الصلاة نور
الحمدُ
لله على سعةِ عطائِه، وكثرةِ نعمائِه، أحمدُهُ -تعالى- وأشكره على سوابغ آلائه
وتَرادُف امتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعالى بعزته
وكبريائه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، خيرتُه من خلقِه وصفيُّه من أوليائِه ، صلى
الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا مزيداً إلى يوم لقائه. أما بعد:
فاتقوا الله معاشر المؤمنين،
واعلموا أن الصلاة عمود الدين من حافظ عليها حفظته في دينه ودنياه وآخرته , ومن
ضيعها ضيعته وأوبقت آخرته ودنياه.
روى الإمام مسلم في صحيحه من
حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( والصلاة نور) .
لا شك أنها نور في القلب، ولاشك أن الصلاة تورثه
بصيرة، ولا شك أن الصلاة أيضاً يظهر أثرها على وجه المصلي من إشراق الوجه، بقدر
إقامته لها, ونور بالقلب، وهي نور للعبد
في سلوكه إلى الله -تبارك وتعالى- في الدنيا، كما قال الله : [إِنَّ الصَّلَاةَ
تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ] فهذا نور، وهي نور معنوي في كل ذلك، وهي
نور حسي للعبد في قبره، والمقصود أن ذلك يرجع إلى الصلاة جميعاً، وهو من آثارها.
ولهذا تجد أكثر الناس نوراً في
الوجوه أكثرهم صلاة وأخشعهم فيها لله عز وجل وكذلك تكون نورا للإنسان في قلبه تفتح
عليه باب المعرفة لله عز وجل وباب المعرفة في أحكام الله وأفعاله وأسمائه وصفاته
وهي نور في قبر الإنسان لأن الصلاة عمود الإسلام إذا قام العمود قام البناء وإذا
لم يقم العمود فلا بناء .
كذلك نور في حشره يوم القيامة
كما أخبر بذلك الرسول أن من حافظ عليها كانت له نورا وبرهاناً يوم القيامة ومن لم
يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاة يوم القيامة وحشر مع فرعون
وهامان وقارون وأبي بن خلف فهي نور للإنسان في جميع أحواله وهذا يقتضي أن يحافظ
الإنسان عليها وأن يحرص عليها وأن يكثر منها حتى يكثر نوره وعلمه وإيمانه .
وللصلاة فوائد كثيرة لا يُمكن
حصرها، فمن فوائدها:
1- أن بها قُرَّة العين
وطُمأنينة القلب وراحة النفس، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (حُبِّب
إليَّ من الدنيا النساء والطِّيبُ، وجُعلت قُرَّةُ عيني في الصلاة) رواه النسائي
وهو صحيح ، وكان يقول: (قُم يا بلالُ، فأرحنا بالصلاة) رواه أبو داود .
2- أنها تنهى عن الفحشاء
والمنكر إذا صلاها الإنسان على الوجه الذي أُمر به؛ قال الله تعالى: ﴿ وأقم الصلاة
إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾، هذه فائدة عظيمة،
إذا صلى الإنسان صلاة أتمها بركوعها وشروطها وواجباتها وسننها ، فإنها تنهاه عن
الفحشاء والمنكر؛ أي: تُوجب أن يبغض الرجل كلَّ فحشاء وكلَّ منكر.
ولهذا قال: ﴿ أَقِمِ الصَّلاةَ
إِنَّ الصَّلاةَ ﴾؛ يعني: التي تُقيمها كما تقدم - تنهى عن الفحشاء والمنكر.
أحضِر قلبك قبل بدنك ، واستحضر
عظمة من تناجي وهو الله , حتى تؤتى
ثمارها.
3- أنها عون للإنسان على أمور
دينه ودنياه؛ قال الله تعالى: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ﴾، وكان
النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر، صلَّى؛ أي: إذا أهمَّه أمرٌ.
