ذوق الصلاة
من كلام الشيخ السعدي رحمه الله
الحمدُ
لله على سعةِ عطائِه، وكثرةِ نعمائِه، أحمدُهُ -تعالى- وأشكره على سوابغ آلائه
وتَرادُف امتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعالى بعزته
وكبريائه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، خيرتُه من خلقِه وصفيُّه من أوليائِه ، صلى
الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا مزيداً إلى يوم لقائه. أما بعد:
فيا أيها الناس اتقوا الله
تعالى، فمن اتقاه وقاه ، ومن توكل عليه كفاه ، واعلموا عباد الله أن الصلاة قرة
عيون المحبين ,ولذة أرواح الموحدين , وبستان العابدين ,ولذة نفوس الخاشعين كيف لا
!!! وسيدهم وإمامهم – سيد ولد آدم أجمعين- صلى الله عليه وسلم كان يقول: [وجعلت
قرة عيني في الصلاة]
أيها الناس: الصلاة المقصود
الأعظم بها إقامة ذكر الله والخشوع له والحضور بين يديه ومناجاته بعبادته وهذا
المقصود للقلب أصلا, والجوارح كلها تبع له, ولهذا يتنقل العبد في الصلاة من قيام
الى ركوع, ومنه الى سجود, ومنه الى رفع وهو في ذلك يتنوع في الخشوع لربه والقيام
بعبوديته من حال الى حال .
ولكل ركن من الحكم والأسرار ما
هو من أعظم مصالح القلب والروح والايمان
ولهذا علق الله الفلاح التام على هذا فقال: ( قد أفلح المؤمنون. الذين هم في
صلاتهم خاشعون)
وجماع هذا أن يجتهد العبد في
تدبر ما يقوله من القراءة والذكر والدعاء وما يفعله من هذه التنقلات, وكمال هذا أن
يعبد الله كأنه يراه فإن لم يقو على هذا: استحضر رؤية الله له, وبحسب حصول هذا
المقصود يحصل تأخيرها للعبد له من الأجر والثواب والقبول والقرب من ربه ما يحصل
ولهذا ورد في الأثر: ليس من صلاتك إلا ما عقلت منها - ومعناه: حصول هذه المقاصد الجليلة - وإلا
إبراء الذمة وزوال التبعة تحصل بأداء جميع لازمات الصلاة, ولكن يتفاوت المؤمنون في
صلا تهم بحسب تفاوت إيمانهم .
ثم بعد هذا الإجمال – يحسن
بالمؤمن أن يعتني بجوارحه في الصلاة وكيف تتم لها عبودية الله عز وجل –
فاللسان بعد القلب أعظمها وأكثرها عبودية لأنه
يتنقل في صلاته من قراءة إلى أذكار متنوعة إلى أدعية بعضها أركان وبعضها واجبات
وبعضها مكملات
أما الأركان المتعلقة باللسان:
1) فأعظمها تكبيرة الاحرام وهي قول: الله أكبر ولا يجزئ غيرها .
2) ثم قراءة الفاتحة في كل ركعة على كل أحد إلا المأموم إذا جهر إمامه
على القول الصحيح
3) ثم التشهد الأخير
4) ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
5) والتسليمتان.
وأما واجبات اللسان:
فالتكبيرات كلها غير تكبيرة
الإحرام.
وقول سمع الله لمن حمده للإمام
والمنفرد
وقول ربنا ولك الحمد وقول سبحان
ربي العظيم مرة في الركوع . وسبحان ربي الأعلى مرة في السجود وقول رب اغفر لي بين
السجدتين . والتشهد الأول .
واعلموا أيها الناس عبادَ الله
: أنه لا يشرع السكوت في الصلاة أصلا إلا إذا جهر الإمام فيشرع للمأموم الإنصات
لقراءته وكذلك لقنوته كما قال تعالى: [ وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا].
وأما ما يتعلق باليدين فرفع
اليدين إلى حذو المنكبين في أماكنها وهي :
1) عند تكبيرة الإحرام
2) وعند تكبيرة الركوع
3) وعند الرفع منه
4) وعند الرفع من التشهد الأول
5) وكذلك تكبيرات العيد اللاتي بعد تكبيرة الإحرام وبعد تكبير الانتقال
للركعة الثانية
6) وتكبيرات الجنائز
7) والاستسقاء كالعيد.
