صحيح السنة لِمن أراد بيتاً في الجنة
الحمد لله رب العالمين،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ
على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد ، وبارك
على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد . أما
بعد:
عباد الله: اتقوا الله تعالى وراقبوه
جل وعلا في السر والعلانية والغيب والشهادة مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه.
إخوتي في الله:كم يسعى
الإنسان ويشقى في هذه الحياة الدنيا ليبني له بيتاً فيها ، فيخسر من ماله وجهده
وفكره ووقته ما لا يخطر على بال.
ثم هذا البيت مُعرَّض للبِلى
والزوال ، والتشقق والتصدع ، وان سلم البيت من ذلك كله فلن يسلم صاحبه من الموت ،
فكلٌ مسافر مع قافلة الراحلين كما قال الله عز وجل: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ
الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ).
ولذلك
المؤمن الحصيف تسموا نفسه ويتشوق ليبني له
بيتاً أو قصراً في الجنة.
وبيوت وقصور الجنة ليست
كبيوتنا وقصورنا حيث جاء في وصف بيوت الجنة ما قاله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
في غير ما حديث:
فمنها قول أبي هريرة رضي الله
عنه: قلنا يا رسول الله: حَدِّثْنَا
عَنِ الْجَنَّةِ مَا بِنَاؤُهَا؟ قَالَ: لَبِنَةُ ذَهَبٍ وَلَبِنَةُ فِضَّةٍ، وَمِلَاطُهَا
الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ، وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ، وَتُرَابُهَا
الزَّعْفَرَانُ، مَنْ يَدْخُلُهَا يَنْعَمُ وَلَا يَبْأَسُ، وَيَخْلُدُ وَلَا يَمُوتُ، لَا تَبْلَى ثِيَابُهُ , وَلَا
يَفْنَى شَبَابُهُ" (رواه أحمد والترمذي ).
وهناك أيها المؤمنون أعمال
رتب عليها النبي صلى الله عليه وسلم أن من عملها فإن الله يبني له بيتاً
في الجنة , فكن فطنا سباقاً لكل باب خير كما قال تعالى: (وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ
الْمُتَنَافِسُونَ) وقال: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ).
فمن هذه الأعمال: بناء
المساجد ما رواه عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:
(مَنْ بَنَى مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ) متفق عليه، وعن
ابْنِ عَبَّاسٍ قال صلى الله عليه وسلم (مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ
كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ) رواه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني. ومفحص القطاة: هو موضعها الذي
تجثم فيه وتبيض. لأنها تفحص عنه التراب. وهذا مذكور لإفادة المبالغة. وإلا فأقل
المسجد أن يكون موضعا لصلاة واحد. وذهب بعض
العلماء إلى أن حديث (مفحص القطاة) على ظاهره، وأن المراد بذلك ما لو اشترك جماعة
في بناء مسجد ، بحيث كان نصيب كل واحد منهم مفحص قطاة ، بنى الله له بيتاً في
الجنة ، وفضل الله تعالى واسع. ويستدل لذلك فعل
عثمان رضي الله عنه حين اشترى أرضاً وأدخلها بالمسجد النبوي متمثلا بوصية نبيه صلى
الله عليه وسلم (من يشتري أرضا ويكون له خيراً منها في الجنة).
ومنها قراءة سورة الإخلاص: فعن
معاذ بن أنس رضي الله عنه قال صلى الله
عليه وسلم: (مَن
قَرَأَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} عشْرَ مَرَّاتٍ؛ بَنَى اللهُ له قصرًا في الجَنَّةِ)
رواه
أحمد.
ومنها الحمد والاسترجاع حال
وقوع المصيبة في الولد: قال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ،
قَالَ اللَّهُ لِمَلائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ:
قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ. فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟
فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَك، فَيَقُولُ اللَّهُ تعالى: ابْنُوا لِعَبْدِي
بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ ) رواه الترمذي وهو
حديث حسن.