4- ما رتَّب الله عليها من الأجر
العظيم والخير الكثير؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خمسُ صلواتٍ كتبهنَّ الله
على العباد، فمن جاء بهنَّ لم يُضيِّع منهنَّ شيئًا استخفافًا بحقِّهنَّ، كان له
عند الله عهد أن يدخلَه الجنة) رواه ابو داود وغيره .
وعن عبدالله بن عمر رضي الله
عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يومًا، فقال: (مَن حافظ عليها
كانت له نورًا وبرهانًا، ونجاة يوم القيامة، ومَن لم يُحافظ عليها لم يكن له نورٌ،
ولا برهانٌ، ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون، وفرعون، وهامان، وأُبي بن خلف)؛
رواه أحمد بإسناد جيد، فمن حافظ على هذه الصلوات وأدَّاها على الوجه المشروع، كانت
له نورًا وبرهانًا، ونجاةً يوم القيامة.
5- أنها كفارة لصغائر الذنوب
وتطهير من الخطايا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: (أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسلُ منه كلَّ يوم خمس مراتٍ، هل
يبقى من درنه شيء؟)، قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: (فذلك مثل الصلوات الخمس،
يمحو الله بهنَّ الخطايا)؛ رواه البخاري ومسلم.
باركَ
اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه
مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ
لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيم.
الخطبة
الثانية
الحمد
لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى
الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
عباد الله: ومن فوائدها
وثمراتها :
6- أنها صلة بين المصلي وربه،
فالمصلي إذا قام في صلاته استقبله الله بوجهه، (فإذا قال العبد: الحمدُ لله ربِّ
العالمين؛ قال الله تعالى: (حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله تعالى:
أثني عليَّ عبدي، وإذا قال: ملك يوم الدين، قال: مجَّدني عبدي، وقال مرة: فوَّض
إلي عبدي، فإذا قال: إياك نعبدُ وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدني، ولعبدي
ما سأل، فإذا قال: الصراط المستقيم، قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل).
يا إخوان، أكثر أوقاتنا نُصلِّي
ولا نصلِّي، يصلِّي الإنسانُ وجسمه في مُصلاه في مسجده، لكن قلبه في كل وادٍ يفكر
بهاجسٍ، يبيع، ويشتري، ويحرث، ويستأجر، ويؤجِّر، ويرهنُ، ويرتهن، فهذا لم يصلِّ
كما ينبغي، ولهذا جاء في الحديث: (إن الرجل لينصرفُ وما كُتب له إلا عُشر صلاته،
تُسُعُها، ثُمُنُها، سُبُعُها، سُدُسُها خُمُسُها رُبُعُها، ثُلُثُها نصفها)، كلها
راحت بسبب الهواجس، والله سبحانه وتعالى يعلم ما في قلوبنا، فإذا لم تُصلِّ قلوبنا
قبل أجسامنا، فصلاتنا ناقصة، أسألُ الله أن يعاملني وإياكم بعفوه، وأن يجعلنا ممن
يقولُ ويفعل..
فاللهم
يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ربنا
اجعلنا مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا ربنا وتقبل دعاء، اللهم أصلحْ لنا ديننا الذي هو
عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا
واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم ولّ على
المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم يا رب العالمين.
اللهم
ادفع عن بلادنا مضلات الفتن والشرور والوباء والبلاء، اللهم ادفع وارفع واصرف عنا
الوباء والبلاء، وقنا شر الأدواء يا سميع الدعاء. اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك
وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك اللهم إنا نعوذ بك من البرص والجنون والجذام
وسيئ الأسقام. اللهم إنا نسألك أن تكفينا شر الأوبئة والأمراض يا أرحم الراحمين.
اللهم
وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم أنصارا لدينك واجزهم خير الجزاء
على ما يقومون به من خدمة للإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.
رَبَّنَا
ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ
مِنَ الْخَاسِرِينَ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ
حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا
يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى
الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ.
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ وليد الشعبان تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129
|