"إنه
كان فاحشة وساء سبيلا"
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مبارَكًا فيه، كما
يحب ربنا ويرضى، والشكر له على ما أوْلى من نعمٍ سائغةٍ وأسدى، وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله،
وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله نجوم المهتدين، وصحابته الـغر
الميامين وسلّم تسليما كثيراً إلى يوم الدين.
أمَّا بعدُ: فأوصِيكمْ - عِبادَ اللهِ
- ونفسِي بتقْوَى اللهِ تعالَى؛ فتقوى الله خير زاد للنجاة يوم المعاد.
يقول
الله تعالى {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ
النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ
ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا - يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ
فِيهِ مُهَانًا - إِلَّا مَنْ تَابَ}
أيها
الناس : لَمَّا كَانَتْ مَفْسَدَةُ الزِّنَى مِنْ أَعْظَمِ الْمَفَاسِدِ وَهِيَ مُنَافِيَةٌ
لِمَصْلَحَةِ نِظَامِ الْعَالَمِ فِي حِفْظِ الْأَنْسَابِ، وَحِمَايَةِ الْفُرُوجِ،
وَصِيَانَةِ الْحُرُمَاتِ، وَتَوَقِّي مَا يُوقِعُ أَعْظَمَ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ
بَيْنَ النَّاسِ، مِنْ إِفْسَادِ كُلٍّ مِنْهُمُ امْرَأَةَ صَاحِبِهِ وَبِنْتِهِ وَأُخْتِهِ
وَأُمِّهِ، وَفِي ذَلِكَ خَرَابُ الْعَالَمِ، كَانَتْ تَلِي مَفْسَدَةَ الْقَتْلِ فِي
الْكِبَرِ، وَلِهَذَا قَرَنَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهَا فِي كِتَابِهِ، وَرَسُولُهُ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سُنَّتِهِ وَقَدْ أَكَّدَ سُبْحَانَهُ حُرْمَتَهُ
فَقَرَنَ
الزِّنَى بِالشِّرْكِ وَقَتْلِ النَّفْسِ، وَجَعَلَ جَزَاءَ ذَلِكَ الْخُلُودَ فِي
الْعَذَابِ الْمُضَاعَفِ، مَا لَمْ يَرْفَعِ الْعَبْدُ مُوجِبَ ذَلِكَ بِالتَّوْبَةِ
وَالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا
إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 32] أي ابتعدوا
عن جميع الأسباب الموصلة للزنا فهُوَ الْقَبِيحُ
الَّذِي قَدْ تَنَاهَى قُبْحُهُ حَتَّى اسْتَقَرَّ فُحْشُهُ فِي الْعُقُولِ حَتَّى
عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْحَيَوَانِ، كَمَا ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ
عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قِرْدًا
زَنَى بِقِرْدَةٍ، فَاجْتَمَعَ الْقُرُودُ عَلَيْهِمَا فَرَجَمُوهُمَا حَتَّى مَاتَا]
وَعَلَّقَ
سُبْحَانَهُ فَلَاحَ الْعَبْدِ عَلَى حِفْظِ فَرْجِهِ مِنْهُ، فَلَا سَبِيلَ إِلَى
الْفَلَاحِ بِدُونِهِ، فَقَالَ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ - الَّذِينَ هُمْ فِي
صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ - وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ - وَالَّذِينَ
هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ - وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ - إِلَّا
عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}
إِلَى قَوْلِهِ: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [سُورَةُ
الْمُؤْمِنُونَ: 1 - 7] .
وَهَذَا
يَتَضَمَّنُ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ: أَنَّ مَنْ لَمْ يَحْفَظْ فَرْجَهُ لَمْ يَكُنْ مِنَ
الْمُفْلِحِينَ، وَأَنَّهُ مِنَ الْمَلُومِينَ، وَمِنَ الْعَادِينَ، فَفَاتَهُ الْفَلَاحُ،
وَاسْتَحَقَّ اسْمَ الْعُدْوَانِ، وَوَقَعَ فِي اللَّوْمِ، فَمُقَاسَاةُ أَلَمِ الشَّهْوَةِ
وَمُعَانَاتُهَا أَيْسَرُ مِنْ بَعْضِ ذَلِكَ.
وَلَمَّا
كَانَ مَبْدَأُ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الْبَصَرِ جُعِلَ الْأَمْرُ بِغَضِّهِ مُقَدَّمًا
عَلَى حِفْظِ الْفَرْجِ، فَإِنَّ الْحَوَادِثَ مَبْدَؤُهَا مِنَ الْبَصَرِ، كَمَا أَنَّ
مُعْظَمَ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ، فَتَكُونُ نَظْرَةٌ، ثُمَّ تَكُونُ
خَطْرَةٌ، ثُمَّ خُطْوَةٌ، ثُمَّ خَطِيئَةٌ.
ومفسدة
الزنا مناقِضة لصلاح العالم، فإنّ المرأة إذا زنت أدخلت العار على أهلها وزوجها وأقاربها
, وفي هذه الكبيرة خراب الدنيا والدين ,
ومن
مفاسده وطوامه : أنه يوجب الفقر، ويقصر العمر، ويكسو صاحبه سوادَ الوجه وثوبَ المقت
بين الناس.