ومن عبادة اليدين :
أن يكون في حال قيامه قابضاً
يسراه على يمناه واضعا لهما على سرته أو تحتها أو فوقها.
وأن يجعلهما على ركبتيه في
الركوع مفرقتين, ولا يستحب تفريق أصابعهما في غير هذا الموضع.
وأن يجعلهما في سجوده حذو
منكبيه مستقبلا بهما القبلة مجافياً لهما عن جنبيه مبسوطتين مضمومتي الأصابع.
وأن يجعلهما على ركبتيه أو
فخذيه في الجلوس بين السجدتين مبسوطتين مضمومتي الأصابع مُوجِهاً أصابعهما للقبلة
, وكذلك في التشهدين - إلا أنه ينبغي في التشهدين أن يقبض من اليمنى الخنصر
والبنصر ويحلق الابهام مع الوسطى , وأن يشير بالسبابة إلى توحيد الله -..
باركَ
اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه
مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ
لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيم.
الخطبة
الثانية
الحمد
لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى
الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
عباد الله: وأما مايتعلق بالقدمين
في الصلاة:
فالقيام في الفرض ركن لا تتم
إلا به على القادر .
وينبغي أن يفرقها ولا يضم بعضها
إلى بعض حيث أمكن بلا مشقه .
وأن تكونا في السجود منصوبتين
وبطون أصابعهما على الأرض موجهة أطرافها إلى القبلة .
وأما في الجلوس فينصب اليمنى,
ويوجه أصابعها إلى القبلة , ويفرش اليسرى ويجلس عليها إلا في التشهد الأخير فيتورك
بأن يخرجها من تحته ويجلس على الأرض.
وكذلك ينبغي موازنة الرجلين فلا
يقدم إحداهما على الأخرى.
وإذا كانوا جماعة سووا صفوفهم
بمساواة المناكب والأكعب.
وأما مايتعلق بالعينين :
فالمشروع ان يكون نظره إلى موضع
سجوده , لأنه أعون له على الخشوع وعدم تفرق القلب , كما شرع لأجل هذا المعنى أن
يصلي الانسان إلى سترة , فإن في السترة فوائد عديدة منها هذا المقصد.
ويستثنى من هذا إذا كان في
التشهد فإنه ينظر إلى سبابته عند الاشارة الى التوحيد , وهذا الحكم وهو النظر إلى
محل سجوده حتى في المسجد الحرام فلا يستحب النظر الى الكعبة.
ويكره أيضا النظر في صلاته إلى
كل ما يلهي قلبه ويشوشه, ويكره العبث بشي من الاعضاء .
وإن تثاوب كظم , فإن لم يستطع وضع يده على فيه .
عباده الله وأسرار الصلاة
ولذتها أكثر من أن تُحصى في خطبة أو خطبتين .
وانظروا أخيراً في عبادة
السجود, فالسجود هو أعظم حالة يخضع بها العبد فإنه يخضع قلبه وبدنه لله، ويجعل
أشرف أعضائه على الأرض المهينة موضع وطء الأقدام
يضعه محبة وذلاً وخوفاً ورجاءً وعظمةً ومهابةً كما قال تعالى {فَاسْجُدُوا
لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} فالأمر بالسجود لله خصوصا، ليدل ذلك على فضله وأنه سر
العبادة ولبها، فإن لبها الخشوع لله والخضوع له.
فاللهم
يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ربنا
اجعلنا مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا ربنا وتقبل دعاء، اللهم أصلحْ لنا ديننا الذي هو
عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا
واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم ولّ على
المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم يا رب العالمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين،
اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين
في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم
وأموالهم يا رب العالمين، يا قوي يا عزيز.
اللهم
ادفع عن بلادنا مضلات الفتن والشرور والوباء والبلاء، اللهم ادفع وارفع واصرف عنا
الوباء والبلاء، وقنا شر الأدواء يا سميع الدعاء. اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك
وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك اللهم إنا نعوذ بك من البرص والجنون والجذام
وسيئ الأسقام. اللهم إنا نسألك أن تكفينا شر الأوبئة والأمراض يا أرحم الراحمين.
اللهم
وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم أنصارا لدينك واجزهم خير الجزاء
على ما يقومون به من خدمة للإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.
رَبَّنَا
ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ
مِنَ الْخَاسِرِينَ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ
حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا
يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى
الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ.
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ وليد الشعبان تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129
|