من الوصايا القرآنية للرجال
الحمدُ
لله الذي نوَّر قلوبَ أوليائِه بالقرآن، وأضاءَ بصائِرَهم بالإيمان، وجمَّلَ
أعمالَهم بالإحسان، أحمدُ ربي وأشكرُه على نعمِه التي لا يُحيطُ بها سِواه، وأشهدُ
أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، له المُلك وله الحمدُ الرحيمُ الرحمن. وأشهد
أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه المخصُوصُ بجوامِعِ الكلِم وكمال
البيَان، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه والتابِعين
لهم بإحسانٍ. أما بعد:
فاتَّقُوا اللهَ
تعالى يغفِر لكم، ويجمَع لكم الخيرَ في حياتِكم، وبعد مماتِكم..
قال تعالى:
{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى
بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ
حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ
فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ
أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا
كَبِيرًا}
قال العلامة
عبدالرحمن السعدي رحمه الله: هذا خبر وأمر، أي: الرجال قوامون على النساء في أمور
الدين والدنيا، يلزمونهن بحقوق الله، والمحافظة على فرائضه، ويكفونهن عن جميع
المعاصي والمفاسد، وبتقويمهن بالأخلاق الجميلة والآداب الطيبة، وقوامون أيضا عليهن
بواجباتهن من النفقة والكسوة والمسكن وتوابع ذلك، {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ
عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34] أي: ذلك بسبب
فضل الرجال عليهن وإفضالهم عليهن، فتفضيل الرجال على النساء من وجوه متعددة: من
كون الولايات كلها مختصة بالرجال والنبوة والرسالة، وباختصاصهم بالجهاد البدني،
ووجوب الجماعة والجمعة ونحو ذلك، وبما تميزوا به عن النساء من العقل والرزانة
والحفظ والصبر والجلد والقوة التي ليست للنساء، وكذلك يده هي العليا عليها
بالنفقات المتنوعة، بل وكثير من النفقات الأخر والمشاريع الخيرية، فإن الرجال
يفضلون النساء بذلك كما هو مشاهد، وعلم من ذلك أن الرجل كالوالي والسيد على
امرأته، وهي عنده أسيرة عانية تحت أمره وطاعته، فليتق الله في أمرها، وليقومها
تقويما ينفعه في دينه ودنياه، وفي بيته وعائلته يجد ثمرات ذلك عاجلا وآجلا، وإلا
يفعل فلا يلومن إلا نفسه؛ وهن قسمان:
القسم الأول: قسم هن
أعلى طبقات النساء، وخير ما حازه الرجال، وهن المذكورات في قوله: {فَالصَّالِحَاتُ
قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء: 34] أي: مطيعات
لله ولأزواجهن، قد أدت الحقين، وفازت بكفلين من الثواب، حافظات أنفسهن من جميع
الريب، وحافظات لأمانتهن ورعاية بيوتهن،
وحافظات للعائلة بالتربية الحسنة، والأدب النافع في الدين والدنيا، وعليهن بذل
الجهد والاستعانة بالله على ذلك؛ فلهذا قال: {بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء: 34]
أي: إذا وفقن لهذا الأمر الجليل فليحمدن الله على ذلك، ويعلمن أن هذا من حفظه
وتوفيقه وتيسيره لها، فإن من وكل إلى نفسه فالنفس أمارة بالسوء، ومن شاهد منة
الله، وتوكل على الله، وبذل مقدوره في الأعمال النافعة، كفاه الله ما أهمه، وأصلح
له أموره، ويسر له الخير، وأجراه على عوائده الجميلة.
والقسم الثاني: هن
الطبقة النازلة من النساء، وهن بضد السابقات في كل خصلة، اللاتي من سوء أخلاقهن
وقبح تربيتهن تترفع على زوجها، وتعصيه في الأمور الواجبة والمستحبة، فأمر الله
بتقويمهن بالأسهل فالأسهل – نعم الأسهل فالأسهل - فقال: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ
نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} [النساء: 34] أي: بينوا لهن حكم الله ورسوله في وجوب
طاعة الأزواج، ورغبوهن في ذلك بما يترتب عليه من الثواب، وخوفوهن معصية الأزواج ،
فإن تقوّمن بالوعظ والتذكير فذلك المطلوب، وحصل الاتفاق الذي لا يشوبه مكدر، فإن
لم يفد التذكير فاهجروهن في المضاجع، بأن لا ينام عندها، ولا يباشرها بجماع ولا
غيره؛ لعل الهجر ينجع فيها، ذلك بمقدار ما يحصل به المقصود فقط، فإن القصد بالهجر
نفع المهجور وأدبه، ليس الغرض منه شفاء النفس كما يفعله من لا رأي له إذا خالفته
زوجته أو غيرها، ولم يحصل مقصوده، هجر هجرا مستمرا، أي: بقي متأثرا بذلك، عاتبا
على من لم يواته على ما يحب، ووصلت به الحال إلى الحقد الذي هو من الخصال الذميمة،
فهذا ليس من الهجر الجميل النافع، وإنما هو من الحقد الضار بصاحبه، الذي لا يحصل
به تقويم ولا مصلحة، فإن نفع الهجر للزوجة وإلا انتقل إلى ضربها ضربا خفيفا غير
مبرح، فإن حصل المقصود، ورجعت إلى الطاعة، وتركت المعصية، عاد الزوج إلى عشرتها الجميلة،
ولا سبيل له إلى غير ذلك من أذيتها؛ لأنها رجعت إلى الحق..
