الثناء على التواضع وذم
الكبر
الحمد لله الذي خلقَ فسوى، وقدّر فهدى ، أحمده -
سبحانه - وأشكرُه وهبَ وأعطى، وأغنَى وأقنَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، له الحمدُ في الآخرة والأولى، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه خاتمُ
النبيين وسيّد الورَى، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابِه أهل الفضل
والتُّقى، ومن تبِعَهم بإحسانٍ وسارَ على نهجِهم فاهتدَى..
أمَّا بعدُ: فاتقوا الله
الذي خلقكم، واستعينوا على تقواه بما خوَّلكم ورزقكم، فتقواه - عز وجل - سبيل الأسعاد،
ومعقِل الأمجاد، وبها الفوز يوم يقوم الأشهاد.
تكاثرت نصوص الكتاب والسنة
فِي الأمر بالتواضع للحق والخلق، والثناء على المتواضعين، وذكر ثوابِهم العاجل والآجل؛
كما تكاثرت في النهي عن الكبر والتكبر والتعاظم، وبيان عُقوبات المتكبرين.
قال تعالى:﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ
عَلَيْهِ﴾.﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾.﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ﴾
.
فالعبودية لله وحده، وطاعته
في أمره ونَهية، كل ذلك خضوع للحق، فإن أعظم الحقوق: حق الله على عباده، أن يعبدوه
ولا يشركوا به شيئًا، فمن خضع لهذا الحق في أصول الدين وفروعه؛ فهو المتواضع الخاضع
لله، ومن أعرض عنه أو عارضه فهو متكبر، ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه
جميعًا، والنار قد أعدها الله مثوى للمتكبرين عليه، المستكبرين عن العبودية لله.
فالتواضع هو: أصل الدين وروحه،
والتكبر مناف للدين
وبهذا نستطيع أن نفهم حق
الفهم قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال
حبة خردل من كبر».وشدة العقوبة هنا ناسبت شدة
وقوله عن الله تعالى أنه
قال: «العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحدًا منهما، عذبته».
كل من لَم يخضع لله ولعبوديته،
وطاعة رسوله؛ فهو مستكبر، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم التواضع والكبر تفسيرًا
عامًا شاملاً واضحًا، يزيل كل إشكال، ولا يحتاج بعده إلى مقال، فقال حين سئل عن الكبر:
«الكبر بطرُ الحق، وغمط الناس».
ومفهومه: أن التواضع ضده،
وهو قبول الحق، والانقياد له، وعدم احتقار الناس، فمن قَبِل الحق، وانقاد له، ولَم
يُحقر أحدًا، وتواضع لعباد الله؛ فهذا هو المتواضع للحق والخلق؛ وهو القائم بحقوق الله،
وحقوق الخلق.
ومن بطر الحق، فردَّه ولم
ينقد له، وغمط الناس فاحتقرهم، وازدراهم بقلبه، وقوله وفعله؛ فهذا هو المتكبر.
فعليك بهذا الحد الجامع المانع،
وطابق بينه وبين أحوال الخلق عمومًا، أو أخلاقك خصوصًا، وعليك أن تَجتهد، وتُجاهد نفسك
على التحقق والاتصال بِخُلُق التواضع لله، ولعباد الله، لتكون من المفلحين، وإلا كنت
من الخاسرين.
والتواضع أعظم نعمة أنعم
الله بها على العبد. قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ
كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾.وقال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ
لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم﴾.
وهو قيامه صلى الله عليه
وسلم بعبودية الله المتنوعة، وبالإحسان الكامل للخلق، فكان خلقه صلى الله عليه وسلم
التواضع الذي روحه الإخلاص لله، والحنو على عباد الله، ضد أوصاف المتكبرين من كل وجه.
فعلى كل عبد أن يلتزم - التزامًا
عامًا بلا استثناء - تصديق الله ورسوله في كل أمر ونَهي، بامتثال الأمر بحسب القدرة،
واجتناب النهي، قال صلى الله عليه وسلم: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا
منه ما استطعتم».
وما كان كذلك، فقد سلك طريق
الاستقامة، والصراط المستقيم، ولكن لابد للعبد من تفريط في بعض الواجبات، أو تَجرُّؤ
على بعض المُحرمات، ولكن عليه المبادرة عند ذلك للتوبة والاستغفار، كما قال تعالى:
﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ﴾.
وعلى العبد أن يتواضع لعباد
الله، ويلين لهم، ويحب لجميعهم الخير، وينصح لهم في كل حالة من أحوالهم، ويحترم الكبير،
ويحنو على الصغير، ويوقر النظير، ولا يحتقر الناقص في عقله وشرفه ولا الفقير.
طوبي للمتواضعين! وويل للمتكبرين
المتجبرين!
