لكل أمة فتنة
الحمدُ للهِ الذّي وسعتْ رحمتُهُ كلَّ شيءٍ، وعمّ بفضلِهِ كلَّ حيٍّ،
أحمدُ ربِّي وأشكُرُهُ ما أعظمَ برَّه وأكثرَ خيرَه وأغزرَ إحسانه وأوسعَ امتنانَه،
وأشهدُ أن لا إله إلاّ الله وحدَه لا شريك له ولا ربَّ لنا سواه ولا نعبُدَ إلا إيّاه،
وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ ومصطفاه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه،
وسلم تسليما كثيراً إلى يوم لقاه أما بعد:
أيها
الناس: اتقوا الله -تعالى- واعلموا أن الله أنعم علينا بنعم لا تعد ولا تحصى , وكل
نعمة لا تقربنا إلى الله فهي نقمة وخزي .
ومن
تلكم النعم (نعمة المال) فالمال الذي بين أيدينا نعمة من نعم الله علينا , وهو فتنة
يختبر الله به عباده : فتنة في تحصيلها، وفتنة في تمويلها، وفتنة في إنفاقها.
فانتبهوا لهذا الكلام جيداً: أما الفتنة في تحصيلها؛
فإن الله -تعالى- شرع لتحصيلها طرقا معينة، مبنية على العدل بين الناس، واستقامة معاملتهم،
بحيث يكسبها الإنسان من وجه طيب ليس فيه ظلم ولا عدوان.
فانقسم الناس في ذلك قسمين:
قسما اتقى الله -تعالى-، وأجمل في الطلب، اكتسبها
من طريق الحلال، فكانت بركة عليه إذا أنفق، ومقبولة منه إذا تصدق، وأجراً له إذا خلفها
لورثته، فهو غانم منها دنيا وأخرى.
والقسم الثاني: لم يتق الله، ولم يجمل في الطلب،
فصار يكتسب المال من أي طريق أتيح له، من حلال أو حرام، من عدل أو ظلم، لا يبالي بما
اكتسب، فالحلال عنده ما حل بيده.
فهذا المال الذي اكتسبه من طريق محرم إن أنفقه لم
يبارك له فيه، وإن تصدق به لم يقبل منه، وإن خلفه بعده كان زادا له إلى النار، لغيره
غنمه، وعليه إثمه وغرمه. فهذه فتنة المال في تحصيله.
وأما
فتنة المال في تمويله؛ فمن الناس من كان المال أكبر همه، وشغل قلبه، ولا نصب عينه إلا
المال، إن قام فهو يفكر فيه، وإن قعد فهو يفكر فيه، وإن نام كانت أحلامه فيه، فالمال
ملء قلبه، وبصر عينه، وسمع أذنه، وشغل فكره، يقظة ومناما، حتى عباداته لم تسلم، فهو
يفكر في ماله في صلاته، وفي قراءته، وفي ذكره، كأنما خلق المال وحده، فهو النهم الذي
لا يشبع، والمفتون الذي لا يقلع.
ومع
ذلك الهم والفتنة، فلن يأتيه من الرزق إلا ما كتب له، ولن تموت نفس حتى تستكمل رزقها
وأجلها.
ومن الناس من عرف للمال حقه، ونزله منزلته، فلم يكن
أكبر همه، ولا مبلغ علمه، وإنما جعله في يده لا في قلبه فلم يشغله عن ذكر الله ولا
عن الصلاة ولا عن القيام بشرائع الدين ولا فروضه.
بل جعله وسيلة يتوسل بها إلى فعل الخيرات، ونفع القرابات،
وذوي الحاجات.
فهذا هو صاحب العيش الرغد المحصل لما كتب له في الرزق
من غير تعب في قلبه ولا نكد.
وأما
الفتنة في إنفاق المال، فإن الناس انقسموا إلى ثلاثة أقسام:
منهم البخيل الذي منع حق الله، وحق عباده في ماله،
فلم يؤد الزكاة، ولم ينفق على من يجب الإنفاق عليه من الأهل والمماليك والقرابات.
