الثناء الجميل
الحمد لله ب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم
عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:
عباد
الله: اتقوا الله تعالى، واعلموا أن من الدعوات الخالدات والتي ذكرت بين الآيات
دعوات الخليل ابراهيم عليه السلام في قوله تعالى في سورة الشعراء: (رب هب لي حكما
وألحقني بالصلحين . واجعل لي لسان صدق في الآخرين ...الآية)
وهي
دعوات عظيمة مشتملة على مطالب جليلة من المصالح الدينية والدنيوية والأخروية.
فقوله:
(رب هب لي حكما) أي: علماً كثيراً أعرف به الاحكام والحلال والحرام وأحكم به بين
الأنام.
وقوله:
(وألحقني بالصالحين) أي: اجعلني مع الصالحين في الدنيا والأخرة وألحقني بمن قبلي
من النبيين في المنزلة والدرجة.
وهذا
فيه تأكيد لقوله: ( رب هب لي حكما)، قال الإمام الطبري رحمة الله:( يقول: واجعلني
رسولاً إلى خلقك حتى تلحقني بذلك بعداد من أرسلته من رسلك إلى خلقك، وائتمنته على
وحيك واصطفيته لنفسك).
وقوله:
( واجعل لي لسان صدق في الآخرين ) أي: اجعل لي في الناس ذكراً جميلاً وثناء حسناً
باقياً في من يجيء من القرون بعدي .
قال
أهل العلم: وقد اجاب الله دعاء ابراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم " فوهب له
من العلم والحكم ما كان بخ أفضل المرسلين وألحقه بإخوانه المرسلين ,وجعله محبوباً
مقبولا معظماً مثنىً عليه في جميع الملل
في جميع الأوقات "
وهذا
كما قال الله عز وجل: ( إن ابراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين .
شاكراً لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم)
وقد
أخذا أهل العلم من هذه الدعوة الترغيب في العمل الصالح الذي يكسب العبد الثناء
الحسن ويورثه الذكر الجميل إذ هو الحياة الثانية للإنسان .
وقوله:
(واجعلني من ورثة جنة النعيم) أي ممن تعطيه الجنة وتمنّ عليه بدخولها وقد أجاب
الله دعوته فرفع منزلته في جنات النعيم .
وقوله:
(ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) أي
أجرني يا الله من الخزي يوم القيامة يوم يبعث الخلائق أولهم وآخرهم – ويدعو وهو
خليل الرحمن وأبو الأنبياء بهذا الدعاء العظيم الذي يزلزل الجبال ويوقظ القلوب
الحية أن العبد لا يزال يسأل الله الحي القيوم أن لا يخزيه يوم القيامة فكيف بمن
بعده كائنا من كان !! فنحن بأمسّ الحاجة
لذلك .
قال ابن القيم رحمه الله: القلب السليم هو الذي سلم
من الشرك والغل والحقد والحسد والشح والكبر وحب الدنيا والرئاسة، فسلم من كل آفة
تبعده عن الله، وسلم من كل شبهة تعارض خبره، ومن كل شهوة تعارض أمره، وسلم من كل
إرادة تزاحم مراده، وسلم من كل قاطع يقطع عن الله. ولا تتم له سلامته مطلقا حتى
يسلم من خمسة أشياء: من شرك يناقض التوحيد، وبدعة تخالف السنة، وشهوة تخالف الأمر،
وغفلة تناقض الذكر، وهوى يناقض التجريد والإخلاص. وهذه الخمسة حجْبٌ عن الله، وتحت
كل واحدة منها أنواع كثيرة، تتضمن أفرادا لا تنحصر. ولذلك اشتدت حاجة العبد، بل
ضرورته، إلى أن يسأل الله أن يهديه الصراط المستقيم، فليس العبد أحوج منه إلى هذه
الدعوة، وليس شيء أنفع له منها.
هذا وإنا لنسأل الله الكريم أن يلحقنا بالصالحين من عباده وأن
يجعلنا من ورثة جنة النعيم وأن لا يخزينا يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا
من أتى الله بقلب سليم .
أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب فاستغفروه
انه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، وأشهدُ أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك
عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
اعلموا
أن العبد بحاجة إلى أن يكون قلبه سليماً لإخوانه المسلمين حتى ينجو من خزي يوم
القيامة.
روى
الشيخانِ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْكِي نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ
قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ
اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.
فتأمل
حال النبي صلى الله عليه وسلم، كيف جمع في هذه الكلمات أربعة مقامات من الإحسان، قابل
بها إساءتهم العظيمة إليه:
أحدها:
عفوه عنهم. والثاني: استغفاره لهم. والثالث: اعتذاره عنهم بأنهم لا يعلمون. الرابع:
استعطافه لهم بإضافتهم إليه فقال: اغفر لقومي. كما يقول الرجل لمن يشفع عنده فيمن يتصل
به هذا ولدي، هذا غلامي، هذا صاحبي فهبه لي.
انظر أخي الكريم إذا كان هذا هو حال النبي صلى الله
عليه وسلم مع أعدائه، فكيف حاله مع أصحابه رضي الله عنهم أجمعين.؟!!!
وأخيراً
فإليكم بعض الأسباب المعينة على سلامة الصدر:
أولاً:
إخلاص العمل لله وحده . وثانيها : رضا المسلم عن ربه .
وثالثها
: تلاوة القرآن بتدبر وتفهم . ورابعها : حسن الظن بالمسلمين.
وخامسها
: لدعاء بسلامة القلب كما ثبت بذلك الدعاء عن نبينا صلى الله عليه وسلم رواه أحمد
في المسند .
وسادسها
: إفشاء السلام . وسابعها : الهدية وإن قلّت.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنّا
سيء الأخلاق لا يصرف عنّا سيئها إلا أنت، اللهم إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق
والأهواء والأدواء، اللهم إنا نسألك قلوبا سليمة، اللهم اجعلنا لك شاكرين.. لك
ذاكرين.. لك راغبين.. لك راهبين. اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وثبت حجتنا،
واهد قلوبنا، ويسر أمورنا، وطهر قلوبنا، واسلل سخيمة قلوبنا، برحمتك يا أرحم
الراحمين.
اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء
عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ عليهم
دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، اللهم اكفنا والمسلمين شر الأشرار
وكيد الفجار.
اللهم وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم أنصارا
لدينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم من أرادنا وأراد ديننا وبلادنا بسوء اللهم
فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين،
اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا واستقرارنا وجماعتنا يا أرحم الراحمين .
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم واغفر لنا إنك أنت الغفور
الرحيم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن
الحمد لله رب العالمين.
وللخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا: http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129
|