نفعني الله وإياكم بالقرآن
العظيم، وبهدي محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين
من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على ما أفضلَ
وأنعمَ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحدُ الأحدُ الأعزُّ الأكرم،
وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه ذو الخُلق الأسمَى والنهج الأقوَم، صلَّى
الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعِه وسلَّم.
أمَّا بعدُ فيا معاشر المؤمنين
: للمتواضع والمتكبر علامات لا تخفى على المتأملين.
المتواضع: ينقاد للحق مع
من كان، ولا يبالى بترك قول كان يقوله وينصره، إذا اتضح له الصواب.
والمتكبر: يتعصب لأقواله
وأفعاله، ويعجب بقوله ومقاله، يبين له الحق فيشمخ بأنفه متكبرًا عنه، عجبًا وتيهًا،
وبهذا الخلق نزل إلى أسفل الدركات.
المتواضع: يسلم على الصغير
والكبير، والشريف والوضيع، ويقبل بوجهه وقوله على من تصدى له، حتى يقضى حاجته، ويعاشر
كل أحد أكمل معاشرة.
والمتكبر: لا يسلم ولا يقبل
بوجهه على الفقير والحقير، وينأى بجانبه عن مجالستهم، ولا يهتم بشأنهما؛ وإنما يتصدى
ويعظم الرؤساء والكبراء، خاضعًا لهم بقلبه، معظمًا لهم بلسانه، وهذا أكبر برهان معبر
عن رذيلته.
المتواضع: حبيب إلى الله،
حبيب إلى عباد الله، قريب من الخيرات، بعيد من الشرور والمنكرات.
والمتكبر: بغيض إلى الله،
بغيض إلى عباد الله، بعيد عن الإحسان والخيرات، قريب من الشرور والمنكرات.
التواضع: خلق الأنبياء والمرسلين،
ونعت المتقين والمهتدين.
والتكبر: خلق الجبابرة الظالمين.
التواضع: يزيد الشريف شرفًا،
ويرفع الوضيع حتى يصل إلى مقامات الأولياء والأصفياء.
ما أحلى خلق التواضع، وخصوصًا
من الأغنياء والأشراف والرؤساء! وما أقبح الكبر من كل أحد، وبالأخص من الضعفاء والفقراء!
لقد سعد المتواضعون في الدنيا
والآخرة، ولقد رجع المتكبرون بالذل والصفقة الخاسرة، قال تعالى: ﴿وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ
لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ
فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ
لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾.
فما أبعد الفرق بين الفريقين!
وما أشد التفاوت بين الطائفتين، في مقاصدهم، وأقوالهم، وأفعالهم، وصفاتهم!
فهذه النية وهذا العمل وهذه
المعاشرة من هذا التواضع: جميعها قربة يتقرب بها إلى الله، ثم يترتب على ذلك محبة الناس،
وكثرة ثنائهم وأدعيتهم له، وهذا أفضل ما اكتسبه المكتسبون، ونافس فيه المنافسون.
وكل من سمع بأخلاقه، ولو
لم يجالسه، أحبه ودعا له، فمن أعظم الغبن والخسران: الاستهوان بهذه الأمور الجليلة،
والخصال الجميلة التي لا تدرك وتنال إلا بخلق التواضع والإخلاص.
اللهم اهدِنا لأحسنِ الأخلاق
لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهم إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق
والأهواء والأدواء، اللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل
ومن غلبة الدين وقهر الرجال، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب
النار، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لنا وترحمنا
وتتوب علينا، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم احفظنا بالإسلام
قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تشمت بنا أعداء و لا حاسدين
، اللهم إنا نسألك من كل خير خزائنه بيدك ، ونعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك .
اللهم أصلح أحوالنا ونياتنا
وذرياتنا واختم بالصالحات أعمالنا وبلغنا فيما يرضيك آمالنا. اللهم احفظ بلادنا من
كل سوء ومكروه، واحفظها من كل شر وفتنة يا رب العالمين، اللَّهُمَّ رد كيد الكائدين
في نحورهم وكفنا شرورهم إنك على كل شيء قدير، اللَّهُمَّ احفظ علينا أمننا وإيماننا
واستقرارنا في أوطاننا ولا تسلط علينا ذنوبنا ما لا يخافك فينا ولا يرحمنا برحمتك يا
أرحم الراحمين.
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين،
اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من
المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم
وأموالهم، اللهم أطعم جائعهم واكس عاريهم وفك أسيرهم واشف مريضهم يا رب العالمين، اللهم
اكفنا والمسلمين شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم
يا رب العالمين، اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أهل دينك اللهم عليك
بهم فإنهم لا يعجزونك, اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا
عزيز، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك
سميع قريب مجيب الدعوات، اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد
لله رب العالمين .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ
الوليد الشبعان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129
|