خطبة [اللهم اني أسألك فعل الخيرات]
قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ
الْخَيْرَاتِ ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَأَنْ تَغْفِرَ
لِي، وَتَرْحَمَنِي، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةَ قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ
مَفْتُونٍ، وَأَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ
يُقَرِّبُنِي إِلَى حُبِّكَ] . رواه الامام احمد وصححه
الالباني .
حديث
عظيم ودعوات مباركة ، هو من أجمع الأدعية وأكملها، وأجلّها قدراً وشأناً؛ لتضمّنه
سؤال اللَّه تعالى التوفيق إلى القيام بأفضل الأعمال من الصالحات, وسؤاله الوقاية
من كل المنكرات والسيئات، والفتن والمحن في الدين والمعاش، والمعاد، فينبغي للعبد
الإكثار منه, وفهم مقاصده ومدلولاته، والعمل بمضامينه؛ فإن من [تعلَّمه] وعمل به
نال السعادة والهنا في الدنيا، والبرزخ، والآخرة،
فمن
جلالة هذا الدعاء، وعلو مكانته أن اللَّه تبارك وتعالى أمر خليله النبي صلى الله
عليه وسلم حينما رآه في المنام ، ورؤية الأنبياء حق فقال له: ((يا محمد، إذا صليت
فقل: اللَّهم إني أسألك فعل الخيرات، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ
الْمَسَاكِينِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي، وَتَرْحَمَنِي، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةَ
قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ، وَأَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ
يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إِلَى حُبِّكَ))، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم ((إِنَّهَا حَقٌّ فَادْرُسُوهَا وَتَعَلَّمُوهَا))، فأمر صلى
الله عليه وسلم بمدارسته وتعلّم معانيه ومقاصده، فدلّ على خصوصية هذا الدعاء على
غيره لهذه الأمور كما ترى.
قوله:
((اللَّهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات)) تضمّن هذا السؤال طلب كل خير،
وترك كل شرّ؛ فإن الخيرات: تجمع كل ما يحبه اللَّه سبحانه وتعالى ويُقرّب إليه من
الأعمال والأقوال، ومن الواجبات والمستحبات. والمنكرات: تشمل كل ما يكرهه اللَّه
تعالى، ويباعد عنه من الأقوال والأعمال، فمن تحصَّل له هذا المطلوب، حصل له خير
الدنيا والآخرة , وهذا من الجوامع التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان
يحبّ مثل هذه الأدعية الجامعة، كما في حديث عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنها
قالت: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء ويدع ما سوى ذلك))
صححه الألباني في سَنَن ابي دَاوُدَ
قوله:
((وحُبَّ المساكين)): حب المساكين يدخل من جملة فعل الخيرات، وإنما أفرده بالذكر،لشرفه
وقوة العناية والاهتمام به، فقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم اللَّه أن يجعله
منهم، ويرزقه الحشر والوفاة معهم ((اللَّهم أحيني مسكيناً، وأمتني مسكيناً،
واحشرني في زمرة المساكين) .
وحب
المساكين هو أصل الحب في اللَّه تعالى؛ لأنه ليس عندهم من الدنيا ما يوجب محبتهم
لأجله، فلا يحبون إلا للَّه عز وجل . والحب في اللَّه من أوثق عُرى الإيمان،
وهو أفضل الإيمان، قال النبي صلى الله عليه وسلم((من أحب للَّه، وأبغض للَّه،
وأعطى للَّه، ومنع للَّه، فقد استكمل الإيمان)) ، و فيه معنى تذوّق حلاوة الإيمان،
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ
الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا
سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ
يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ))
-رواه البخاري ومسلم -، ووصَّى أمَّنا أمَّ المؤمنين الصدِّيقة بنت الصدِّيق
عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فقال لها: ((يا عائشة أحبِّي المساكين، وقرّبيهم،
فإن اللَّه يقربك يوم القيامة)) صححه الألباني في سَنَن الترمذي
قوله:
((وأن تغفر لي، وترحمني))، سأل المغفرة والرحمة لأنهما يجمعان خير الآخرة كله،
فبالمغفرة يأمن العبد من العذاب، وكل شرٍّ، وأما الرحمة فهي دخول الجنة، وعلوّ
درجاتها، فجميع ما في الجنة من النعيم بالمخلوقات فإنه من رحمته تعالى، قال النبي
صلى الله عليه وسلم ((إن اللَّه عز وجل يقول للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من
عبادي)) رواه البخاري
قوله:
((وإذا أردت بعبادك فتنة، فاقبضني إليك غير مفتون)): وإذا أردت أن توقع بقوم فتنة
وعقوبة في الدين، أو عقوبة دنيوية من البلايا والمحن والعذاب، فتوفّني إليك قبل
وقوعها، وافتتان الناس بها؛ فإن المقصود من هذا الدعاء العظيم السلامة من الفتن
طول الحياة، والنجاة من الشر كله قبل حلوله، ووقوعه، وبأن يتوفّاه اللَّه تعالى
سالماً معافىً قبل حلول الفتن، وهذا لا شك من أهم الأدعية لأنه من أعظم المنى أن
يحيى المؤمن معافىً سليماً مدة حياته من الفتن والمحن، ثم يقبضه اللَّه تعالى إليه
قبل وقوعها؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن ((يتعوّذوا باللَّه من
الفتن ما ظهر منها وما بطن)) رواه مسلم
وفيه
جواز الدعاء بالموت خشية الفتنة في الدين، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: ((اثْنَتَانِ يَكْرَهُهُمَا ابْنُ آدَمَ: الْمَوْتُ، وَالْمَوْتُ خَيْرٌ
لِلْمُؤْمِنِ مِنْ الْفِتْنَةِ، وَيَكْرَهُ قِلَّةَ الْمَالِ وَقِلَّةُ الْمَالِ
أَقَلُّ لِلْحِسَاب)) صححه الألباني في الترغيب والترهيب
قوله:
((وأسألك حُبك)) ثم شرع في سؤال أعظم المطالب، وأسمى المراتب، وأغلى الأماني،
فقال: ((وأسألك حُبك)): أي أسألك حبّك إيّاي، وهذا أعظم مطلوب أن يكون العبد
محبوباً عند اللَّه عز وجل ,
فمن
رزق هذه المحبة كانت كل أعماله، وأقواله، وأفعاله مسددة على مراد اللَّه تعالى،
فيُجعل له الحب والقبول في الأرض، وفي السماء .
قوله:
((وحبّ من يحبُّك))، وأسألك حب من يحبك من الأنبياء والعلماء والصالحين .
قوله:
((وحّب عمل يقرّبني إلى حبك)) أي وأسألك أن توفّقني إلى أحب الأعمال الصالحة التي
تقرّبني إلى حبّك، فمن رزق هذه المحابّ فاز في الدنيا و الآخرة.
وفي
سؤال هذه المحاب وهي داخلة في صدر الدعاء ((فعل الخيرات)) لجلالة شرف وقوة
الاهتمام بهذه المطالب المهمة من المحاب، وأنها هي أصل فعل الخيرات كلها، ومنتهاها
وجماعها إليها .
ثم
أمر النبي صلى الله عليه وسلم بفهمها و العمل بمقتضاها ، وذلك لعظم شأنها لما حوته
من المطالب، والمقاصد الجليلة في الدنيا والآخرة ، وأنه ينبغي العناية بفهم
الألفاظ ، واستحضار المعاني عند السؤال ، فإن ذلك أرجى في قبول الدعاء ، وأكثر
أثراً في النفس ، وتذوق حلاوة الإيمان ، ولذَّة مناجاة اللَّه تبارك وتعالى.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129 |