كن في الدنيا كأنك غريب
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين، اللهم صلِّ على
محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك
على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد .
أما بعد:
فاتقوا
الله عباد الله؛ روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه أن
النبي –صلى الله عليه وسلم- أخذ بمنكبه فقال: «كُنْ في الدُّنْيا كأَنَّكَ غريبٌ،
أَوْ عَابِرُ سبيلٍ»، هكذا أوصى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- شابًا قد بلغ
الحلم أو ناهزه أن يكون على هذه الحال من التهيؤ والاستعداد للارتحال فمهما كان
الإنسان صغيرًا صحيحًا غنيًا قويًا شابًا فالرحيل قريب، عش في الدنيا كأنك غريب أو
عابر سبيل فهاتان حالان لا يكون فيهما الإنسان قد وطن نفسه على القرار، ولا هيأ
نفسه على الاستمرار على حال، بل هو في جد واجتهاد لنيل مقصوده ومآربه ثم الارتحال
إلى جهته ومقصوده.
جئنا
إلى هذه الدنيا لا لنعمرها ونقر فيها، إنما جئنا لاختبارٍ سرعان ما تنقضي أيامه
وتزول ساعاته، ثم يصبح الإنسان كما ذكر الكريم المنان ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا
كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ .
فكل
واحد منا مرتهن بعمله سيجزى عليه ويحاسب، لن يترك شيء إلا وسيسأل عنه حتى النعيم
الذي تتنعم فيه سيسألك الله تعالى عنه ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ
النَّعِيمِ﴾ لما نزلت هذه الآية ثم قال الزبير يا رسول الله فأي النعيم نسأل عنه وإنما
هما الأسودان التمر والماء ؟!!! قال أما إنه
سيكون . قال هذا حديث حسن .
فما بالنا ونحن نتقلب في نعم كثيرة ليس منا إلا
ما ندر من يخرج جائعًا من بيته كلنا شبعى، إن جاءنا الحر الشديد فلا نشعر به من
هذه الحياة النقية وهذه المكيفات التي تبرد علينا أينما حللنا وأينما ارتحلنا
فنحمد الله ونثني عليه، وإن أتانا البرد القارس
فلا نشعر به من كثرة وتنوع وسائل التدفئة فنحمد الله ونثني عليه .
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾
أمركم الله بتقواه وأمركم بألا تموتوا إلا على هذه الحال على الإسلام ثبتني الله
وإياكم عليه.
وهذا
يعني أن لزوم التقوى موجب لحسن الخاتمة، وأن يكون الإنسان قائمًا بأمر الله ويموت
على هذه الحال على الإسلام وتلك منية عظمى ومقصد أسمى من حازه ووفق إليه فاز
بسعادة الدارين فمن كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة، أتظنون أن
التوفيق إلى هذه الكلمة في تلك الساعة الحرجة خبط عشوائي!!، أتظنون أنها حظوظ
عمياء !! لا والله إنها نتيجة مقدمات وأعمال
صالحة وقبلها وأساسها توفيق الله الحميد، فاستقم الآن تجد من الله عونا وتثبيتًا
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ
عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا
بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾ ينزل الله
من الملائكة على عبده المؤمن ما يكون تثبيتًا له في ساعات الاحتضار، فينتهي حاله
على أجمل حال يوفق إلى الخاتمة الجميلة.
لكن
ذلك وفق ما تفضل به على عبده من صالح العمل المتقدم بين يدي موته، فاجتهدوا في
صالح العمل، اعمروا أوقاتكم فيما تحبون أن يكون بين أيديكم عند لقاء ربكم مهما
كثرت أموالكم وعظم جاهكم وكثر ولدكم وأصبتم من الدنيا ما أصبتم ستخرجون منها بكفن
يرافقكم في كفنكم عمل قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «يتْبعُ الميتَ ثلاثَةٌ:
أهلُهُ ومالُه وعمَلُه، فيرْجِع اثنانِ ويبْقَى واحِدٌ» هذا أنا وأنت ثلاثة؛ أهلك،
ومالك، وعملك يرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع الأهل والمال ويبقى العمل.
تنطوي
الأيام وتنقضي السنون ويأتي عام ويرحل آخر ونحن في غفلة، إذن فمتى نستيقظ!!!!!!
متى نعود إلى أنفسنا لإصلاح قلوبنا والتفتيش عن مواطن الخلل في أعمالنا وإصلاح
علاقتنا وصلتنا بربنا!!!!
إن
إصلاح صلتك بالله مبدأه صلاح قلبك بطهارته من شرك أو نفاق أو بدعة أو آفات مفسدة،
إن صلاح ما بينك وبين الله لا يكون إلا بقلب سليم ثم بعمل صالح مستقيم، فتش نفسك
في فرائض الله عليك ليكن عامك عامًا مختلفًا عن سائر الأعوام.
فأنت
كلما تقدمت بك الأيام اقتربت من أجلك، ودنوت من قبرك فجد في الاستعداد لذلك
المكان، والتهيؤ له إياك أن تغتر بما أنت فيه أو أن يغرك أمن وارث ونعيم حاضر وجاه
وغير ذلك من متع الدنيا فما أسرع زوالها.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من
الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم إنه هو الغفور
الرحيم.
|