ومن
خاصيته أيضًا: أنّه يشتّت القلب، ويُمرِضه إن لم يُمِتْه.
ويجلب
الهمّ والحزن والخوف، ويباعد صاحبه من الملَك، ويقرّب منه الشيطان .
فليس
بعد مفسدة القتل أعظم من مفسدته . ولهذا شُرع فيه القتل على أشنع الوجوه وأفحشها وأصعبها.
ولو بلغ العبدَ أنّ امرأته أو حرمته قُتِلتْ كان أسهل عليه من أن يبلغه أنّها زنت.
وفي
الصحيحين في خطبته - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الكسوف أنّه قال: "يا أمّة
محمَّد، والله إنه لا أحدَ أغيرُ من الله أن يزني عبده أو تزني أمته. يا أمة محمَّد،
والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا". ثمّ رفع يديه، وقال:
"اللهم هل بلّغت؟ "
وقد
جرت سنّة الله سبحانه في خلقه أنه عند ظهور الزنى يغضب الله سبحانه، ويشتدّ غضبه، فلا
بدّ أن يؤثّر غضبه في الأرض عقوبة.
وخصّ
سبحانه حدَّ الزنى من بين الحدود بثلاث خصائص: أحدها: القتل فيه أشنعَ القتلات الثاني: أنه نهى عباده أن تأخذهم بالزناة رأفةٌ
في دينه الثالث: أنه سبحانه أمر أن يكون حدّهما بمشهد من المؤمنين.
بارك الله لي ولكم في القرآن
العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون
وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ علَى إحسانِهِ، والشكرُ
له علَى تَوْفيقِهِ وامتنانِهِ، وأشهدُ أنْ لا إلَهَ إلاّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له
تعظيماً لشانِهِ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ الداعِي إلى رضوانِهِ، صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّمَ وعلَى آلهِ وأصحابِهِ.
أمَّا
بعدُ: من أسباب الوقوع في جريمة الزنا: خلو الرجل بالمرأة التي ليست من محارمه؛ لأن
ذلك مدعاة إلى إغراء الشيطان لهما بالفاحشة مهما بلغا من التقوى والدين.
ومن
الأسباب : متابعات النساء الساقطات في القنوات الفضائية أو في أجهزة الجوال أو في غيرها.
ومن
الأسباب الاختلاط بين الرجل والمرأة الأجنبي عنها وهذا من أشد ما يكون .
ومنها:
خروج المرأة من بيتها مُتبرِّجة،ومنها: كشف المرأة وجهها إذا خرجت من بيتها
ومنها:
عدم غض البصر
وبعد
عباد الله : ألا وإن فاحشة الزنا تقصم الأعمار، وتُخرِّب الدِّيار، وتُوجب المقت والدمار،
وتُحلُّ أهلها دار الشقاء والبَوَار، فاحشةُ الزنا تُذهبُ بَهَاءَ الوجهِ بعد ذهاب
الدين، وتُنزلُه من الأخلاق الرذيلة إلى أسفل سافلين، وتُوجب له البُعد من رحمة أرحم
الراحمين، فاحشةُ الزنا تُسَوَّد لها الوُجوه والقلوب، ويُبتَلى صاحبُها بالهُموم والغُموم
والفقر والشدائد والكروب، ويُنزَعُ عنه الإيمانُ حين يزني حتى يُقلعَ ويتوب، فاحشةُ
الزنى من أكبرِ الأسباب لسوء الخاتمة، ومن أعظم الطرق للعقوبات المتراكمة، يُضيَّق
على صاحبها قبرُه حتى تختلف أضلاعه وذلك بما قدَّمت يداه، وللزُّناة والزواني في البرزخ
تنانيرُ من نارٍ ولهبٍ يرفعهم ثم يخفضهم من أعلاه إلى أدناه، قد اشتدَّت عليهم المصائب
والكُرُبات، وأنساهم سوء العذاب ما أسلفوا من الاستمتاع والشهوات.
اللهم أصلح أحوالنا ونياتنا وذرياتنا
واختم بالصالحات أعمالنا وبلغنا فيما يرضيك آمالنا. اللهم احفظ بلادنا من كل سوء ومكروه،
واحفظها من كل شر وفتنة يا رب العالمين، اللَّهُمَّ رد كيد الكائدين في نحورهم وكفنا
شرورهم إنك على كل شيء قدير، اللَّهُمَّ احفظ علينا أمننا وإيماننا واستقرارنا في أوطاننا
ولا تسلط علينا ذنوبنا ما لا يخافك فينا ولا يرحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم
ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين
في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم،
اللهم أطعم جائعهم واكس عاريهم وفك أسيرهم واشف مريضهم يا رب العالمين، اللهم اكفنا
والمسلمين شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم يا
رب العالمين، اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أهل دينك اللهم عليك
بهم فإنهم لا يعجزونك, اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا
عزيز، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك
سميع قريب مجيب الدعوات، اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد
لله رب العالمين .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ
الوليد الشبعان تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129
|