ومن الناس المسرف المفرط الذي يبذر ماله، وينفقه
في غير وجهه، وفيما لا يحمد عليه شرعا ولا عرفا.
فهذا
من إخوان الشياطين.
ومن
الناس من إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا، قد بذلوا الواجبات، وكملوها بالمستحبات،
وبذلوا ما يحمدون عليه في العادات.
فهؤلاء هم عباد الرحمن الَّذِينَ: (إِذَا أَنفَقُوا
لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا( الفرقان:67).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات
والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد
أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليماً كثيراً، أما
بعد:
أيها
المسلمون: لقد لعب الشيطان بأفكار بعض الناس، فتجرأ كثير من الناس على الغش في معاملتهم، وجعلوا
الكسب من الغش والخداع مغنما. ووالله إنه المغرم؛ لأنه كسب حرام لا بركة فيه ولا مصلحة،
بل فيه مفاسد متعددة.
فمن مفاسد الغش: أن صاحبه قد تبرأ منه -صلى الله
عليه وسلم- حيث قال: "من غش فليس منا "صحيح مسلم
فهذا
نص صحيح صريح إن من غش فليس من المسلمين، نعم ليس من المسلمين؛ لأن المسلم حقيقة من
يعامل إخوانه بصدق وصراحة، كما يحب أن يعاملوه بالصدق والصراحة.
فالمؤمن هو من يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
معاشر المؤمنين: ومع توافر النعم وتيسير القروض
تمرد آخرون على حدود الله وأوامره وشرعه فتجد الواحد منهم – وان كانوا قليلا
- همه جمع المال بأي طريق :
فيجلب
المنكرات في متجره فيبيع الدخان والشيشة وغيرها ويقول بجهله وكبريائه: لو لم أبع الدخان
ما أتاني أحد!!!!! وكأن الدخان هو الرزاق " كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا
كذبا" .
وآخر
يرى المنكر في متجره من اختلاط بين الجنسين وعبارات ساقطة تنافي الحشمة، ولا يتمعر وجهه غضبا لله (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )
فكيف
لو سُبّ أهله!!!! أو سُبت قبيلته!!! لرأيت الهلع والغضب والصراخ
ألا ساء ما يحكمون .
وبعدُ
ففتنة المال أعظم فتنة قال النبي صلى الله عليه وسلم [ لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال
]رواه الترمذي وهو صحيح.
اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نعوذ
بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما
بطن، إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الرضا والغضب، والقصد في الغنى
والفقر، ونسألك الرضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت، ونسألك لذة النظر في وجهك،
وشوقا إلى لقائك، من غير ضراء مضرة، أو فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا
من الهداة المهتدين. اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم إنا نسألك الثبات
في الأمر ، والعزيمة على الرشد ، ونسألك شكر نعمتك ، وحسن عبادتك ، ونسألك قلوبا سليمة
، وألسنة صادقة ، ونسألك من خير ما تعلم ، ونعوذ بك من شر ما تعلم ، ونستغفرك لما تعلم
، إنك أنت علام الغيوب.
اللهم إنا نعوذُ بك من سُوء القضاء، وشماتَة الأعداء، ودرَكِ الشَّقاء،
وجَهدِ البلاء. اللهم إنا نعوذُ بك مِن الهمِّ والحزَن، والجُبن والبُخل، والعَجز والكسَل،
ونعوذُ بك اللهمَّ مِن غلَبَة الدَّين وقَهرِ الرِّجال.
اللهم ارفَع عن المُسلمين ما أصابَهم، اللهم ارفَع عنهم ما أصابَهم،
اللهم اكشِف عنهم البلاء والضرَّاء، اللهم ارحَم ضعفَهم، واجبُر كسرَهم يا رب العالمين..
اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صلّ وسلم على نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129
|