أفضل الذكر على الإطلاق
الحمد لله حمد الشاكرين وأثني عليه ثناء الذّاكرين، لا أحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، له الفضل وله النعمة وله الثناء الحسن، أحمدهُ تبارك وتعالى على كل نعمة أنعم بها علينا في قديم أو حديث، أو سر أو علانية أو خاصة أو عامة، أحمده تبارك وتعالى حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
عباد الله اتقوا الله تعالى، فإن تقوى الله جلّ وعلا خيرُ زاد وأعظم أمر يلقى به العبدُ ربه يوم المعاد.
عباد الله: يقول الله جل شأنه: (فاذكروني أذكركم) فياله من فضل عظيم وخير عميم لمن ذكر الله : أن الله يذكره فلو لم يكن في الذكر إلا هذا الشرف لكفى !!
عباد الله: وهناك أذكار لها فضائل خاصة يُستحب للمسلم أن يواظبَ عليها كلَّ صباح وهي أن يقول: "سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ"، وذلك لِما روى مسلم في صحيحه عن جُوَيرية رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا [أي موضع صلاتها] ، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى، وَهِيَ جَالِسَةٌ، فَقَالَ: "مَا زِلْتِ عَلَى الحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ اليَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ".
فهذا ذِكرٌ عظيمٌ مبارَك أرشد إليه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وبيَّن أنَّه ذِكرٌ مُضاعَفٌ، يزيد في الفضل والأجر على مجرَّد الذِّكر بسبحان الله أضعافاً مضاعفة؛ لأنَّ ما يقوم بقلب الذَّاكر حين يقوله من معرفة الله وتَنْزيهه وتعظيمه بهذا القدر المذكور من العدد أعظمُ مِمَّا يقوم بقلب مَن قال "سبحان الله" فقط.
والمقصودُ أنَّ الله سبحانه يستحقُّ التسبيح بذلك القدر والعدد، كقوله صلى الله عليه وسلم: "ربَّنا ولك الحمد، ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئتَ من شيء بعد"، وليس المراد أنَّ العبدَ سبَّح تسبيحاً بذلك القدر؛ فإنَّ فعل العبد محصور، وإنَّما المراد ما يستحقُّه الرّبُّ من التسبيح فذاك الذي يعظم قدرُه .
قال العلاَّمة ابن القيم - رحمه الله - في شرح هذا الحديث وبيان ما فيه من لطائف جليلةٍ ومعارف عظيمة: "وهذا يُسمَّى الذِّكرُ المضاعف، وهو أعظمُ ثناءً من الذِّكر المفرد، وهذا إنَّما يظهرُ في معرفة هذا الذِّكر وفهمه، فإنَّ قولَ المسبِّح: "سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ" تضمَّن إنشاءً وإخباراً: تضمَّن إخباراً عمّا يستحقُّه الرَّبُّ من التسبيح عددَ كلِّ مخلوق كان أو هو كائنٌ إلى ما لا نهايةَ له، فتضمَّن الإخبارَ عن تنزيههِ الرّبَّ وتعظيمه والثناءِ عليه هذا العددَ العظيمَ، الذي لا يبلغهُ العادُّون، ولا يُحصيه المُحصون.
وتضمَّن إنشاءَ العبدِ لتسبيحٍ هذا شانُه، لا أنَّ ما أتى به العبدُ من التسبيح هذا قدرُه وعددُه، بل أخبر أنَّ ما يستحقُّه الرَّبُّ سبحانه وتعالى من التسبيح هو تسبيحٌ يبلغ العددَ الذي لو كان في عدد ما يزيد عليه لذَكره، فإنَّ تجدُّدَ المخلوقات لا ينتهي عدداً، ولا يُحصَى الحاضر.
وكذلك قوله "ورضا نفسه"، وهو يتضمَّن أمرَين عظيمَين:
أحدهما: أن يكون المرادُ تسبيحاً هو في العظمة والجلال مساوٍ لرضا نفسه، كما أنَّه في الأول مخبرٌ عن تسبيحٍ مساوٍ لعدد خلقه، ولا ريبَ أنَّ رضا نفس الرَّبِّ أمرٌ لا نهاية له في العظمة والوصف.
