إنه الله جل جلاله
الحمد لله الذي تفرَّدَ بكلِّ كمالٍ ، وأَعْلَى جَلالٍ ، تفضَّل علينا بجزيلِ النَّوالِ . وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ لهُ الكبيرُ الْمُتَعَالِ ، وأشهدُ أنَّ نبيَّنا محمداً عبدُ الله ورسولُه ، كريمُ السجايا وشريفُ الْخِصَالِ. صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه خيرِ صحبٍ وآل ، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم المآلِ، أما بعد:
أيها الناس ، اتقوا الله حق تقواه، وراقبوه مراقبة من يعلم أنه يسمعه ويراه.
عباد الله: إن أصول الأسماء الحسنى التي تجمع في دلالاتها معاني سائر أسماء الله ثلاثة أسماء هي (الله والرب والرحمن ) فاسم الله متضمن لصفات الألوهية واسم الرب متضمن لصفات الربوبية واسم الرحمن متضمن لصفات الإحسان والكرم والجود وقد اجتمعت هذه الأسماء الثلاثة في أعظم سورة هي سورة الفاتحة .
ومعنا في هذه الخطبة اسم مبارك اسم تكرر وروده في القرآن أكثر من ألفين ومائة مرة وهذا مالم يقع لأي اسم آخر, إنه لفظ الجلالة (الله) فما أعظمه من اسم !!
هذا الاسم العظيم اختصه الله بمزايا:-
فمنها أنه الأصل لجميع أسماء الله الحسنى , وسائر الأسماء مضافة إليه ويوصف بها قال تعالى: ((وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)) فنقول مثلا: الرحمن والملك والقدوس والسلام من أسماء الله، ولا نقول: الله من أسماء الرحمن، ولا نقول: الله من أسماء العزيز، ولكن نقول: العزيز من أسماء الله، والرحمن من أسماء الله، والقدوس من أسماء الله، والجبار من أسماء الله.
ومنها أن اسم الله جل وعلا هو الاسم المفرد العلم، العلم على ذاته القدسية، الجامع لكل أسماء الجلال وصفات الكمال، لذا جعله الله تعالى الاسم الدال على جميع الأسماء، فقال سبحانه: ((وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)) [الأعراف: 180]، وقال سبحانه: ((هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) [الحشر: 23، 24].
ومن خصائصه أنه الاسم الذي اقترنت به عامة الأذكار المأثورة , فالتهليل والتكبير والتحميد والتسبيح وغيرها من الأذكار هي مقترنة بهذا الاسم غير منفكة عنه, فإذا كبر المسلم ذكر هذا الاسم وإذا هلل ذكر هذا الاسم وهكذا .
ومن هذه الخصائص أنّه علم اختصّ به ربنا تعالى وتقدس ، وحتّى أعتى الجبابرة لم يتسمّ به.
ومنها أن معنى هذا الاسم ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما: الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه
الله هو الاسم الجامع لكل أسماء الجلال وصفات الجمال لله الكبير المتعال وهو الاسم الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب، فهو الاسم الذي ما ذكر في قليل إلا كثره، وهو الاسم الذي ما ذكر عند خائف إلا أمّنه، وهو الاسم الذي ما ذكر عند همّ إلا كشفه، وهو الاسم الذي ما ذكر عند كرب إلا فرّجه، وهو الاسم الذي ما ذكر عند فقر إلا تحول إلى غنى، وهو الاسم الذي ما تعلق به ذليل إلا أعزه، وهو الاسم الذي ما تعلق به فقير إلا أغناه، وهو الاسم الذي ما تعلق به مكروب إلا قواه، وهو الاسم الذي تستدفع به الكربات، وهو الاسم الذي تستنزَل به البركات، وهو الاسم الذي تقال به العثرات، وهو الاسم الذي تستدفع به النقم، وهو الاسم الذي يستنزل به المطر، وهو الاسم الذي يستنصر به من السماء، وهو الاسم الذي من أجله قامت الأرض والسماء.
الله اسم تُستنزل به البركات، الله اسم تستمطر به الرحمات، الله اسم تزال به الكرب، الله اسم تزال به الهموم والغموم، الله اسم لصاحبه كل جلال، الله اسم لصاحبه كل جمال، الله اسم لصاحبه كل جمال وجلال وكمال، هو الاسم المفرد العلم على ذاته القدسية وأسمائه الحسنى وصفاته العلية، لذا تكرر هذا الاسم في القرآن كثيراً فلا يمكن أن تطالع في صفحة من قرآن الله تعالى إلا ويتردد على لسانك اسم الله تعالى ما يزيد على عشر مرات وهذا في الغالب.
أيها الناس: هذا الاسم الجليل العظيم الكريم الإيمان به أصل السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة.
عباد الله : ولهذا الاسم العظيم وكلمة التوحيد "لا إله إلا الله" فضائل ومعنى جليل شريف فمعني لا إله إلا الله أي لا معبود حقٌ إلا الله .