ومنها: المواظبة على السنن
الرواتب: عن أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: (مَا
مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً
تَطَوُّعًا، غَيْرَ فَرِيضَةٍ، إِلَّا بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ،
أَوْ إِلَّا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ) قَالَتْ أَمُّ حَبِيبَةَ: (فَمَا
بَرِحْتُ أُصَلِّيهِنَّ بَعْدُ)، وقَالَ عَمْرٌو- وهو أحد رواة الحديث - : (مَا
بَرِحْتُ أُصَلِّيهِنَّ بَعْدُ)، وقَالَ النُّعْمَانُ مِثْلَ ذَلِكَ. أخرجه مسلم.
وهي السنن الرواتب المذكورة
في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: (مَنْ
ثَابَرَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ، دَخَلَ الْجَنَّةَ
أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ
، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ) رواه ابن ماجه قال
الألباني: صحيح.
بارك الله لي ولكم
في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر
الله العظيم لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
:
الحمدُ لله حقَّ
حمده، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى
الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليماً كثيراً، أما بعد:
عباد الله: ومما ورد من الأعمال التي ضمن الله لمن
عمل بها الجنة، ترك الجدال ولو كان محقاً، ترك الكذب ولو كان مازحاً، وحسن الْخُلُق:
قال صلى الله عليه وسلم: (أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ
الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني.
ومنها عيادة المريض أو زيارة أخ في الله قال صلى
الله عليه وسلم: (مَن عادَ مريضًا ، أو زارَ أخًا لَهُ في اللَّهِ ناداهُ مُنادٍ :
أن طِبتَ وطابَ مَمشاكَ وتبوَّأتَ مِنَ الجنَّةِ منزلًا) . رواه أبو دواد والترمذي
وحسنه الألباني.
اللهم إنا نسألُك الجنَّة وما قرَّبَ إليها مِن قولٍ أو عملٍ، ونعوذُ
بك من النارِ وما قرَّبَ إليها مِن قولٍ أو عملٍ برحمتِك يا أرحم الراحمين. اللهم أعِنَّا
على ذِكرِك وشُكرِك وحُسن عبادتِك، اللهم أعِنَّا على ذِكرِك وشُكرِك وحُسن عبادتِك
يا رب العالمين. اللهم لا تكِلنا إلى أنفُسِنا طرفةَ عينٍ، وأصلِح لنا شأنَنا كلَّه.
اللهم طهِّر قلوبَنا مِن النِّفاق، وأعمالَنا مِن الرِّياء، وأعيُننَا
مِن الخيانة يا ذا الجلال والإكرام. اللهم إنا نعوذُ بك من سُوء القضاء، وشماتَة الأعداء،
ودرَكِ الشَّقاء، وجَهدِ البلاء. اللهم إنا نعوذُ بك مِن الهمِّ والحزَن، والجُبن والبُخل،
والعَجز والكسَل، ونعوذُ بك اللهمَّ مِن غلَبَة الدَّين وقَهرِ الرِّجال.
اللهم ارفَع عن المُسلمين ما أصابَهم، اللهم ارفَع عنهم ما أصابَهم،
اللهم اكشِف عنهم البلاء والضرَّاء، اللهم ارحَم ضعفَهم، واجبُر كسرَهم يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تُحبُّ وترضَى، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعَل
عملَه في رِضاك، وأعِنه على كل خيرٍ يا رب العالمين، وسدِّد آراءَه، اللهم وفِّقه ووفِّق
بِطانتَه لما تُحبُّ وترضَى برحمتِك يا أرحم الراحمين. اللهم احفَظ بلادَنا، اللهم
احفَظ بلادَنا وحُدودَنا مِن كل شرٍّ ومكرُوهٍ يا رب العالمين، اللهم عليك يا ذا الجلال
والإكرام بمَن كادَ للإسلام والمُسلمين برحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفِر لأمواتِنا وأمواتِ المُسلمين، اللهم اغفِر لأمواتِنا وأمواتِ
المُسلمين يا ربَّ العالمين، اللهم نوِّر عليهم قبورَهم، اللهم ضاعِف حسناتهم، وتجاوَز
عن سيئاتِهم. اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129
|