بارك
الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ
الحكيم، ونفعَنا بهَديِ سيِّد المُرسَلين وقَولِه القَويم، أقولُ هذا القول،
وأستغفرُ الله لي ولكم وللمُسلمين، فاستغفِرُوه، إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة
الثانية
الحمد
لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صل
وسلم وبارك عليه وعلى وآله وصحبه أجمعين، أما بعد فيا
عباد الله :-
وقوله: {وَإِنْ
خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ
أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ
كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء: 35]
هذه حالة أخرى غير
الحالة السابقة التي يمكن للزوج معالجتها، وهذه إذا استطار الشر بين الزوجين،
وبلغت الحال إلى الخصام وعدم الالتئام، ولم ينفع في ذلك وعظ ولا كلام {فَابْعَثُوا
حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] عدلين عاقلين
يعرفان الجمع والتفريق، ويفهمان الأمور كما ينبغي، فإن الحَكَم لا بد أن يتصف بهذه
الأوصاف، فيبحثان في الأسباب التي أدت بهما إلى هذه الحال، ويسألان كلا منهما ما
ينقم على صاحبه، ويزيلان ما يقدران عليه من المعتبة بترغيب الناقم على الآخر
بالإغضاء عن الهفوات واحتمال الزلات،
وإرشاد الآخر إلى الوعد بالرجوع، وإرشاد كل منهما إلى الرضى والنزول عن بعض حقه،
فكم حصل بهذا الطريق من المصالح شيء كثير، وفي مثل هذا أرشد نبينا صلى الله عليه
وسلم فقال ( لا يفرك _أي لا يبغض _ مؤمن مؤمنة إن كره منها خلق رضي منها خلقا آخر
) ثم قال: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35]
أي: بسبب الرأي الميمون، والكلام اللطيف، والوعد الجميل الذي يجذب القلوب، ويؤثر
فيها: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا} [النساء: 35] بالسرائر والظواهر مطلعا على
الخفايا، فمن كمال علمه وحكمته شرع لكم هذه الأحكام الجليلة التي هي الطريق الوحيد
إلى القيام بالحقوق: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.
اللهم
صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك
حميدٌ مجيد، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى
آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
اللهم
إنا نسألُك أن تغفِرَ لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا، اللهم اغفِرَ لنا ما قدَّمنا
وما أخَّرنا، وما أسرَرنا وما أعلنَّا، وما أنت أعلمُ به منَّا، انت المُقدِّم
وأنت المُؤخِّرُ، لا إله إلا أنت.
اللهم
اغفِر لأمواتِنا وأمواتِ المُسلمين، اللهم اغفِر لأمواتِنا وأمواتِ المُسلمين يا
ربَّ العالمين، اللهم نوِّر عليهم قبورَهم، اللهم ضاعِف حسناتهم، وتجاوَز عن
سيئاتِهم.
اللهم
إنا نعوذُ بك من سُوء القضاء، وشماتَة الأعداء، ودرَكِ الشَّقاء، وجَهدِ البلاء.
اللهم
إنا نعوذُ بك مِن الهمِّ والحزَن، والجُبن والبُخل، والعَجز والكسَل، ونعوذُ بك
اللهمَّ مِن غلَبَة الدَّين وقَهرِ الرِّجال.
اللهم
إنا نسألُك الجنَّة وما قرَّبَ إليها مِن قولٍ أو عملٍ، ونعوذُ بك من النارِ وما
قرَّبَ إليها مِن قولٍ أو عملٍ برحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم
طهِّر قلوبَنا مِن النِّفاق، وأعمالَنا مِن الرِّياء، وأعيُننَا مِن الخيانة يا ذا
الجلال والإكرام. اللهم أعِنَّا على ذِكرِك وشُكرِك وحُسن عبادتِك، اللهم أعِنَّا
على ذِكرِك وشُكرِك وحُسن عبادتِك يا رب العالمين. اللهم لا تكِلنا إلى أنفُسِنا
طرفةَ عينٍ، وأصلِح لنا شأنَنا كلَّه.
اللهم
إنا نسألُك أن ترفعَ عن إخوانِنا، اللهم ارفَع عن إخوانِنا المُؤمنين، اللهم ارفَع
عن المُسلمين ما أصابَهم، اللهم ارفَع عنهم ما أصابَهم، اللهم اكشِف عنهم البلاء
والضرَّاء، اللهم ارحَم ضعفَهم، واجبُر كسرَهم يا رب العالمين، اللهم عليك بمَن
ظلَمَهم، اللهم عليك بمَن ظلَمَهم، وبمَن أعانَ على ظُلمِهم يا رب العالمين.
اللهم
وفِّق ولي أمرنا لما تُحبُّ وترضَى، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك،
وأعِنه على كل خيرٍ يا رب العالمين، وسدِّد آراءَه، اللهم وفِّقه ووفِّق بِطانتَه
لما تُحبُّ وترضَى برحمتِك يا أرحم الراحمين، اللهم ارزُقه الصحةَ والعافِيةَ، إنك
على كل شيءٍ قدير. اللهم احفَظ بلادَنا، اللهم احفَظ بلادَنا وحُدودَنا مِن كل
شرٍّ ومكرُوهٍ يا رب العالمين، اللهم عليك يا ذا الجلال والإكرام بمَن كادَ
للإسلام والمُسلمين برحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم
أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك أنزل علينا الغيث ولا
تجعلنا من القانطين. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثا مغيثا، سحا
طبقاً، عاجلاً غير آجل، تسقي به البلاد وتنفع به العباد، وتجعله زاداً للحاضر
والباد يا ذا الجلال والإكرام .اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129 |