ومن فضائل هذه الكلمة - وهي أكثر من أن تُحصى- قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير».
(( لا إله الا الله )) هي الكلمة التي ورثها إمام الحنفاء لأتباعه إلى يوم القيامة، وهي الكلمة التي قامت بها الأرض والسموات، وفطر الله عليها جميع المخلوقات، وعليها أسست الملة، ونصبت القبلة، وجردت سيوف الجهاد، وهي محض حق الله على العباد، وهي الكلمة العاصمة للدم والمال والذرية في هذه الدار، والمنجية من عذاب القبر وعذاب النار، وهي المنشور الذي لا يدخل أحد الجنة إلا به، والحبل الذي لا يصل إلى الله إلا من تعلق بسببه، وبها انقسم الناس إلى شقي وسعيد، ومقبول وطريد، وبها انفصلت دار الكفر عن دار الإسلام، وتميزت دار النعيم من دار الشقاء والهوان، وهي العمود الحامل للفرض والسنة، و: «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة».
عباد الله: كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) عظيمة المعنى ثقيلة الوزن، ولكنه يختلف وزنها بحسب من صدرت عنه.
فالمنافق يتلفظ بها، ولكنها لا تزن عند الله شيئًا لأنه كاذبٌّ في قولها.
والمؤمن يتلفظ بها؛ ولها وزن عظيم عند الله لصدقه مع الله فيها؛
فلو وضعت السموات السبع ومن فيهن من العمار غير الله، والأرضين السبع وما فيها في كفه الميزان؛ (ولا إله إلا الله) في الكفة الأخـرى لرجـحت بهن هذه الكلمة.
وذلك لما اشتملت عليه من نفي الشرك وتوحيد الله الذي هو أفضل الأعمال وأساس الملة والدين، ولما يجتمع لقائلها من الذكر والدعاء، وما يحصل له من تكفير الذنوب والخطايا؛ فمن قالها بإخلاص ويقين، وعمل بمقتضاها ولوازمها وحقوقها واستقام على ذلك دخل الجنة، فإن هذه الحسنة لا يوازنها شيء.
عباد الله: إن روح هذه الكلمة وسرَّها هو: أن لا يُعبد بجميع أنواع العبادة إلا الله سبحانه. واعلموا - عباد الله - أن (لا إله إلا الله)، لا تنفع قائلها إلا بعد معرفة معناها، والعمل بمقتضاها، والسلامة مما يناقضها فمعناها لامعبود بحق الا الله . قيل للحسن البصري - رحمه الله - أن أناسًا يقولون: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة؟! فقال: من قالها وأدى حقها وفرضها دخل الجنة.
وقال وهب بن منبه - رحمه الله - لمن قال له: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى؛ ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان، فـإن جئت بمفـتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك.
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من المواعظ والحكمة ، وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيّباً مباركاً فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا . أما بعد:
أيها المسلمون: روى الترمذي وحسنه حديثا مرفوعا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يصاح برجل من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلاً كل سجل منها مد البصر، ثم يقال أتنكر من هذا شيئًا؟ فيقول: لا يا رب، فيقال ألك عذر أو حسنة؟ فيهاب الرجل فيقول: لا يا رب، فيقال: بلى إن لك عندنا حسنة، وإنه لا ظُلم عليك، فيخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال: إنك لا تُظلم؛ فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة».
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله-: ليس كل من تكلم بالشهادتين كان بهذه المثابة، لأن هذا العبد صاحب البطاقة كان في قلبه من التوحيد واليقين والإخلاص ما أوجب أن عظم قدره حتى صار راجحًا على هذه السيئات. وقال ابن القيم - رحمه الله-: الأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها، وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب، فتكون صورة العملين واحدة، وبينهما من التفاضل كما بين السماء والأرض.
= اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام. اللهم أعذنا من الشيطان الرجيم، اللهم أعذنا وذرياتنا من الشيطان، اللهم اكفنا شر شياطين الجن والإنس إنك أنت السميع العليم.
اللهم من أرادنا وأراد ديننا وبلادنا وأمننا بسوء اللهم فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، اللهم اكفنا والمسلمين شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم يا رب العالمين، اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أهل دينك اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك, اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
اللهم أنت ربنا لا إله إلا أنت، خلقتنا ونحن عبيدك، ونحن على عهدك ووعدك ما استطعنا، نعوذ بك من شر ما صنعنا، نبوء لك بنعمتك علينا، ونبوء بذنوبنا، فاغفر لنا، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أعلنّا وما أسررنا وما أنت أعلمُ به منا أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيءٍ قدير، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أغثنا، غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً، سحاً غدقاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت، اللهم أنزل علينا من السماء ماء مباركاً تُغيث به البلاد والعباد وتعُمَّ به الحاضر والباد، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا عذاب ولا غرق، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشبعان تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129 |