ثلاث وصايا نبوية الحمدُ لله على سعةِ عطائِه، وكثرةِ نعمائِه، أحمدُهُ -تعالى- وأشكره على سوابغ آلائه وتَرادُف امتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعالى بعزته وكبريائه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، خيرتُه من خلقِه وصفيُّه من أوليائِه ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا مزيداً إلى يوم لقائه. أما بعد: فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى، فمن اتقاه وقاه ، ومن توكل عليه كفاه . عباد الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا. وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ. هذا الحديث احتوى على ثلاث جمل ووصايا نبوية وهي فضل الصدقة، والعفو والتواضع، وبيان ثمراتها العاجلة والآجلة، وأن كل ما يتوهمه المتوهم من نقص الصدقة للمال، ومنافاة العفو للعز، والتواضع للرفعة. وهم غالط، وظن كاذب. فالصدقة لا تنقص المال؛ لأنه لو فرض أنه نقص من جهة، فقد زاد من جهات أُخر؛ فإن الصدقة تبارك المال، وتدفع عنه الآفات وتنميه، وتفتح للمتصدق من أبواب الرزق وأسباب الزيادة أموراً ما تفتح على غيره. فهل يقابل ذلك النقص بعض هذه الثمرات الجليلة؟!! فالصدقة لله التي في محلها لا تُنفِد المال قطعاً، ولا تنقصه بنص النبي صلّى الله عليه وسلم، وبالمشاهدات والتجربات المعلومة. هذا كله سوى ما لصاحبها عند الله: من الثواب الجزيل، والخير والرفعة. وأما العفو عن جنايات المسيئين بأقوالهم وأفعالهم: فلا يتوهم منه الذل، بل هذا عين العز، فإن العز هو الرفعة عند الله وعند خلقه، مع القدرة على قهر الخصوم والأعداء. ومعلوم ما يحصل للعافي من الخير والثناء عند الخلق وانقلاب العدو صديقاً، وانقلاب الناس مع العافي، ونصرتهم له بالقول والفعل على خصمه، ومعاملة الله له من جنس عمله، فإن من عفا عن عباد الله عفا الله عنه. وكذلك المتواضع لله ولعباده ويرفعه الله درجات؛ فإن الله ذكر الرفعة في قوله: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}, فمن أجلّ ثمرات العلم والإيمان: التواضع؛ فإنه الانقياد الكامل للحق، والخضوع لأمر الله ورسوله؛ امتثالاً للأمر، واجتناباً للنهي، مع التواضع لعباد الله، وخفض الجناح لهم، ومراعاة الصغير والكبير، والشريف والوضيع. وضد ذلك التكبر؛ فهو غمط الحق، واحتقار الناس. وهذه الثلاث المذكورات في هذا الحديث: مقدمات صفات المحسنين. فهذا محسن في ماله، ودفع حاجة المحتاجين. وهذا محسن بالعفو عن جنايات المسيئين. وهذا محسن إليهم بحلمه وتواضعه، وحسن خلقه مع الناس أجمعين. وهؤلاء قد وسعوا الناس بأخلاقهم وإحسانهم ورفعهم الله فصار لهم المحل الأشرف بين العباد، مع ما يدخر الله لهم من الثواب. وفي قوله صلّى الله عليه وسلم: "وما تواضع أحد لله" تنبيه على حسن القصد والإخلاص لله في تواضعه؛ لأن كثيراً من الناس قد يظهر التواضع للأغنياء ليصيب من دنياهم، أو للرؤساء لينال بسببهم مطلوبه. وقد يظهر التواضع رياء وسمعة. وكل هذه أغراض فاسدة. لا ينفع العبد إلا التواضع لله تقرباً إليه. وطلباً لثوابه، وإحساناً إلى الخلق؛ فكمال الإحسان وروحه الإخلاص لله.. باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم. الخطبة الثانية الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد. عباد الله: ومن فوائد الحديث: أن الصدقة سبب لحماية المال وزيادة البركة فيه, لأننا نعلم أن المال ينقص عدداً بلا شك للصدقة, لكن نفى الرسول صلى الله عليه وسلم النقص عنه؛ يعني: أنه سيكون محمياً من الآفات, ولا يسلط الله على صاحبه ما ينفق المال فيه. ومن فوائد الحديث: أنه لا ينبغي الاعتماد على الأمور المادية؛ لأن هناك أشياء وراء الأمور المادية وهو قدر الله عز وجل. ومن فوائد الحديث: الحث على العفو: لقوله: «وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزا» , وهذا لا شك أن المراد به الحث على العفو . ولكن اعلموا أيها الناس أن العفو ليس على إطلاقه ولكنه مقيد بالإصلاح: {فمن عفى وأصلح}. أما إذا لم يكن في عفوه إصلاح فإنه لا ينبغي العفو, بل أحياناً يجب الأخذ. ومن فوائده: أن الله سبحانه يعز الإنسان الذي يعفو عن إخوانه لله, فمن عفا؛ عفا الله عنه, وإذا عفا الله عن العبد فهذا سبب لعزته. ومن فوائد الحديث: الحث على التواضع لله وهذا فيه إشارة إلى مراعاة الإخلاص, وأن الإخلاص له أثر كبير في حصول الثواب لقوله: «من تواضع لله رفعه الله عز وجل». ومن فوائد الحديث: أن الإنسان كلنا ازداد طاعة لله وانقياد لأمر ازداد رفعة ولهذا قال الله تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}. ومن فوائد الحديث: أن الأمر كله لله وأن من رفعه الله فل خافض له ومن وضعه فلا رافع له لقوله: «إلا رفعه الله». اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أصلحْ لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم يا رب العالمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، يا قوي يا عزيز. اللهم ادفع عن بلادنا مضلات الفتن والشرور والوباء والبلاء، اللهم ادفع وارفع واصرف عنا الوباء والبلاء، وقنا شر الأدواء يا سميع الدعاء. اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك اللهم إنا نعوذ بك من البرص والجنون والجذام وسيئ الأسقام. اللهم إنا نسألك أن تكفينا شر الأوبئة والأمراض يا أرحم الراحمين. اللهم وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم أنصارا لدينك واجزهم خير الجزاء على ما يقومون به من خدمة للإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129
|