ثمرات اليقين برب العالمين
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من
شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا
هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً
عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً
كَثِيراً أما بعد:
عباد الله:
اتقوا
الله تعالى، واعلموا أن مِنْ مَنَازِلِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] مَنْزِلَةُ الْيَقِينِ
اليقين
شعبة من شعب الإيمان بل هو من أعلى درجات أعمال القلوب ؛ إذ هو العلم الجازم
بإيمان وطمأنينةِ نفس بما جاء عن الله تعالى يقينًا يدفع صاحبه إلى اتباع الشرع
الحنيف.
إن
اليقين – عباد الله - إذا وقر في القلب:
اطمأن العبد وعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
إن
اليقين إذا وقر القلب : أقام العبد الأوامر والنواهي وهو منشرح الصدر مُلتذٌّ بها
فلم يجزع ولم يتأفف.
واليقينَ
مِنَ الْإِيمَانِ مَنْزِلَةُ الرُّوحِ مِنَ الْجَسَدِ. وَبِهِ تَفَاضَلَ
الْعَارِفُونَ. وَفِيهِ تَنَافَسَ الْمُتَنَافِسُونَ. وَإِلَيْهِ شَمَّرَ
الْعَامِلُونَ. وَعَمَلُ الْقَوْمِ إِنَّمَا كَانَ عَلَيْهِ. وَإِشَارَاتُهُمْ كُلُّهَا
إِلَيْهِ. وَإِذَا التقى الصَّبْرُ بِالْيَقِينِ: وُلِدَ بَيْنَهُمَا حُصُولُ
الْإِمَامَةِ فِي الدِّينِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبِقَوْلِهِ: يَهْتَدِي
الْمُهْتَدُونَ {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا
صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]
وفي
الدعاء المأثور ( اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ,,,,ومِنَ
اليقينِ ما تُهَوِّنُ بِهِ علَيْنَا مصائِبَ الدُّنيا) حديث حسن رواه الترمذي
قال
عن ابن مسعود رضى الله عنه أنه قال : «اليقين هو الإيمان كله»( أخرجه البخاري معلقاً
بصيغة الجزم في كتاب الإيمان ومراده
رضى الله عنه بيان عظم هذه الشعبة وأنها من أعلى درجات الإيمان.
وَخَصَّ
سُبْحَانَهُ أَهْلَ الْيَقِينِ بِالِانْتِفَاعِ بِالْآيَاتِ وَالْبَرَاهِينِ.
فَقَالَ، وَهُوَ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ}
[الذاريات: 20] .
وَخَصَّ
أَهْلَ الْيَقِينِ بِالْهُدَى وَالْفَلَاحِ مِنْ بَيْنِ الْعَالَمِينَ، فَقَالَ:
{وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ
وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ - أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 4 - 5] .
وَأَخْبَرَ
عَنْ أَهْلِ النَّارِ: بِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْيَقِينِ،
فَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا
رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا
وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} [الجاثية: 32] .
فَالْيَقِينُ
رُوحُ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ الَّتِي هِيَ أَرْوَاحُ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ.
وَهُوَ حَقِيقَةُ الصِّدِّيقِيَّةِ. وَهُوَ قُطْبُ هَذَا الشَّأْنِ الَّذِي
عَلَيْهِ مَدَارُهُ.
عن
أبي سعيد مرفوعا. " إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله، وأن تحمدهم
على رزق الله، وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله; إن رزق الله لا يجره حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره "
والتَّوَكُّلَ
ثَمَرَة اليقين وَنَتِيجَتُهُ. وَلِهَذَا حَسُنَ اقْتِرَانُ الْهُدَى بِهِ.
قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ}
[النمل: 79] فَالْحَقُّ: هُوَ الْيَقِينُ.
