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وأمَّته، ومحبة الله سبحانه لهم
وتفضيله إيَّاهم على من سواهم فلْيَهْنِه العلم" ومن
فضائلهما أيضا ما رواه عبدالله (ابن مسعود) قال: "لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ،
وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ إِلَيْهَا ، يَنْتَهِي مَا يُعْرَجُ بِهِ مِنَ
الأَرْضِ ، فَيُقْبَضُ مِنْهَا وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَطُ بِهِ مِنْ فَوْقِهَا
، فَيُقْبَضُ مِنْهَا ، قَالَ : (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى) سورة النجم
آية 16 ، قَالَ: فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ ؟ قَالَ : فَأُعْطِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا ، أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ ، وَأُعْطِيَ
خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، وَغُفِرَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ مِنْ أُمَّتِهِ
شَيْئًا الْمُقْحِمَاتُ" . صحيح مسلم, ومعناه الذنوب العظام الكبائر التي تهلك
أصحابها وتوردهم النار وتقحمهم إياها وتقحم الوقوع في المهالك ومنها
ما رواه النعمان بن بشير –رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: "إن الله كتب كتابًا قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام، أنزل
منه آيتين ختم بهما سورة البقرة، ولا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقر بها شيطان"
رواه الترمذي وهو صحيح. ---انتهت الخطبة--- وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129 |