والتسبيحُ ثناءٌ عليه سبحانه يتضمّن التعظيم والتنزيه، فإذا كانت أوصافُ كماله ونعوتُ جلاله لا نهايةَ لها ولا غاية، بل هي أعظمُ من ذلك وأجلُّ، كان الثناءُ عليه بها كذلك؛ إذ هو تابِعٌ لها إخباراً وإنشاءً، وهذا المعنى ينتظمُ المعنى الأول من غير عكس.
وإذا كان إحسانُه سبحانه وثوابُه وبركتُه وخيرُه لا منتهى له، وهو من موجباتِ رضاه وثمرتهِ فكيف بصفة الرضا!!وفي الأثر (إذا باركت لم يكن لبركتي منتهى)، فكيف بالصفة التي صدرت عنها البركة؟ والرضا يستلزم المحبة والإحسان والجود والبر والعفو والصفح والمغفرة .قال تعالى عن أهل الجنة بعد دخولها (ورضوان من الله أكبر) أي أكبر من كل شيء وهو أن يحل عليهم رضوان الله فلا يسخط عليهم أبدا, فاللهم أرضنا وارض عنا .
وقوله: "وزِنَة عرشه" فيه إثباتُ العرش، وإضافته إلى الرَّبِّ سبحانه وتعالى، وأنَّه أثقلُ المخلوقات على الإطلاق؛ إذ لو كان شيءٌ أثقلَ منه لوُزن به التسبيح.
إذن فالتضعيفُ الأول للعدد والكميَّة، والثاني للصفةِ والكيفية، والثالث للعِظَم والثِّقَل وكِبَر المقدار.
وقوله: "ومِدادَ كلماته" هذا يعمُّ الأقسام الثلاثة ويشملها؛ فإنَّ مدادَ كلماته سبحانه وتعالى لا نهايةَ لقدره، ولا لصفته، ولا لعدده، قال تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً}، وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، ومعنى هذا أنَّه لو فرض البحرُ مداداً- أي حبراً والمقصود لو أن البحر على عظم اتساعه هو حبر لن يسع كلام الله -، وجميعُ أشجار الأرض أقلاماً، والأقلامُ تستمدُّ بذلك المداد، فتفنى البحار والأقلام، وكلمات الرَّبِّ لا تفنى ولا تنفد.
والمقصودُ أنَّ في هذا التسبيح من صفات الكمال ونعوت الجلالِ ما يوجب أن يكون أفضلَ من غيره وأنه لو وزن غيره به لوزنه وزاد عليه ... ". أهـ كلامه رحمه الله.
هذا وقد نبَّه العلماء - رحمهم الله- إلى أهميَّة معرفة العبد بمعاني هذه الكلمات واستحضاره لدلالتها، وأنَّه بحسب ما يقوم بقلب العبد من هذه المعرفة والاستحضار يكون له من المزيَّة والفضل ما ليس لغيره، ويكون تأثيرُ هذا الذِّكر فيه أبلغَ من تأثيره في غيره.
ومن أتى بهذا الذِّكر أو بغيره من الأذكار المأثورة دون استحضار منه للمعنى ولا تعقُّل للدلالة فإنَّ تأثيرَ الذِّكر فيه يكون ضعيفاً.
وعلى كلٍّ فالجدير بالمسلم أن يُواظبَ على هذا الذِّكر المبارك صباحَ كلِّ يوم، وأن يجتهدَ في استحضار معناه وتعقُّل دلالته.
وبالله وحده التوفيق، وهو سبحانه المعينُ والهادي إلى سواء السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا . أما بعد:
أيها الناس : ومع فضل الذكر عموما وهذا الذكر خصوصا إلا أن الغفلة التي دهمتنا جميعا إلا من رحم الله أنستنا العناية بهذه العبادة الجليلة الشريفة فينبغي للعبد أن يعتني بالدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه فقال: (لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)، لتعلم أن الهداية للذكر: توفيق وإعانة من الله.
= فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم من أرادنا وأراد ديننا وبلادنا وأمننا بسوء اللهم فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، اللهم اكفنا والمسلمين شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم يا رب العالمين، اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أهل دينك اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك, اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أغثنا، غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً، سحاً غدقاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت، اللهم أنزل علينا من السماء ماء مباركاً تُغيث به البلاد والعباد وتعُمَّ به الحاضر والباد، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا عذاب ولا غرق، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشبعان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129
|