وَمَتَّى
وَصَلَ الْيَقِينُ إِلَى الْقَلْبِ امْتَلَأَ نُورًا وَإِشْرَاقًا. وَانْتَفَى
عَنْهُ كُلُّ رَيْبٍ وَشَكٍّ وَسَخَطٍ، وَهَمٍّ وَغَمٍّ. فَامْتَلَأَ مَحَبَّةً
لِلَّهِ. وَخَوْفًا مِنْهُ وَرِضًا بِهِ، وَشْكْرًا لَهُ، وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ،
وَإِنَابَةً إِلَيْهِ. فَهُوَ مَادَّةُ جَمِيعِ الْمَقَامَاتِ وَالْحَامِلُ لَهَا.
وقَالَ
أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ: الْيَقِينُ مَلَاكُ الْقَلْبِ. وَبِهِ كَمَالُ
الْإِيمَانِ. وَبِالْيَقِينِ عُرِفَ اللَّهُ. بِالْعَقْلِ عُقِلَ عَنِ اللَّهِ.
واليقين
عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ. فَالْأَوَّلُى:
عِلْمُ الْيَقِينِ. وَالثَّانِية:
عَيْنُ الْيَقِينِ. وَالثَّالِثُة : حَقُّ الْيَقِينِ.
فالدَّرَجَةُ
الثَّالِثَةُ حَقُّ الْيَقِينِ وهي أعلاها وأفضلها واعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الدَّرَجَةَ لَا تُنَالُ
فِي هَذَا الْعَالَمِ إِلَّا لِلرُّسُلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ
أَجْمَعِينَ. فَإِنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى
بِعَيْنِهِ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ سَمِعَ كَلَامَ
اللَّهِ مِنْهُ إِلَيْهِ بِلَا وَاسِطَةٍ، وَكَلَّمَهُ تَكْلِيمًا. وَتَجَلَّى
لِلْجَبَلِ وَمُوسَى يَنْظُرُ، فَجَعَلَهُ دَكًّا هَشِيمًا.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ؛
وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيات وَالذِّكْرَ الْحَكِيمَ ؛
أَقُولُ هَذَا الْقَوْلِ وَاِسْتَغْفَرَ اللهُ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ
الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة
الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَظِيمُ الْإحْسَانِ، وَاسِعُ الْفَضْلِ وَالْجُودِ
وَالْاِمْتِنَانُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا
شَرِّيُّكَ لَهُ، وَأَشَهِدَ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ وَسُلَّمٌ
عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَأَصْحَابَهُ أَجَمْعَيْنِ. أما بعد :
فلسائل
أن يقول : كيف يحصل اليقين ؟
فالجواب
بثلاثة أمور
الأول: تدبر القرآن .
والثاني: تدبر الآيات التي
يحدثها الله في الأنفس والأفاق التي تبين أنه حق .
والثالث: العمل بموجب العلم
أيها
الناس: إن لليقين آثار كثيرة وثمرات عظيمة في حياة
العبد ومعاده ، ومن تلك الثمرات ما يلي:
اليقين
من أعظم أسباب حياة القلب وطمأنينته وقوته ونشاطه وسائر لوازم الحياة ،
اليقين
من أعظم أسباب قوة الإيمان وزيادته، وبه تنال الإمامة في الدين
اليقين
من أسباب انشراح الصدر وسلامة النفس من الخوف والقلق والتردد ، فاليقين يعين على
الصبر والاحتساب والرضا بالقضاء والقدر ، ويدفع عن القلب الوساوس والخواطر
السيئة .
= اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن
طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا
بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من
ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا فى ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر
همنا، وﻻ مبلغ علمنا، وﻻ تسلط علينا من ﻻ يرحمنا.
= اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى وألّف بين قلوبهم ووحد
صفوفهم وأصلح حكامهم وارزقهم جميعا العمل بكتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
= اللهم أصلح أحوالنا ونياتنا وذرياتنا واختم بالصالحات أعمالنا
وبلغنا فيما يرضيك آمالنا. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب
النار، اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
|