الدعاء
سلاح الأتقياء
من كلام
العلامة ابن سعدي رحمه الله
الحمد
لله الذي أمر بالدعاء، ووعد عليه الإجابة، وحث على أفعال الخير كلها، وجعل جزاءها
القبول والإثابة، فسبحانه من كريم جواد، رؤوف بالعباد، يأمر عباده بالتقرب إليه
بالدعاء، ويخبرهم أن خزائنه ليس لها نفاد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، ولا ند ولا مضاد، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد الرسل وخلاصة العباد، اللهم
صل وسلم على محمد، وعلى آله وأصحابه العلماء العبّاد، وعلى التابعين لهم بإحسان
إلى يوم التناد.
أما
بعد: أيها الناس،
اتقوا
الله تعالى، وتعرضوا لنفحات المولى في جميع الأوقات، بالدعاء والرجاء، واعلموا أن
الدعاء يجلب الخيرات ويستدفع به البلاء، وأنه ما دعى الله داع إلا أعطاه ما سأله
معجلا، أو ادخر له خيرا منه ثوابا مؤجلا، وصرف عنه من السوء أعظم منه، كرما منه
وإحسانا وتفضلا، وفي الصحيح مرفوعا: «يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم
ما لم يعجل " قيل: يا رسول الله: ما الاستعجال؟ قال:
" يقول
قد دعوت، وقد دعوت فلم أر يستجاب لي، فيتحسر عند ذلك، ويدع الدعاء» رواه الامام
مسلم، و «ليس شيء أكرم على الله من الدعاء» رواه أحمد والترمذي وهو حديث حسن. وقال "الدعاء هو العبادة " ثم قرأ
قوله تعالي: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] الآية.
أيها الناس:
إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء، ليسأل أحدكم ربه
حاجاته كلها، وكيف لا يكون الدعاء مخ العبادة وخالصها؟!! وهو من أعظم القرب لرب
العالمين، وبه يدرك العبد مصالح الدنيا والدين، وبكثرة الإلحاح فيه على الله ينقطع
الرجاء من المخلوقين، ويكمل رجاؤه وطمعه في رحمة أرحم الراحمين، ألا وإن الدعاء
ينبئ عن حقيقة العبودية، وقوة الافتقار، ويوجب للعبد خضوعه وخشوعه لربه وشدة
الانكسار، فكم من حاجة دينية، أو دنيوية ألجأتك إلى كثرة التضرع واللجأ إلى الله
والاضطرار إليه، وكم من دعوة رفع الله بها المكاره وأنواع المضار؟! وجلب بها
الخيرات والبركات والمسار، وكم تعرض العبد لنفحات الكريم في ساعات الليل والنهار،
فأصابته نفحة منها في ساعة إجابة، فسعد بها، وأفلح والتحق بالأبرار، وكم ضرع تائب
فتاب عليه وغفر له الخطايا والأوزار!! وكم دعاه مضطر فكشف عنه السوء وزال عنه
الاضطرار، وكم لجأ إليه مستغيث فأغاثه بخيره المدرار!! فمن وفق لكثرة الدعاء
فليبشر بقرب الإجابة، ومن أنزل حوائجه كلها بربه فليطمئن بحصولها من فضله وثوابه،
فحقيق بك أيها العبد أن تلح بالدعاء ليلا ونهارا، وأن تلجأ إليه سرا وجهارا، وأن
تعلم أنه لا غنى لك عنه طرفة عين في دينك ودنياك، فإنه ربك وإلهك ونصيرك ومولاك،
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة: 186] الآية..
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر
الحكيم ، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين ، إن ربي غفور رحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما
كثيرا . أما بعد:
عباد الله: {ادْعُوا
رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلا
تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ
رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} .
الدعاء يدخل
فيه دعاء المسألة، ودعاء العبادة، فأمر بدعائه {تَضَرُّعًا} أي: إلحاحا في
المسألة، ودُءُوبا في العبادة، {وَخُفْيَةً} أي: لا جهرا وعلانية، يخاف منه
الرياء، بل خفية وإخلاصا لله تعالى.
{إِنَّهُ لا
يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} أي: المتجاوزين للحد في كل الأمور، ومن الاعتداء كون
العبد يسأل الله مسائل لا تصلح له، أو يتنطع في السؤال، أو يبالغ في رفع صوته
بالدعاء، فكل هذا داخل في الاعتداء المنهي عنه.
وحاصل ما ذكر
الله من آداب الدعاء: الإخلاص فيه لله وحده، لأن ذلك يتضمنه الخفية، وإخفاؤه
وإسراره، وأن يكون القلب خائفا طامعا لا غافلا ولا آمنا ولا غير مبال بالإجابة،
وهذا من إحسان الدعاء، فإن الإحسان في كل عبادة بذل الجهد فيها، وأداؤها كاملة لا
نقص فيها بوجه من الوجوه، ولهذا قال: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ
الْمُحْسِنِينَ} في عبادة الله، المحسنين إلى عباد الله، فكلما كان العبد أكثر
إحسانا، كان أقرب إلى رحمة ربه، وكان ربه قريبا منه برحمته، وفي هذا من الحث على
الإحسان ما لا يخفى..
فاللَّهمَّ
وفِّقنا لِهُداك، وأعِنَّا على طاعتك، ولا تَكِلْنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل
من ذلك. فاللهم رحمتك نرجو، فلا تكلننا إلى أنفسنا طرفة عين، وأصلح لنا شأننا كله،
لا إله إلا أنت.. اللهم واصلح قلوبَنا ونياتِنا وأعمالَنا.
اللهم
أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم ارفع
البلاء عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ عليهم
دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، اللهم اكفنا والمسلمين شر الأشرار
وكيد الفجار، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم يا رب العالمين، اللهم قاتل
الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أهل دينك اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك, اللهم
أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز، اللهم وفقّ ولاة أمرنا
بتوفيقك، وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك يا ذا الجلال والإكرام، وارزقهم بطانة
الصلاح وأهل الخير، وأبعد عنهم أهل الزيغ والفساد، اللهم من أرادنا وأراد ديننا وبلادنا
ونسائنا بسوء اللهم فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا
رب العالمين، اللهم انصر جنودنا، اللهم انصر جنودنا، اللهم اربط على قلوبهم وأنزل
السكينة عليهم وثبت أقدامهم يا قوي يا عزيز، اللهم اقبل منا ومن المسلمين صالح الأعمال
وتجاوز عن التقصير والآثام، وأعتقنا من النار يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر للمسلمين
والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات انك قريب مجيب الدعوات اللهم
صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين .
وللمزيد
من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129 |